واليمن توشك أن تنفد!
منصور هائل
انطلاقاً من خبرته التاريخية العميقة والمؤلمة تحدث رضوان حرسي، نائب السفير الصومالي بصنعاء، الأسبوع الماضي، في لندن، وحرص على لفت وتحذير اليمنيين سلطة ومعارضة من انهيار بلادهم على نحو ما انتهى إليه مصير بلاده.
وقال حرسي في الندوة الدولية الخاصة باليمن، والتي نظمها معهد الدراسات الملكي البريطاني "شاتهام هاوس"، مطلع الأسبوع الماضي، إن بلاده تعاني من انفصال في الشمال وغياب دولة في الجنوب ونشاط واسع للقاعدة والمسلحين، وأن على اليمنيين أخذ العبرة مما يجري في الصومال قبل فوات الأوان.
وبما أن الابتلاء بلعنة الاستعلاء النرجسي الأجوف تجاه الإخوة والجيران في الصومال والقرن الأفريقي، يصيب معظم اليمنيين في الصميم، فإنهم يستكثرون على الصومال حتى أن تكون "عبرة". والراجح أنهم سيتأخرون عن النهوض بواجب الاعتبار بما صار في تلك الديار، ولن تلتقط القوى السياسية اليمنية في السلطة والمعارضة وكافة الأطياف والأطراف المدعوة إلى الالتفات لتصريحات وتلميحات حرسي، هذه الفرصة الذهبية، ولا يلوح في الأفق ما يبشر أو يؤشر إلى توجه سريع وجاد في هذا المسعى.
الأكيد والواضح أن العكس هو ما يحدث تماماً، وتطالعنا الشواهد والمعطيات بأن نشطاء تنظيم القاعدة في اليمن و"شباب المجاهدين" في الصومال سيحرزون سبقاً واضحاً في هذا المضمار، وليس ثمة ما يمنع أن يكونوا هم الطرف الأسرع في التوجه إلى وضع ذبذبة الأحداث على خط ناظم، ونسجها في خيط واحد، تمهيداً لانتقالهم بل وإعلانهم عن انتقالهم إلى إطار موحد يجمع بين تنظيم القاعدة في اليمن وشبه جزيرة العرب و"شباب المجاهدين" في الصومال، ويوحد طاقاتهم وقدراتهم، ويوسع نطاق عملياتهم وحركتهم ومناوراتهم المنسقة في مسرح لا تترامى أطرافه من عمق جزيرة العرب لينتهي عند السواحل الصومالية الممتدة لأكثر من 3 آلاف ميل، والمتشاطئة مع معظم بلدان القرن والشرق الأفريقي فحسب، وإنما ينفتح ليكون منصة انطلاق نحو العالم برمته، ما يعني انتقال "القاعدة" هنا وهناك إلى طور جديد لن تستطيع عضلات الأساطيل العسكرية احتواءه، ولن تستطيع أية قبضة أمنية اصطياد غربانه أو الإجهاز عليه مهما أوتيت من قوة، وقد تصبح محنة الاستنقاع الأمريكي في برك الدم بأفغانستان التي استغرقت 10 أعوام حتى الآن، مجرد نزهة بالقياس إلى ما ينتظرها في اليمن والصومال، حيث الحرب هي الخبز اليومي والرياضة اليومية والقومية الطاغية.
وعوداً إلى ندوة معهد "شاتهام هاوس" الذي ينبغي أن تكون وثائقه متاحة للمعنيين والمهتمين والرأي العام اليمني بصفة عامة، يتوجب الالتفات إلى ما صدر عن وزير التنمية الدولية البريطاني ألن دانكن، فهو قال: نفط اليمن ينفد، ومياه اليمن تنفد، وربما الوقت أيضاً أوشك على النفاد.. الوقت يمر بسرعة والأمور تسير إلى الأسوأ، وعلينا الآن أن نعمل شيئاً لإنقاذ اليمن قبل أن يكون الوقت متأخراً.
ولعل أوراق ومناقشات الندوة تقاطعت كثيراً عند نقطة فشل المانحين في كبح تدهور الأوضاع في اليمن، ولوح بعضها إلى انعقاد اجتماع أصدقاء اليمن في الرياض في فبراير العام القادم، باعتباره الفرصة الذهبية الأخيرة، ومن غير المستبعد أن يكون الباحث الأمريكي روبرت بوروز الذي شارك في الندوة، وهو متخصص في شؤون اليمن منذ مطلع السبعينيات، قد انهجس بهذا المعطى أكثر من غيره، حين قال: منذ عام 1997 على الأقل أظهر نظام صالح مراراً أنه يفتقر إلى الرغبة والقدرة على جعل اليمن دولة لها مقومات البقاء والاستمرار. وقال: إن حجم الأزمات اليمنية وطبيعة الحكم المطلق الفاسد لنظام صالح يجعل من المستبعد أن يحقق المانحون الأجانب الكثير. وأضاف: وقف الانزلاق نحو انهيار أجهزة الدولة في اليمن يستلزم تنسيقاً مكثفاً للقوى الخارجية والمحلية من أجل إحداث تغييرات في السياسة الاقتصادية والاجتماعية والإدارة.
روبرت بوروس الذي قال لنا ذات يوم في صنعاء إن اليمن تدار من اللصوص باللصوص وإلى اللصوص، خلص إلى القول: "يمكن أن يكون لأصدقاء اليمن دور كبير، لكن سيكون عليهم استخدام أسلوب العصا والجزرة بفاعلية أكبر وبتصميم أشد مما فعل المجتمع الدولي في السابق".
أي نعم.. العصا والجزرة أهون، وليس إعلان الحرب على اليمن وتدميرها تحت شعار "تدمير القاعدة في اليمن" الذي رفعه أوباما ليستحضر صورة سابقه جورج بوش، حين أعلن الحرب على القاعدة ولتدمير "طالبان" في أفغانستان، وانتهى بتدمير أفغانستان، أو أعلن حرب القضاء على العراق وانتهى بتحويل العراق إلى أنقاض.
واليمن توشك أن تنفد!
2010-11-10