أولًا: نبذة موجزة عن سيرة حياة الرئيس إبراهيم الحمدي
يعتبر الرئيس إبراهيم الحمدي الرئيس الثالث للجمهورية العربية اليمنية. ولد في 30 سبتمبر 1943م في قعطبة -محافظة إب. كان أبوه يعمل قاضيًا هناك، في عهد الإمام يحيى حميد الدين، وينتمي إلى قرية حمدة، منطقة عيال سريح -محافظة عمران. ثم انتقل والده من قعطبة إلى مدينة ذمار، وعمل هناك.
تعلم إبراهيم الحمدي على يد والده مبادئ العلوم الشرعية واللغوية، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة من عمره، ثم التحق في إحدى مدارس مدينة ذمار. و سافر إلى صنعاء عام 1959م لاستكمال دراسته الثانوية، والتحق في الشؤون العسكرية وفي كلية الطيران، ولم يكمل دراسته، ورجع إلى ذمار لمساعدة والده. ثم عاد مرة أخرى إلى صنعاء، وتولى قيادة قوات الصاعقة في عهد الرئيس عبدالله السلال، أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، وترقى في المناصب الأمنية والعسكرية والقيادية حتى أصبح قائدًا لقوات الاحتياطي العام وقوات العاصفة.
خلال الفترة 1971-1972م أصبح نائبًا لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الداخلية، ثم نائبًا للقائد العام للقوات المسلحة 1972م.
قاد المقدم إبراهيم محمد الحمدي انقلابًا أبيض في 13 يونيو 1974م، سمي "حركة يونيو التصحيحية"، لينهي حكم الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني، الذي كان ينظر لإدارته بأنها ضعيفة بسبب تدخل المشايخ النافذين في شؤون الدولة.
صعد المقدم إبراهيم الحمدي للحكم برئاسة مجلس عسكري لقيادة البلاد سمي "مجلس القيادة"، وأعاد هيكلة الجيش اليمني لمواجهة المشيخات القبلية أو تحالف قبائل اليمن برئاسة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وتقليل دورها باعتبارها معوقًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحولت إلى إدارة خاصة تحت مسمى "الإدارة المحلية".
أعاد بناء القوات المسلحة من أربع قوى رئيسة: قوات العمالقة برئاسة القائد عبدالله محمد الحمدي، وقوات المظلات برئاسة القائد عبدالله عبدالعالم، وقوات الاحتياط العام برئاسة القائد علي قناف زهرة، وقوات الشرطة العسكرية برئاسة القائد منصور عبدالجليل عبدالرب.
وفي فترة ثلاثة أعوام من تبوئه الرئاسة والعمل الدؤوب، اعتبر عهده بالتاريخ الذهبي لليمن لإنجازاته.
اغتالته يد الغدر والخيانة في 11 أكتوبر 1977م. ودفن في مقبرة الشهداء في صنعاء، ولم تجر أي تحقيقات للكشف عن القتلة.
أب لثلاثة أبناء، وابنة، وهم:
1. الدكتور محمد إبراهيم الحمدي.
2. الأستاذ نشوان إبراهيم الحمدي.
3. الأستاذ ذي يزن إبراهيم الحمدي.
4. الأستاذة أفراح إبراهيم الحمدي.
ثانيًا: إنجازات الرئيس إبراهيم الحمدي خلال ثلاث سنوات من حكمه
أهم الإنجازات، كما يلي:
- انتهاج سياسة التصحيح المالي والإداري والرقابة والمحاسبة للقضاء على الفساد في جميع مؤسسات الدولة.
- تشجيع التعاونيات التي أثمرت إصلاحات في المحافظات والمدن والأرياف.
- اعتماد الخطة التنموية الخمسية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1975م.
- الحد من تدخل سلطات المشايخ في شؤون البلاد.
- بناء المدارس في القرى والمدن كافة، وإنشاء أول مدينة سياحية في منطقة دمت في قعطبة، وكذا إنشاء الحدائق في جميع المدن.
- الاهتمام بالسياحة والآثار والاستثمارات.
- إنشاء مؤسسة لتخزين المواد الزراعية.
- إنشاء المؤسسة الاقتصادية العسكرية.
- أول من أسس سلاح الجو والدفاع الجوي.
- توسيع وتطوير المستشفيات.
- إقامة مشروع المياه والري.
- توسيع مصنع الغزل والنسيج.
- إنشاء المؤسسة الاقتصادية العسكرية، وشركة النقل الجماعي.
- إصدار قانون انتخابات مجلس الشورى.
- إجراء أول تعداد سكاني، والتأمين على الحياة.
- توسعة الموانئ والمطارات.
- الاهتمام بالتعليم الجامعي ومجانية التعليم.
- شق وتوسيع الطرقات وسفلتتها في المدن والأرياف.
- تطوير المطارات وإدخال خدمات وتشغيل أحدث الطائرات.
- توقيع اتفاق مع فرنسا لإنشاء محطتي الكهرباء في صافر ورأس عيسى.
- توقيع اتفاق يمني -فرنسي بإنشاء شركة الاتصالات اليمنية (تيليمن).
- توقيع الرئيس إبراهيم الحمدي مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، اتفاقًا بإعادة بناء سد مأرب التاريخي.
- بدأت في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي قيام شركات النفط والغاز بأعمال الاستكشافات.
- زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة في صندوق النقد الدولي بما يقدر في تلك الأيام بأكثر من ملياري دولار.
- انتهاج سياسة خارجية متوازنة.
- التعامل بندية مع الدول الشقيقة والصديقة.
- التواجد الفاعل في الاتحادات والمنظمات الدولية والإقليمية.
- مساندة قضايا الأمة العربية والإسلامية في مقدمتها القضية الفلسطينية.
- تحرير القرار اليمني، وعدم التدخل في شؤون اليمن الداخلية.
- تعزيز مكانة اليمن على الصعيدين الإقليمي والدولي.
- التطلع الجاد لقيام الوحدة اليمنية بين شطري اليمن بالتنسيق مع الرئيس سالم ربيع علي (سالمين)، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وبناء عليه، عقدت اتفاقية "قعطبة"، في فبراير 1977م، والتي نصت على تشكيل مجلس من الرئيس إبراهيم الحمدي، والرئيس سالم ربيع على (سالمين)، لبحث ومتابعة القضايا الحدودية وتنسيق الجهود في جميع المجالات كافة، بما في ذلك السياسة الخارجية.
كل تلك الإنجازات المذكورة أوشكت أن تتوج بالوحدة اليمنية لولا اغتياله الغادر في 22 أكتوبر 1977م، قبيل سفره بساعات إلى "عدن" لإعلان قيام الوحدة اليمنية.
رابعًا: اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي
ما لا يدع مجالًا للشك، أن كل البينات المقدمة طيلة 47 عامًا تؤكد بالدليل القاطع عن الجريمة الشنعاء التي كان ضحيتها الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي، في منزل مضيفه رئيس الأركان العامة ونائب القائد العام أحمد حسين الغشمي، يوم 11 أكتوبر 1977م المشؤوم، في أهم مرحلة تاريخية لنهضة اليمن الجديد.
إن اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي يعتبر اغتيال وطن في رابعة النهار على مائدة اللئام.
ويعزى اغتياله إلى خطة مدبرة شارك فيها الخارج، وتم تنفيذها بأيادٍ يمنية عميلة، وجاء توقيتها قبل سفره بساعات قليلة إلى "عدن" إيذانًا لقيام الوحدة اليمنية مع الرئيس سالم ربيع علي (سالمين).
في واقع الأمر، إن الشعب اليمني كان في حالة ذهول وصدمة عنيفة لهول المأساة التاريخية التي أدت إلى انهيار عهد تاريخي ذهبي لليمن بعد عهد سبأ المزدهر (800 قبل الميلاد حتى 575 ميلادي)، إذا ما أخذنا بالاعتبار قصر فترة عهد الرئيس إبراهيم الحمدي.
ما زاد الطين بلة، أن صدمة الشعب اليمني تكررت مرة أخرى بقضاء لم يبت في القضية، رغم أن الأدلة التي تم تقديمها عن الجريمة -حسب مراقبين- تغني عن البيان.
قمين بالذكر، أن "عين الشمس لا تغطى بغربال" عن جريمة اغتيال الشهيدين الحمديين (الرئيس إبراهيم الحمدي وشقيقه القائد عبدالله الحمدي قائد لواء العمالقة)، ورفقاء دربهما القائد علي قناف زهرة، وقادة وعسكريين، بل اغتيال شعب بأكمله.
الجدير بالذكر، أن قناة الجزيرة قدمت عرضًا وثائقيًا موجزًا حول مأساة الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي، وعندما كنت أتابع مع الزملاء مشهد الاغتيال، تذكرت مأساة "يوليوس قيصر"، القائد الروماني الكبير، احد عناوين الأعمال الدرامية الرائعة للكاتب والشاعر والمسرحي الكبير ويليم شيكسبير، وجذبني في المشهد العبارة المشهورة للقيصر وهو في الرمق الأخير من حياته، في مبنى الكابيتول، مقر الحكم في روما، جراء الطعنات النجلاء التي اخترقت جسده، بقوله لأعز أصدقائه المتآمرين: "حتى أنت يا بروتس!".
وما أشبه اليوم بالبارحة، إن تراجيديا الرئيس الحمدي هي أقسى وأمر على الشعب اليمني، إذ إنها تدمير وطن لم يشهد لها التاريخ مثيلًا.
حقيقة الأمر، إن هذه المأساة قادت إلى مآسٍ أخرى، تمثلت بسلسلة من الاغتيالات لرؤساء وقادة يمنيين ورجال فكر شمالًا وجنوبًا.
والأهم مما حدث، أن القضاء لم يبت في أية قضية اغتيال بدءًا من قضية الرئيس الشهيد إبراهيم بن محمد الحمدي التي طال أمدها، فبدلًا من أن تكون العدالة سندًا لكشف الجرائم أمام الشعب، تحولت إلى ستار لطمس الحقيقة، صاحبها في نفس الوقت إعلام مضلل.. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين العدالة؟ وأين كلمة الحق؟
لا محالة، إن الشهداء سيظلون حاضرين في مدونة التاريخ، وفي عقول وضمائر الشعب اليمني جيلًا بعد جيل حتى تأخذ العدالة مجراها ومرساها.
وفي هذا الصدد، استحضرني أيضًا قول الشاعر الجاهلي "تأبط شرًا":
القاتل إن لم يقتل، لم
يلقِ سلاحًا أو يرحل
فلم يمضِ أقل من سبعة أشهر على جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وشقيقه قائد لواء العمالقة، وإذا بالرئيس أحمد الغشمي يقتل في مكتبه.. والسؤال: من قتله؟ وكيف قُتل؟ وجاء الرد وفقًا لمراقبين، بأنه لا يستبعد ان يكون القتلة من رفقائه مخططي جريمة "الحمديين".
لا مراء، إن المسرحية التي حيكت حول مقتل الرئيس "الغشمي"، تعتبر -حسب رجال أمن- استخباراتية بامتياز، فالمخططون والمنفذون أجادوا وأحكموا الدور في مقتله.
جوهر القول، إنه قد حان للقضاء النطق بالحكم لتوافر الأدلة بتفاصيل جريمة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، بعد مضي نحو خمسين سنة عجاف قضائي، وكذا بالنسبة للجرائم الأخرى، كما آن الأوان لتوثيق قضية الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي لتصار وثيقة تاريخية تتداولها الأجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها، تهيئة ليوم العقاب الإلهي.