في المحاضن الأولى، وفي وسائل التنشئة، ابتداء من الأسرة، المسجد، المدرسة، وفي الجامعات الحكومية، وحتى الأهلية.. وفي استراحات الأحزاب، حتى، والمنتديات، والصالات الفارهة، يتم تداول مصطلحات ومفاهيم لافتة، شعارات ومعانٍ عظيمة.. من مثل الوطنية، وحب الوطن، المصلحة العامة، النظافة من الإيمان... الخ..
كلها تستحث البني آدم ليسمو.. يرتقي.. يؤثر.. يحس ويستشعر أهمية المجموع.
المفاهيم هذه والمصطلحات والمعاني الراقية، على نطاق واسع، تأخذ مداها، وتظل تسري لتنتقل عبر الأجيال المتلاحقة.. تنتشر.. تتداول.. تأخذ حيزًا في الكتب والمؤلفات، والدفاتر، وفي شروحات المعلمين والقادة العظام.
لا يخلو منها مكان، وعلى وجه الخصوص، ملتقيات النخب الحاكمة والمثقفة والمحازبة.. وهكذا...
ما ينقص هذه المفاهيم والشعارات هو شيء واحد.. فقط.. وهي أنها لم تدخل في مكان واحد، ألا وهو المختبر العملي.
هل تم/يتم اختبارها عمليًا.. لمعرفة مدى صحة التطبيق.. التنفيذ..
حقيقة الادعاء.
سؤال لا بد منه بمواجهة الفشرة والنشرة.. لنأخذ، على سبيل المثال، "المصلحة العامة"... لافتة عريضة وجميلة.
لكن.. ما حكاية وما أخبار الإعلاء من شأن هذه القيمة في نفوسنا.. صحة تعاطينا وأخذها على محمل الجد في مختلف شؤون حياتنا حكامًا ومحكومين، مؤسسات وأفرادًا، نخبًا وعامة.
نقف هنا.. ومن دون استرسال وتطويل.. نستشف المراد.
ستكفينا نظرة واقعية على وضعنا المعيش.. الميدان.. مختبر سوق الشعارات.. أين نحن؟!
لم، فقط، هكذا نحن؟!
نحن الذين نعتجن بأيدينا.. أكثر من اللازم.. وبأكثر مما يجب.. ولم؟!
حالنا البئيس، الفساد الطّام، الاحتراب المستدام، والموت المجاني..
لأجل من؟! وما؟!
أليست، في الأخير، هي المصالح الشخصية.. الذاتية الموغلة في الصدور، الذاهبة في العمق.. أو لعلها النرجسية الآخذة مداها..؟
إذن.. إفرازات هذه الأمراض لا تخفى في بلد يئن تحت وطأة البنين المتشدقين.. بلد تنتهك فيه المصلحة العامة لحساب مصالح شخصية ضيقة، تصادر أرصدة البلد لحسابات ذاتية، بلد تمتهن كرامته، موارده،
مؤسساته، ساحاته الهامة.. تمّحي أناقته ورونقه، مظهره ونظافته، ويشوه فيه كل شيء جميل..
البلد اليستحيل مخلفات نفاية ومقلب قمامة بفعل أبنائه الأكارم.. لن تغدو المصلحة العامة فيه سوى "مسلحة عامة" لبنيه الكرام.. وحسب.