ها هو الزمن الثقيل يتدحرج نحو اليوم الثامن لمعارك القرن التي غيرت معالم أصولية الحرب وتقنيات ما بعد حرب وهزيمة 73 لجيش دولة الكيان الصهيوني، هذه التسمية التي استنكرتها رئيسة الوزراء جولدا مائير. للمزيد رجاء مشاهدة الفيلم السينمائي جولدا... ذات لحظة قاتلة لها وهي تحدث وزير خارجية أمريكا السابق كيسنجر، أو كما تترجم بالمفتاح المغني على كل تعرجات سلم سياسة اللاسياسة فقط سياسة تحدد معالمها أمريكا. يومها قالت له: قل للسادات لن نفك الحصار عن الجيش الثالث المحاصر من قبل جيش دولة إسرائيل، وليس كما يدعوها السادات بدولة الكيان الصهيوني...
نرى المشهد مع تغير الزمن يتكرر طابعه شكلًا وليس جوهر المشهد مع وصول وزير خارجية إسرائيل لدى حكومة بايدن، بلينكن، عفوًا وزير خارجية أمريكا الذي قدم نفسه كيهودي، وقد أفاض لا فض فوه، قائلًا وهو يتجول مارًا على برك دماء شهداء وأطفال غزة: اسالوا حماس هي السبب وهي الخلل، ونحن نأتي لعلاج الخلل، وليس لجبر الخواطر. معزوفة تكررت مع مجيء نظراء له لم يخطئ من قال إنهم مجرد قطيع في حظيرة ذات تاريخ صهيوني هم من علفوا ساكنيها، وهم من مولوا وسلحوا وأوجدوا، بل تجاوز الأمر الخيال حين يصرح الرئيس الأمريكي بايدن؛ هذا المعتوه الفاقد الذكر والذاكرة، هو لا يتذكر إلا ماما جولدا التي رضعت ولاتزال من حلمات ماما أمريكا، وفقًا لمسرحية الوجه الوطني المصري العربي البارز محمد صبحي "ماما أمريكا".
ها هو الزمن يتدحرج، وعبقرية فعل المقاومة قد تجلت إبداعًا، أخرج دولة الكيان عن طورها، عن توازنها، إنه فعل مقاوم حداثي متجدد الهوى والهوية والعقلية، تخطى مرحلة العجز والبكاء على الأطلال، وحمل وثيقة لاجئ إلى مسمى جديد مقاوم يعيش تجليات العصر، يرفض العجز والتسليم بالقضاء قضاء وقدرًا، إلى فعل يتجاوز مجرد الانفعال، إلى فعل العقل المقاوم الرافض الهزائم وجواز مرور الترانسفير، لتبقى غزة تقاوم، ترفض الهزيمة، ترسل إشارات رسائل قذائف لم تزعج، تخرج عن الوعي، دولة الكيان فقط، ولكن كل الحلف المؤازر والمتحالف معها.
غزة المقاومة خرحت عن بيت الطاعة، أطلقت لفكرها لعقلها المفكر العنان، خرجت عن بيت الطاعة، غادرت حديقة الأنعام إلى واحات الإبداع بعيدًا بعيدًا عن التفكير داخل الصندوق المغلق للعقل والإبداع. غزة غادرت حديقة سرب القطاع، إلى الهواء القطيع المهان، إلى رحاب سيبراني يتجاوز ما فرضته القوى الدولية التي تحتكر فنون المعرفة ودقة المعلومات، وإعادة توجيه البوصلة لمناطق الخلل الكلي والجزئي لدولة العدو. غزة باتت تدرك، تعي أن لكل شاطر غلطة، ولكل حصان كبوة، ومن هنا صنعت مفاجأتها التي أخرجت دولة الكيان وماما أمريكا عن مكانة العقل والتعقل البراجماتي التي خرقوا آذاننا بها تلميعًا وتسويقًا لغرب متحضر سقط للحضيض، وعاد لممارسات سياسات اليانكي وتاريخية الغزو الاستعماري، وتاريخ الإبادة لأصحاب الأرض في أمريكا وباقي المستعمرات نفس الفعل... الأداء..النهج، تجلى مع هذيان أعصاب الحلفاء الذين خرجوا عن مزراب حضارتهم البائسة، لمجرد كوميديا حضارة الزيف، إلى مجرد باعة أسلحة دمار شامل ومصاصي دماء شعوب الأرض. كما كشف وقوفهم مع الجلاد ضد الضحية في غزة.
ها هم يصرون على إبادة شعب فلسطين مقاومة غزة. يصرون على ترانسفير جديد هذه المرة إلى سيناء. يمنعون وصول المساعدات. يدعمون الإغلاق الكامل، ولا لوم بتاتًا لإسرائيل إن أبادت وشردت شعبًا بكامله، لأنها شعب الله المختار، أما الباقون فمجرد حيوانات كما جاء على لسان آلة الحرب الصهيونية وأحد جلاوزة عسكرها القتلة.
يطالبون مصر دون حياء بفتح معبر رفح، ليس لدخول المعونات، لكن لتهجير أبناء فلسطين عن أرضهم، وقبل ذلك فتح المعبر لبعض أنفار يقولون عنهم أبرياء محاصرون بلا ماء ولا غذاء ولا كهرباء. أما أبناء فلسطين فليذهبوا للجحيم.
شكرًا لمصر العروبة، لأنها لم تساوم، لم تقبل المساومة، لم تقبل الضغوط بفتح للمعبر قبل دخول المعونات وفتح الممرات وصولًا لوقف إطلاق النار، ليتلاقى موقف مصر مع الموقف الروسي في هذا المعترك الدولي الجديد، ومع كل المواقف التي أعادت قراءة المشهد الكاذب الذي جرى سلقه وفبركته عبر آلة إعلامية صهيونية نازية تستقي قطرات مائها من جهنم حفيدهم غوبلز "اكذب اكذب حتى يتحول الكذب الخديعة حقيقة".
إنها كذبة روج لها وألقت بها أرضًا، ليسوقه إعلام فاسق قاتل، إنه الإعلام الصهيوني الكاذب.
هي لحظات تاريخية صنعتها وأجادتها مقاومة الشعب الفلسطيني، لذا نقول لقد أخرجت أرض فلسطين أثقالها، إنه تحدٍّ. إنه تجاوز للمستحيل، ليبقى السؤال المطروح: متى تخرج بقية أنظمة العرب أثقالها، وتخرج عن سباتها؟
العرب كأنظمة بيدها ما يفوق ما لدى غزة من إمكانات.. فقط نقول غادروا خانة التفكير داخل صندوق المصالح الضيقة والخلافات المفتعلة، أما شعوبنا العربية فلا خوف عليها، قد خرجت بعيدًا، ورفضت البقاء داخل الصندوق، وها هو شعب مصر ومعه كل الشعب، يرفض التطبيع، رغم كل ما قيل وروج للتطبيع من أول وهم الرخاء الاقتصادي الكاذب إلى صفقة القرن الباهت عبر مسوق العقارات كوشنير، صهير العتيد ترامب.. مرورًا بلعبة سياج حرم الإبراهيمية في حالته الأمريكية البراقة، إذ هي بضاعة زائفة تالفة تسوق في بازارات شيلوك لمن كان ومازال فاقدًا العقل وقراءة التاريخ بعقل سليم يرقى للعقل المقاوم.
وإلا كيف نفهم ما قالته صحيفة "هافنجتون" الأمريكية، مؤخرًا، حين طالبت دبلوماسيي مروجي التطبيع بعدم استخدام الكلمات التالية:
وقف التصعيد
وقف إطلاق النار
إنهاء العنف
سفك الدماء
استعادة الهدوء
ممنوع مطلقًا استخدام هذه التعبيرات، لأنها ذات نكهة تخدم إنقاذ شعب فلسطين المحاصر، فقد اعتبروا مجرد التفوه بها جريمة حرب.. لكن صمت العالم نعم مريب عجيب، لكنه ليس غريبًا، كذلك ليس مستغربًا ما أتحفتنا به منظماته اللادولية، لأنها تمويل وأعصاب تتحرك بمحرك جوجل أمريكي الهوى والهوية والاتجاه، لأن نصيبها في موازنات هذه الهياكل الهرمة يضع تحت يدها حق العصمة والطلاق، فقد غادرت اليونسكو وغيرها لأنها لم ترق للعم الأعمى سام.
لم يكتفوا بإرسال البوارج، بل أرسلوا رسل يهودا وأحفاده من المتصهينين الجدد، وزراء خارجيات بريطانيا القحوف البالي، وألمانيا بتاريخها النازي اللانظيف، مرورًا بباقي انكشارية المنتفعين، للأسف بعضهم من شرب من حليب نياق يعقوب وداود، وليس من نياق عرب الفحولة والرجولة، كثر منهم، وليس كلهم، قاموا على جسد ودم شعب فلسطين، وساووا في بيانهم الأخير، بين الضحية والجلاد.. لذا وجب علينا، وقبل أن نقول للهند هند بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف، وليس هند المهاتما غاندي وسلفه نهرو: حتى أنت يا بروتوس...! نقول للقادة العرب: كفى لعبًا بالوقت ودورانًا حول حبال السياسة البلهاء المفرغة من عناصر القوة التي تمتلكون.
السياسة بدون عناصر قوة ذل وهوان.
جربوا جديدًا صنعته غزة المحاصرة، وقدمت لنا كعرب فرصة ذهبية إن لم نحسن قراءتها، وبالتالي حسن استخدامها في معاركنا ذات الأوجه المختلفة عسكرية سياسية اقتصادية إعلامية، هي فرصة نادرة قد لا تعود، ومن يهدر فرصة كهذه قد لا تعود له ثانية.. ولات ساعة مندم.. والتاريخ لن يسامح من يفرط بما أتاح له الزمان من فرص نادرات.
فماذا أنتم فاعلون يا أولي الألباب، وقد جعلت الأبواب مواربة بانتظار ما لدى هيمنجواي من جواهر يهديكم إياها من قاع البحر؟
بيدكم كل مفاتيح القوة والنصر، فما عساكم فاعلون؟ هبوا لإيقاف مجزرة غزة وإنهاء قضية الشعب الفلسطيني كعنوان أساس وضعته دولة الكيان مدعومًا بالأمريكان والحلفاء.