عبدالحليم سيف(شبكات التواصل)
زودني الزميل العزيز الباحث الصحفي القدير عبدالحليم سيف، بهذه المقابلة، وعبدالحليم غني عن التعريف، فقد وثق لصحيفة "الثورة" منذ صدور أول عدد من أعدادها، وصور بدقة تاريخ الصحيفة والمراحل المختلفة التي مرت بها، ودرس عميقًا تطورها المهني والفني والمضمون، كما تتبع التعاقب على رئاسة تحريرها، ودرس ووثق لنشأة العمل النقابي الصحفي. وإصداراه عن تجربة صحيفة "الثورة" ونقابة الصحفيين اليمنيين ومنظمة الصحفيين الديمقراطيين في عدن، عمل بحثي وتوثيقي عجزت عن القيام به مؤسسات الدولة ومراكز البحث.
ما يهمني هنا مقابلته الوحيدة مع الصحفي القدير والأديب القاص الكبير الصحفي الراحل محمد المساح، أحد رؤساء تحرير صحيفة "الثورة"، وواحد من أهم صناعها وعضو هيئة تحريرها، وكان عموده من أهم وأشهر أعمدة صفحتها الأخيرة "لحظة يا زمن".
كثيرًا ما كان يردد شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني أن السؤال دائمًا أذكى من الجواب، ولكني في قراءة أسئلة حليم وأجوبة المساح أرى قدرًا من الندية والتكافؤ في ذكاء الأسئلة ومهارة وفطنة الأجوبة.
يقدم حليم المساح كواحد من نجوم "الثورة" اللامعة في سماء الصحافة اليمنية، وصاحب أشهر وأطول عمود يومي على مدى أربعة عقود، ويراه ومعه كل الحق أنه أحد رواد الصحافة في جيل السبعينيات، وأنه ظل يعيش ويتحرك ويتنفس بنبض القلم كتعبير حليم.
محمد المساح(شبكات التواصل)
هذا الصحفي الرائد والقلم الجبار والأديب الكبير، عاش فقيرًا، ومات مقصيًا، ولكنه على جانب عظيم من المعاناة والجلد والصبر والاعتزاز بكرامته وكبريائه الإنسانية.
المقدمة والأسئلة رصد دقيق لنشأة المساح وبداية حياته كبائع جرائد ثم رئيسًا لتحرير أكبر وأشهر صحيفة في اليمن "الثورة"، ويتناول حليم رؤساء التحرير الكثيرين الذين خرجوا إما مطرودين أو إلى السجون أو مقصيين ومهملين كمحمد المساح.
احتل المساح، ولعدة عقود، موقع القيادي الثاني بعد الأستاذ محمد ردمان الزرقة، أشهر رئيس تحرير لـ"الثورة"، ويكون السؤال عن مكان الميلاد، ويجيب المساح قرية الردع عزاعز.
أما عن الميلاد فسنة "المجارين"، والمجران موقع تجميع الفلاحين المحصول الزراعي، ويبدو أن المساح قد ولد في زمن الخصب الذي حرم منه طوال حياته، وتدور الأسئلة المتقصية والماهرة عن حياة القرية والتعليم في الكتاتيب، ومن ثم الرحلة بين عدن والسعودية، وعن عدن الخمسينيات وتعز مركز الإشعاع، ثم الدراسة في القاهرة (إعلام وصحافة)، وبداية المشوار مطلع سبعينيات القرن الماضي.
لن أفسد متعتكم بقراءة الأسئلة والأجوبة الشائقة، سأقوم بنشرها مع هذه المقدمة، والفضل والامتنان للباحث القدير الأستاذ عبدالحليم سيف، الذي استخرج كوامن نفس وسيرة حياة محمد عبدالله المساح، البخيل جدًا في الحديث عن نفسه، وأعتقد أن مقابلة حليم مع المساح هي الأولى والأخيرة، وهي أصدق تدوين لسيرة حياة المساح العطرة وأدواره الرائعة.
صاحب "لحظة يا زمن" الأستاذ محمد المساح.. يتذكر تلك الأيام:
محمد المساح - ريشة رقمية
-----------------------
من بائع جرائد في عدن إلى رئيس تحرير في صنعاء
عرفت العالم الإنساني في عدن.. ودرست في الإنقاذ والمعهد الإسلامي.
حاولت الالتحاق بالحرس الوطني فأرسلوني إلى القسم الداخلي.
تعز فتحت لي أبواب المستقبل وفي القاهرة عشقت صاحبة الجلالة
عُينت رئيساً لتحرير " الثورة "..وفوضويتي وراء إبعادي
"الثورة" انتقدت "الحكومة" بقوة.. ووقفت مع الشعب في أصعب الظروف
عناوين "الثورة" وراء حريق الشركة اليمنية للطباعة
خط الدفاع الأول عن الصحافة في السبعينيات: حمران، أنعم، دهمش، الرعيني، العرشي، باسندوة، الوصابي،الربادي، واللوزي
الطّفَرٔ أكبر الامتيازات.. وكنا زبائن أول الشهر عند "صوفان"
حوار/ عبد الحليم سيف
هو واحد من نجوم "الثورة" اللامعة في سماء الصحافة اليمنية..وصاحب أشهر وأطول عمود يومي على مدى أربعة عقود.
وهو أيضاً أحد رواد الصحافة من جيل السبعينيات.. مسيرة حياته المهنية تمثل لحظة زمن نادرة..لكنها مميزة بنكهة "عزعزية.. مَسٌاحِيٌة" معجونة بطين يمني أصيل.
وهو -أيضاً- عكس الاتجاه السائد أو المعروف في الوسط الصحافي اليمني.. زملاء هجروا بلاط صاحبة الجلالة مبكراً إلى أعمال آخرى.. في حين ظل هو يعيش.. يتحرك ويتنفس بنبض القلم.. تجده على الدوام.. بل وفي أصعب اللحظات وأقساها على النفس والجسد.. أكثر تمسكًا بمهنة يعرف أنها لا تؤكل عيشًا.. ولا تبني غرفة للأولاد ؛ لكنها أجمل وسيلة للتواصل الإنساني عند من يعرف سر الصحافة لفظاً ومصطلحاً ومهنة ورسالة.. ومكاناً ومعنى!!
إنني هنا أتحدث عن الأستاذ والزميل "الفوضوي" محمد عبدالله المساح ،الذي بدأ حياته الباكرة بائعاً للجرائد في عدن الخمسينيات.. ليصبح رئيساً للتحرير في صنعاء السبعينات..وذلك منذ التحاقه بالعمل لأول مرة في "الثورة" الصحيفة.. منقولا إليها من وزارة الإعلام عام ١٩٧٢م، وقد لا يعرف كثيرون اليوم أن الأستاذ المساح يحتل المرتبة الثانية بعد الأستاذ محمد ردمان الزرقة إبعاداً من موقع هيئة التحرير وسكرتارية تحرير الثورة، وذلك من بين (26) أستاذاً وزميلًا تولوا رئاسة تحرير الصحيفة خلال نصف قرن من عمرها!!
ومع ذلك خرج معظمهم من مبنى "الثورة" ، منكسري النفس؛ بعد أن أخلصوا للمهنة؛ وأعطوا ما لديهم لصاحبة الجلالة؛ وخدموا أيضاً الدولة والشعب على حد سوا...!
وقد لا يعرف كثيرون اليوم أن عدداً من أساتذتنا الأجلاء، الذين سبقونا إلى الصحيفة وأبدعوا أيام الستينيات والسبعينيات، خرجوا من "الثورة" إما إلى السجن أو إلى الشارع، أو نقلوا إلى مواقع أخرى؛ دون أن يسمعوا كلمة شكر.. أو عرفان من مسؤول، ومع ذلك مرة أخرى ظل كثيرون من أرباب القلم يكتبون لليمن والثورة والإنسان والوحدة والمستقبل بحس الوفاء والنقاء الوطني، ومن أولئك الرواد الأستاذ والزميل محمد عبد الله المساح ،الذي ما زال قلمه يسيل على الورق بأسلوبه الأدبي والفني المعروف في أبسط القضايا السياسية والاجتماعية وهو يتواصل مع الناس من باب الوفاء لقارئه، كما قال لي وهو يحدثني عبر الهاتف من القرية التي عشقها وأكثر ما كتب عنها. أرسلت له عبر الهاتف "رسائل SMS" حزمة ناسفة من الأسئلة وعلامات الاستفهام؛ في محاولة لنثر ذكرياته على صفحات "الثورة" بمناسبة عيدها الذهبي، وكان رده بالفاكس عبر أوراق قليلة؛ لأن الوقت - كما قال لي - لم يسعفه، والحديث "يشتي" أوراق وصور وهي غير موجودة، وهاكم ثمرة ما انتزعته من أعماق الأستاذ المساح في حوار لم يكتمل.
بعد سنة المجارين
•أستاذ محمد المساح... لنبدأ حوارنا من مكان الميلاد؟
- الميلاد في قرية الْرُّدْعْ عزاعز، مديرية الشمايتين، محافظة تعز.
•ومتى ولدت؟ وفي أي ظروف؟
-حين سألت أمي بعد أن وعيت قليلاً قالت لي:" لا أدري يا أبني... بعد سنة المجارين" ..والٔمَجَارِينٔ جمع مجران، حيث كان الفلاحون أو الزارعون يجمعون فيه المحصول آخر العام إذا كان العام عام مطر وخير.
وكان المقصود بذلك أن يجمع الإمام العشور من تلك المحاصيل إذا وجدت.
•متى كان هذا؟!
- لا أدري بالتحديد.. ولكن قَدّرتُ بعد أن كبرت قليلاً وبالقياس عام 48 ..قبل أو بعد لا يهم.. لم يكن حينها والآن لدينا تسجيل للنفوس أحياء وأموات.
التلقين في القرية
•كيف فتحت عينيك على الواقع.. وبداية تعليمك الأولى في القرية؟
- كيف تعلمت الحرف..، حينها، الله يرحم الحاج شرف ورحمة الله عليه.. علمنا الحرف..عن طريق "اللوح القطط".. القطط نوع من الحجر الجيري الأبيض المبلول، لصبغ اللوح بالمادة البيضاء وبعدها ليصبح صالحاً للكتابة عليه بالقلم الجرع، أحدى سوار جزء عَمَّ ، أو بداية حروف الألف.. أيام من العام قليلة أو كثيرة تختم جزء "عَمَّ".. وتصبح بذلك حافظ جزء من الكتاب..كانت القرية حينها - رغم شظف العيش ووجبة في اليوم - عالماً مليئاً بالأساطير الطبيعية.
بين عدن والسعودية
•طيب أستاذ محمد .. سيرة حياتك فيها العديد من المحطات والذكريات والأفراح والأحزان.. من عدن إلى السعودية مرورا بتعز ومنها إلى القاهرة.. دعنا نتوقف أمام محطة عدن؟
- كنت حينها في العاشرة من العمر.. وكمئات الآلاف من اليمنيين.. كانت عدن هي الأقرب لنا من تعز في زمن الإمام.. أي زمن الظلم والاستبداد.. فكان الرحيل إلى عدن.
متى كان ذلك.- يسأل الأستاذ المساح نفسه فيجيب-: في أواسط الخمسينيات.. وما أدراك ما عدن مدينة الضوء والبحر الأزرق عالم أسطوري آخر..وبشنطة "ألمونيوم" ، بيضاء صغيرة.. إلى مدرسة الإنقاذ بحافة حسين - للرجل الطيب رحمه الله عبد الهادي العجيل.. هذا الإنسان لم يعد يتذكره أحد ..كان معلماً حينها. درست ثاني ابتدائي أو أول.. بعدها عدت إلى القرية ثم الذهاب إلى السعودية، تعلمت في جدة لمدة عام واحد في مدرسة الفلاح.. ثم العودة إلى عدن عام1959 ، إلى المعهد العلمي الإسلامي للبيحاني هذه المرة.
عدن الخمسينات
•ويستحضر الأستاذ المساح صورا من مشوار حياته في عدن.. فيقول:
- أشياء كثيرة مازالت حية في الذاكرة رغم مرور كل هذه السنوات من العمر ..ففي عدن تفتحت المدارك...، ورويدا رويدا بدأ العالم يتفتح وعياً وتساؤلات ذاتية، وانخراطا كليا في عالم اليفاعة.. عمل ودراسة.. وبداية الستينيات عمل ودراسة وبيع صحف عصراً وأحياناً في العطل صباحًا.
عدن المدينة.. الوجود الإنساني في تلك المرحلة الجميلة ..وفي "كريتر" بالذات في أحياء البينيان الهنود، تعايشنا مع الطقوس الهندوسية ومعابد الهنود..
وعدن حينها الفن الغنائي.. الرياضي وكرة القدم.
وعدن العالم المتعدد اللغات "الكسمبوليتاية" الهندوست مع اليهود مع عبدة النار مع الكنائس المسيحية في كريتر والتواهي والبنجسار عالم متعدد الديانات، وتحت علم الاستعمار الإنجليزي..، عدن الإصدارات الصحفية فتاة الجزيرة، اليقظة، الفجر، الأيام وغيرها كثيرة ..إلى دور السينما : من مستر حمود إلى الأهلية، فالهندية وبلقيس وحتى شيناز ريجل، تفتح الوعي حينذاك على عدن العوام.
تعز مركز اشعاع
•ولكنك تركت ذاك العالم الأسطوري.. لتحط رحالك في مدينة تعز.. فكيف؟ ومتى؟ وماذا فعلت؟
- هذا الصحيح وحدث ذلك عندما قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 ، فبعد شهور قليلة من قيامها، غادرت عدن إلى تعز، وتحديدا في بداية عام1963م، حينذاك حاولت الدخول مع مجاميع من الحرس الوطني، ثم رأوا في هيئتي الصغيرة غير ممكن تحقيق رغبتي، فنصحوني الإلتحاق بالقسم الداخلي ..ومن ثم الالتحاق بالمدرسة..أي مدرسة "الثورة" في تعز "العز". وذلك في أوج الاعتزاز بالثورة وأفراح البشر وعنفوان الفرح وبمجيء الإخوة المدرسين المصريين.. أخذت الشهادة الإعدادية.. ثم الانغمار في الحياة اليومية والمدرسية وبداية العمل الحزبي.
الالتحاق بحركة القوميين العرب والانضمام للحركة الطلابية.. المرحلة الثانوية والنصح والوعي
هنا تكامل الوعي الوطني ونما وتبلور خلال البشر والأرض.. كان الاتحاد الطلابي في مدرسة الثورة الثانوية في تعز، تجسيدا للوحدة الوطنية اليمنية رئيسه من الجنوب.. وأمينه العام من تعز.. كانت تلك الفترة تجسيداً حقيقيا للفعل الثوري والاعتزاز الوطني بالأرض والإنسان..
لا أغفل هنا أن تعز كانت المدرسة الأكبر في نشاطها الحزبي.. نشاطها الإعلامي والثقافي بوجود حركة القوميين العرب ..الجبهة القومية.. المحاضرات الندوات ..والنشرات ولذلك استفاد طلاب تلك المرحلة من تعميق الوعي والاستنارة جداً بجانب التوازي للمدرسة والأساتدة العرب المصريين الذين بذلوا أكبر الجهود في تلك الفترة من الستينيات.
ويمضي الأستاذ المساح مسترسلا في حديثه عن أهمية تعز في تلك الأيام الأولى من عمر ثورة سبتمبر..فيقول: تعز في تلك المرحلة الزمنية كانت مركز الأحداث وقلبها، وقبلها، بداية الاشتعال بعد 26 سبتمبر وثورة الرابع عشر من أكتوبر ، وتصاعد ذلك الحدث وتنامى.. أي بمعنى أوضح اشتعال الوطن اليمني بكامله ليس فقط ثورة ضد نظام مستبد ومعتم وظالم في الشمال،و إنما ثورة مشتعلة ضد الاستعمار البريطاني في الشطر الجنوبي من الوطن، وهكذا.. تكاملت عوامل حركة الجدل في اليمن كوطن واحد، لا يفرق أبناؤه بين شمالي وجنوبي.. كانت تعز مثلث بوتقة الثورة وامتدادها في كل أرجاء البلاد.
إلى القاهرة
•ما هي المحطة التالية بعد تعز؟
- في عام1966م، ومنتصفه.. انعقدت أول امتحانات للشهادة الثانوية العامة على مستوى اليمن في العاصمة صنعاء، وبعدها رحل طلاب تلك السنة الناجحين من صنعاء، الحديدة، وتعز، عبر ميناء الحديدة للذهاب إلى قاهرة العرب على متن باخرة عبرت بهم البحر الأحمر إلى ميناء الأدبية في السويس، ثم دخلنا في عالم آخر .. عالم القاهرة.
احتراف الصحافة
•ماذا درست في القاهرة.. وفي أي أجواء؟
- مصر في تلك الفترة الزمنية مثلت مركز الإشعاع.. وفي جامعة القاهرة التحقت بكلية الآداب قسم صحافة .. استمرت الدراسة أربعة أعوام خلالها..والدراسة على العموم في الكليات النظرية مثل الإعلام والصحافة لا تضع أمامك سوى الإطار ..أو بمعنى آخر التوجيهات والإرشادات، أما مضمون ما تستوعبه ويفيد في الحياة التطبيقية والعملية فهي جوانب الواقع الثقافي بكل مستوياته، وهو الذي يغنيك لتحقق لك النتائج الإيجابية في مجال الحياة والعمل.
بداية المشوار
•عدت في مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى الوطن والانخراط في الحياة العملية.. فكيف بدأت علاقتك بالعمل الإعلامي اليمني؟
- في نهاية عام 1970م، وهو عام التخرج ثم العودة إلى صنعاء، لم ألتحق مباشرة بوزارة الإعلام، تقدمت مع مجموعة خريجين حديثين إلى امتحانات في وزارة الخارجية.. وكنت واحداً من المقبولين، وعينت سكرتيراً ثالثاً في الإدارة السياسية إدارة العلاقات العامة، مكثت عاماً في الخارجية بالوزارة.. نصدر نشرة شهرية تحمل الأخبار والأنشطة للوزارة تلك النشرة "الدبلوماسي" لرسالها إلى السفارات.. عاماً فقط.. ثم انتقلت بعدها إلى الإعلام وعملت في الإدارة العامة للصحافة، وعملنا سوياً نحن مع محمد حسين السنيني ومحمد علي مصلح.. وأصدرنا خلالها العدد الأول من مجلة «اليمن الجديد»، ثم مباشرة إلى صحيفة «الثورة» بداية عام ۱۹۷۲م، رئيساً لتحرير «الثورة» الصحيفة.
رئيس تحرير الثورة
•ولكن أستاذ محمد؛ اسمك كرئيس تحرير ظهر في ترويسة الصحيفة بمقدمة اسماء أعضاء هيئة التحرير التي ضمت كلاً من الأساتذة محمد الزرقة وعبد الله الشرفي وعلي العمراني.. فلماذا؟
- للرد على سؤالك أقول: ..لم نكن حينها نفكر في تلك الأمور، مثل اسمك كرئيس للتحرير.. كنا نعتبر العمل الجماعي هو الطريق المثلى..ومن ناحية أخرى لم تكن هناك دواع شخصية للدخول في "التاريخ".. ولم نكن نعرف حينها أن التواضع وهو قيمة إنسانية لا يجلب لصاحبه غير النكران. حين يُكتب التاريخ.. على العموم كانت هناك دواع شخصية أخرى منها أنه من ناحيتي فقط كنت أمتلك حرية توجيه نفسي وليس توجيه الآخرين، فقد كنت أعرف أنني بحسب فوضويتي لن أستمر كثيراً، وهذا ما حصل بالفعل.
بعيداً عن الرقابة
•وكيف كنتم تمارسون العمل الصحافي ظل انعدام أية سياسة تحريرية للصحيفة.. أو سياسة إعلامية عامة للدولة في تلك المرحلة..؟ ..وماذا تقول أيضا عن الرقابة الرسمية؟
- صحيح لم تكن هناك حينها سياسة للتحرير، كما ذكرت في سؤالك، ولا سياسة إعلامية وهذا صحيح .. وكنا حينها نتشاور معاً كهيئة تحرير أنا ومحمد الزرقة وعلي العمراني وعبد الله الشرفي. هذا في مجال ما يخص الوزارة وتوجهاتها، أما في الشؤون الأخرى فقد كنا نمتلك الحرية الكاملة في نشر أرائنا ومقالاتنا.. أي أن كل واحد منا كان رئيس تحرير نفسه.. لم تكن هناك رقابة أو رقيب.. بل كل واحد رقيب نفسه.. وهذا الأمر الذي جعلنا نعبر عن أنفسنا بما نعتبره رأياً صحيحاً، حتى لو اعتبر ضد الدولة والحكومة، وكنا نتخذ تلك المواقف بقناعة، الأمر الذي يجعلنا نرضى باستبعادنا لأحيان من العمل المؤقت في الصحيفة.
الخلاف مع الزرقة
•هل نفهم أنه لا وجود لأية مشكلات أو مواقف بينكم تتعارض مع التوجهات الرسمية لصحيفة حكومية أصلاً؟
- لم تكن هناك أي مشكلات تواجهنا بالنسبة لتوجهات الصحيفة، فقد كنا نرتئي الشيء الذي نراه صحيحاً فننشره، وما هو غير صحيح لا ننشره، ولم تكن لهيئة التحرير وجهة نظر واحدة، فقد كان لـ "الزرقة"( يقصد محمد ردمان الزرقة) موقفه الشخصي الخاص به، ولي أنا شخصيا موقفي الشخصي.. لكن خلافا ما برز في 1972م.. حينها كان عام الأزمات بين الشمال والجنوب.. ولقد كنا أنا والزرقة كاشخص متعارضين تماماً حول هذا الأمر، فهو ممتعض ضد الخُبرة في الجنوب، وأنا معهم بطريقة مباشرة أحيانا، وأحيانا بطرق غير مباشرة.
مواقف نبيلة
•وما هي ذكرياتك مع وزارة الإعلام في تلك الأيام؟
- لن أنسى أبدأ المواقف النبيلة للأساتذة الأجلاء وزراء الإعلام حينها الأستاذ عبد الله حمود حمران، والأستاذ محمد أنعم غالب، والأستاذ أحمد قاسم دهمش، والأستاذ يحيى حسين العرشي، والأستاذ أحمد الرعيني، والأستاذ محمد سالم باسندوة، وهناك أيضاً الأستاذ عبد الله الوصابي، والأستاذ محمد الربادي، والأخ الزميل حسن اللوزي، وكانوا الثلاثة وكلاء وزارة الإعلام حينها، فقد كان هؤلاء أكبر معين لنا في التوجيه أحياناً وفي الاستفادة منهم بحكم التجربة، ولقد كانوا نموذجاً نبيلاً في تعاملهم معنا، حيث لم يمثلوا أبداً مصدر توجيه إلا بما يتوافق ومبدأ حرية التعبير والرأي.
إلى سجن القلعة
•دعني اسألك عن ماهية أبرز المنغصات في حياة المساح الصحافي في السبعينيات؟
- رغم الإمكانيات المحدودة في مجال الصحافة عموماً.. وحينها فقد كانت تلك الفترة من عام 1972م إلى 1976م من أجمل الفترات الصحفية بالنسبة لي شخصياً، فقد كنا ننتقد الدولة والحكومة أحياناً بطرق مباشرة، وكنا نتحمل ذلك شخصياً وبقناعة، ولم تكن هناك وقتها إرغامات أو قهر إلا فيما ندر، لقد دخلت سجن القلعة في عام 1973م، ليس في مجال التعبير في الصحافة أو الرأي، وإنما كان السجن لأسباب أخرى.
الفاعل مجهول
•في مايو 1976م، تعرضت «الثورة» لأقسى أزمة في تاريخها، وذلك بسبب حريق مطابع الشركة اليمنية.. وكنت يومها رئيساً للتحرير، فما أسباب الحريق...؟
سألته فرد بقوله:
- أسباب الحريق لم تعرف في حينه ..ولم تشكل لجنة لمعرفة أسباب الحريق، اما تخمينات أو استنتاجات شخصية، ربما يكون الحريق بفعل فاعل لأن الصحيفة حينها بدأت كجانب صحفي وإعلامي تبرز عناوين المرحلة حينها وتجسدها توجهات وطنية وتعميق للوعي الوطني والاعتزاز بالذات اليمنية، وعكس آمال وتطلعات تلك المرحلة الوطنية الحقيقية للتوجه نحو امتلاك القرار الوطني المستقل.
لحظة الحريق
•وماذا بقي في ذاكرة الأستاذ محمد المساح من صور لكارثة حريق مطابع الشركة اليمنية؟
- كتبت عن كارثة الحريق والنار ما زالت يومها تشتعل وتلتهم المطبعة وحروفها، وكيف كان العمال يحاولون إنقاذ كل ما تبقى منها، لكن خسارة.. كل شيء التهمته النيران ولمن يريد معرفة شعور اللحظة أن يعود إلى كتابك (يقصد كتاب: "40 سنة صحافة الثورة: النشأة والتطور الصادر عام 2002م") ليقرأ عمود "لحظة يا زمن" المنشور في العدد التالي من يوم الحريق الصادر بتاريخ 17 مايو 1976م .
غياب الصورة
•قلت له أستاذ محمد ..بالفعل صدرت الصحيفة في اليوم التالي (1976/5/17م) ولكن بأربع صفحات وليس بثمان، وظلت على هذا الحال تطبع في مطابع الشؤون العامة والتوجيه المعنوي... الملاحظ غياب الصور الخبرية والشخصية.. ما تفسيرك؟
- غابت الصورة الخبرية والشخصية بعد الحريق لا نعدام آلة الزنكوغراف.
مشكلة التغيير
•من يعود إلى أعداد الثورة في العقد السبعيني يجد التغيير المستمر لرئيس وأعضاء هيئة التحرير، وهي ذات المشكلة التي رافقت صحيفة الثورة منذ تأسيسها في تعز 1962م، كما بعد انتقالها إلى العاصمة في 1964م، فما هي الأسباب برأيك؟
- لماذا كانت تتغير هيئة تحرير صحيفة "الثورة" من 1970 إلى 1980م..لربما لأسباب تعود إلى التغيرات في تلك المراحل، وبالأخص تغيبت أنا شخصيا في 1973.. وكانت مرحلة لا تنسجم مع التوجه الوطني الحقيقي.. وتتعارض مع الاختيارات الوطنية اليمنية حينها، أما بعد 1977 فقد كانت المرحلة -ايضاً- غير واضحة المعالم وبداية توجه لا ينسجم مع استقلال القرار الوطني اليمني.
سر صمود اللحظة
•أستاذ محمد المساح.. أعود وأسأل: لك أكثر من عمود شبه يومي في الثورة، وتحت عناوين مختلفة.. وسبب ذلك يعود كما قلت لي أنك كلما اخترت عنواناً لعمود .. تفاجأ أن هناك من يصادره عليك.. فكيف صمدت "لحظة يا زمن"؟
- بداية كان العمود الذي كتبته أولاً هو عمود "لقطة من الزاوية" ..وتبعه بعد ذلك عمود "لقطة من عين الكاميرا" حتى نهاية 1975م عامذاك بدأت بكتابة عمود "لحظة يا زمن" كما كنت أحرر صفحة يومية نهاية عام1972م بعنوان "الناس والأشياء" وتوقفت الصفحة في نفس أو نهاية العام، منذ ذلك الحين واظبت على كتابة اللحظة.. لم يعد بمقدور أحد على الكتابة تحت هذا العنوان "لحظة يا زمن".
الطفر .. أكبر امتياز
•دعني أسألك مجدداً .. أستاذ محمد .. برغم الظروف الصعبة والقاهرة .. كنتم تعملون وتبدعون؛ ما سر ذلك الحماس؟ وما هي الامتيازات التي كنتم تحصلون عليها؟
- بالنسبة لمعاناتنا كصحفيين حينها أننا كنا نعمل وفقاً للضمير، وننطلق من موقف وطني واضح، رغم عملنا في صحيفة رسمية، وإن كان وقتها من النادر وجود اتجاهات تحاول العمل لما خلف الحدود، كانت تلك المحاولات نادرة، وربما لمحدودية العمل الصحفي اليمني وإمكانياته وقتذاك، ولم تكن لدينا وقتها أي امتیازات مثلما هو حاصل الآن من مكافات وأمور أخرى، كنا بالكاد نتحصل على ما يكفي الأولاد، وكانت الحياة بسيطة غير معقدة، كل الإعلاميين حينها في السبعينيات من إذاعيين وصحفيين وموظفي إعلام زبائن أول الشهر عند "صوفان" الذي كان أميناً لصندوق الدولة والحكومة، وكنا أو بعضنا يستلم سلفته أول الشهر "مدَوُّر".
-----------------
*نُشر الحوار في ملحق خاص بمناسبة العيد الذهبي لثورة 26 سبتمبر الخالدة، الصادر عن صحيفة الثورة، العدد (17483) وتاريخه ، السبت، 12 ذوالقعدة 1433ه، 29 سبتمبر 2012م. ص:3.
*أخرج هذه المادة إلى الفضاء الالكتروني، الزميل والصديق المؤرخ المعروف الأستاذ عبد العزيز سلطان المنصوب.. فله عظيم تقديري.