صنعاء 19C امطار خفيفة

عن مسلسل يقول بسيرتها الحقيقة صراحة.. اسمهان القادمة إلينا من عالم آخر

2008-09-19
عن مسلسل يقول بسيرتها الحقيقة صراحة.. اسمهان القادمة إلينا من عالم آخر
عن مسلسل يقول بسيرتها الحقيقة صراحة.. اسمهان القادمة إلينا من عالم آخر - جمال جبران
أسمهان، الأميرة، أمل، آمال، بحرية، أو أميلي. لافرق. فكلها يشير باتجاه مطربة واحدة فريدة. عرفت أن حياتها ستكون قصيرة فقررت عيشها حتى الرمق الأخير. العيش كما ينبغي ويكون، نموذجياً وخارقاً للعادات والأسطر الجاهزة. العيش بلا التفاتة واحدة للمحيط. منفلتة على الأيام، غرقانة وتود لو شربت ماء الحياة كله، دفعة واحدة، فلا تعود تتذكر. هي تحتاج لهذا على وجه الخصوص. المائية. ولدت في الماء، على ظهر باخرة أثناء ذهاب أسرتها إلى بيروت في 24 نوفمبر 1912. بعد ذلك غنت «أنا بنت النيل» موصية دفنها على أرض النيل إذ جاء الموت. وقد كان بعد أن غرقت في النيل. وهي كانت تعلم بعد أن أخبرها فلكي شهير أن موتها سيكون غرقاً. لكنها، وعلى الرغم من سنيّ عمرها القصار (ست وعشرين سنة) قد فعلت بالغناء وبالحياة ما فعلت. اسمهان صاحبة "نويت أداري ألامي، عليك صلاة الله وسلامه، ياللي هواك شاغل بالي، كان لي أمل، إيدي في إيدك، الشمس غابت أنوارها، يابدع الورد، أنا أهوى، رجعت لك ياحبيبي، انا اللي استاهل، إمتى حتعرف، يالعينيك ويالي، هديتك قلبي، و يا حبيبي تعال الحقني شوف اللي جرا لي ".
هنا كتابة عن اسمهان لمناسبة عرض مسلسل يروي سيرة حياتها ويقول بما كان في أيامها القليلة التي كانت.
(1)
 أول ما يلفت في هذا العمل الدرامي الجيد (من بطولة سلاف فواخرجي، أحمد شاكر عبداللطيف. سيناريو نبيل المالح. معالجة درامية بسيوني عثمان. ومن اخراج التونسي شوقي الماجري). أول ما يلفت قدرته على كسر أحد أضلاع التابو الدرامي العربي المنشغل على قيمة السيرة الذاتية. حيث، وتبعاً للعادات والتقاليد الراسخة اجتماعياً ودرامياً والسائرة على هدى " أذكروا محاسن موتاكم "، لا ينبغي أبداً قول الوجه الآخر والحديث عنه أو عرضه. لا ينبغي كشف الخفي من سيرة الكائن المقرر وضعه على الشاشة. هذا ما يظهر على واجهة مسلسل «اسمهان» على الرغم من كونه ما يزال في منتصفه. لكن ما تم عرضه يقول بهذه الحقيقة. فالملاحظ، ومسلسل «أم كلثوم» هنا مثالاً (بما أن الشيء بالشيء يذكر). الملاحظ تعمد من قاموا على تنفيذه ذهابهم بعيداً في حرصهم على إظهار أم كلثوم في هيئة الكائن المنزه عن أي عيب، الذي لا يأتيه الخطأ من تحته ولا من فوقه، الكائن الذي لا ينزل أبداً إلى مرتبة البشري. الكائن الملائكي الفريد. أم كثلوم في مسلسلها الشهير كانت كل هذا ولم تكن غيره. هم أصروا على ظهورها بهذا الشكل. على الرغم من علمنا أنها كانت بين هذا وذاك، بمشاعر مضطربة وسلوك إجتماعي يقترب من العنيف غير المكترث بالآخرين، المتسلط والديكتاتوري. وكل هذا، بطبيعة الحال لا ينفي كونها مطربة كبيرة، وكبيرة جداً. لكن لماذا لم يتحمل ذلك العمل الدرامي الذي حمل سيرتها واسمها، كل ما فيها وكل ما كان منها؟ لماذا تم تنفيذه فظهرت لنا أم كلثوم خالية من كل عيب بشري؟
 وعلى هذا يمكننا حساب نقطة أولى وكبيرة لصالح منتجي مسلسل «اسمهان». حيث بدت لنا، ولو بشكل تقريبي، على ما كانت عليه. الإنسانة المتفلتة من كل شيء، المنطلقة في حياتها بلا كابح، السائرة وراء الغواية، فاعلة ومفعول بها، عاشقة الليل والسهر والجلسات وماء الحياة، المنخرطة في علاقات صاخبة متداخلة لا تعرف أولها من آخره، الذاهبة في كل شيء إلى نهايته. وبعد ذلك أسمهان السرية (وهذا ما بدأ يلوح منذ الحلقة الثالثة عشرة من المسلسل). سيرتها المخابراتية. علاقتها مع المخابرات الألمانية كما والمخابرات البريطانية التي قيل أن حتفها كان أيدي رجالها. وعلى ذات المنوال يسير العمل ضارباً عرض الحائط بتلك الصورة النمطية والقالب الواحد الذي سارت عليه دراما السيرة الذاتية العربية. وعليه لاغرابة ان يلقى هذا المسلسل من بداية انتاجه كل مالقيه من معارضة واحتجاج ورفض من جهة ورثة "أسمهان" وأقربائها. حيث أنذر الأمير فيصل الأطرش المحطات الفضائية العربية من مغبة عرض هذا المسلسل والذي حسب قوله " يقوم بتلفيق أحداث لاتمت للحقيقة بصلة وتنطوي على قدر هائل من التزييف والمبالغة في الإساءة من دون سند تاريخي أو حتى مبرر درامي أو أخلاقي، يبيح ذلك من باب الحتمية الدارمية ". مؤكداً بحسب ماجاء في أكثر من وسيلة إعلامية تناولت الضجة المثارة حول المسلسل، أنه " لا داعي للالتفاف حول الحقائق الواضحة التي تتعلق بحقوقي الأدبية التي يكفلها لي القانون في سوريا ومصر ولبنان جرّاء سيرة أبي وعمي وعمتي. هناك أشخاصاً كثيرين يحملون لقب عائلتي التي تمتد بفروعها في لبنان وسوريا والأردن ومصر أيضاً، ولكن ليس كل من يحمل لقب "الأطرش" مخوّلاً للمساومة على تاريخ العائلة. فقط أريد أن تسير الأمور في سياقها الطبيعي بما يتلاءم مع تاريخ أسرتي". قال الأطرش.
وقد قام منتج العمل المصري اسماعيل كتكت بالتعليق على هذا الكلام قائلاً أن شركته الإنتاجية قد حصلت على تواقيع نحو 295شخصاً من ورثة " أسمهان "، بل أن بعضهم حضر تصوير بعض المشاهد حتى تطمئن قلوبهم. لكنه في الوقت ذاته لم يتحفظ في قول أن للأمير فيصل الأطرش عذره في الاعتراض على المسلسل حيث يتخوف من مروره على تفاصيل مابعد وفاة أسمهان. وهي مساحة تتقاطع زمنياً مع أحداث كان لهذا الأمير ضلع فيها.
(2)
وبالعودة إلى قراءة ما مضى من حلقات المسلسل. نجد كم أن هذا العمل التزم، محترماً، ضرورات العمل الفني، مجريات ما كان في حياة أسمهان وأسرتها. حيث سارت على النحو التالي:
 ولادتها في العام 1912 على ظهر باخرة كانت تحمل أسرتها إلى بيروت. كانت النية تتجه، تبعاً لطبيعة ولادتها، تسميتها «بحرية» لكن استقر الاسم عند «أمل». لكن زوجها الأمير حسن الأطرش جعل لها اسم «آمال». ليأتي الملحن داود حسني حتى يمنحها اسم «أسمهان» وذلك تيمناً بمطربة فارسية شابة كانت تتدرب على يديه كان اسمها «أسمهان» لكنها ماتت وكانت تحمل من الموهبة الكثير.
اضطر والدها فهد الأطرش الانخراط في صفوف المقاومة الشعبية (حسب المسلسل) ضد الاحتلال الفرنسي ما اضطره العيش مختبئاً. لكن الشائع أنه توفي بشكل طبيعي في بيروت بعد تعيينه في منصب هام. غادرت الأسرة بعد ذلك إلى القاهرة ونزلت في ضيافة سعد زغلول. عاشت لفترة قصيرة حياة رغد بسببه. لكنها بعد وفاته اضطرت النزول ساكنة حي الفجالة الشعبي حيث بدأت مرحلة العوز والفقر والمعاناة بكامل صورتها. بأقصى ماتكون عليه قسوة الحياة عندما تفرط في قسوتها على أسرة كانت تعيش الى وقت قريب حياة الأمراء وأجواءها. وهكذا اضطرت الأم «عالية المنذر» للاشتغال في غسل الملابس وخياطتها وعليه عاشت الأسرة. وفوق هذا عمدت الأم مستغلة جمال صوتها لإحياء بعض الأعراس. وخلال هذا اشتغل فؤاد الشقيق الأكبر في مصنع فيما اشتغل فريد في وظيفة توصيل الطلبات إلى المنازل. في حين ذهبت آمال إلى المدرسة الانجليزية. حيث ظهرت موهبتها في الغناء من خلال الحفلات التي كانت تحييها المدرسة. في ذات الوقت الذي ظهرت فيه موهبة فريد في الغناء والتلحين ليجد طريقة إلى إذاعة القاهرة. بعد ذلك وصل أمر موهبة الفتاة آمال إلى آذان الملحن داود حسني والموسيقار محمد القصبجي وكان ذلك عن طريق اللبناني فريد غصن. لتبدأ الانطلاقة الكبيرة.
 لكن، ووسط هذا الظهور، ظهر لها ولهم الشقيق الأكبر فؤاد، الذي وقف كحائط صد أمام انطلاقتها انطلاقتهم. حيث كان رافضاً وبشكل تام غناء شقيقتة (الأميرة)، وشقيقه (الأمير). كما ورافضاً نمط الحياة التي بدأت أمال السير عليها. إضافة لملاحظته لعلاقاتها المتعددة وبياتها خارج البيت حتى بعد زواجها. كل هذا كان يدفعه وبشكل دائم لضربها واحتجازها بداخل غرفتها. وقد نجح المسلسل في تقديم كل هذه التفاصيل المتداخلة ولكن بشكل مختزل بديع لم يخل أبداً بالسياق العام لتلك الظروف الحياتية المتشابكة التي كانت لها. وهنا نقطة أخرى وكبيرة تحسب لهذا العمل ولمخرجه حيث قدر على، الرغم من مروره السريع على تفاصيل كثيرة وهامة في حياة «أسمهان»، إلا أن هذا كان دونما إخلال منه أو ابتسار من كتلة السيرة الذاتية بجملتها العامة.
 (3)
 وكان من الطبيعي أن يكون لهذا الصعود اللافت تبعاته. حيث وصل أمر «أسمهان» من القاهرة إلى جبل الدروز حيث يسكن ابن عمها الأمير حسن الأطرش الذي قدم إليها طالباً الزواج منها. في المسلسل يأتي ما يقول أن هذا كان بتحريض من شقيقها فؤاد الذي لم يكن راضياً، كما أسلفنا، عن سلوك شقيقته. لم ترضخ الأم في بادئ الأمر لكن كان للتلويح بعار العشيرة التي تغني ابنتهم في الملاهي الليلة أن يأتي ثماره فكان الزواج الذي أثمر طفلة وحيدة هي «كاميليا». لكنه كان زواجاً قصيراً لم يستمر لطبيعة «أسمهان» المتمردة المنطلقة الراغبة في عيش حياة أخرى غير هذه التي كُتبت لها. ليكون الطلاق حيث النقطة الأخيرة التي وقف عندها ما تم عرضه من حلقات إلى اليوم (مساء الثلاثاء).
لكن ولو سار العمل تالياً على ذات السياق الذي كانه فسوف نشاهد زواج «أسمهان» لمرة ثانية بعد توقف قصير، من المخرج أحمد بدر خان وذلك بفعل التصاقهما الدائم أثناء صنع فيلم «انتصار الشباب»، كما وقد وجدت أيضاً في هذا الزواج هروباً من تسلط شقيقها فؤاد ومن الضرب الدائم الذي كانت تلقاه على يديه. إلى ذلك إمكانية حصولها على الجنسية المصرية بزواجها من مصري. وكان زواجها هذا زواجاً عرفياً لم يستمر لأكثر من شهرين. تتزوج بعد ذلك من شخص يدعى أحمد سالم قريب من الفنانة تحية كاريوكا. لكن غيرته الشديدة عليها بسبب نظره إلى طريقة حياتها وعيشها المنفلت، لم يمنح هذا الزواج مداه فكان طلاقاً ثالثاً. لكن هذا لم يكن سهلاً على أحمد سالم الذي لم يقدر على ترك أسمهان ليحاول الانتحار مرتين إلى أن وصل الأمر، بعد انقاذه في هاتين المرتين، لمحاولة قتلها بطلق ناري لم ينجح في إصابتها.
وخلال كل هذا خاضت «أسمهان» في الكثير، وعاشت الكثير ولو كان ذلك بشكل سريع متوتر تماماً كخط سير حياتها. فذاع صيت علاقتها بالصحفي محمد التابعي رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة» وقتها. لكنها كانت علاقة. لم يتم إثباتها بشكل صريح. كما أنهما، أسمهان والتابعي، كان ينفيان دائماً ارتباطهما في علاقة غرامية معتبرين ماهم فيه من وثاق شكلاً ارتباطياً لا يمكن تسميته أو بيان هيئته. إلى هذا كان الموسيقار محمد عبد الوهاب على الخط، أو في طابور «المغرمين». وبحسب ما جاء في مقال للمطربة والناقدة العراقية سحر طه (صحيفة المستقبل البيروتية العدد833 الصادر في العاشر من فبراير 2007) ناقلة بعض ما جاء في كتاب سعيد الجزائري «أسمهان ضحية الاستخبارات»، حيث أتى ما يقول: على لسان أسمهان: «إن عبد الوهاب لم يعجبها» فهو في مجلس الغناء والطرب يُعجب ويُفتن أي أنثى، لكنه في مجلس العشق والغزل شيء آخر لا يُعجب ولا يُفتن «وأكثر من ذلك وصفته بأنه رجل مغرور يريد من المرأة التي يحبها أن توفر له كل عناء الحب، عليها أن تكون لها جرأة الرجل وأن تترك لعبد الوهاب حشمة المرأة وحياءها وخفرها، أي أن الأوضاع الطبيعية بين الرجل والمرأة تنقلب مع عبد الوهاب». فهو يجلس مطرقاً برأسه وعلى المرأة أن تزحف إليه وعلى ركبتيها وليس عليه بعد إلا أن يتفضل وتقبل منه حبه وخضوعها وقبلاتها، وبعدها يبدأ بالمغازلة كيفما يشاء بعد أن يجد بين يديه امرأة مستسلمة له بكل جوارحها وعلى استعداد تام لأن تقبل منه أي تصرف سادي أو جنسي،. لذلك لم يعجب أسمهان لأنه حاول بطريقته الخاصة هذه أن يخضعها لحبه، فلم يفلح، وحاول عبد الوهاب أن يعيد الكرة ويفرض الحب على أسمهان بعد طلاقها وعودتها إلى مصر فلم يوفق». ولا غرابة في هذا حيث ينسجم رفضها له مع طبيعة الروح ومعدن الشخصية التي كانت لأسمهان ويتسق تماماً مع خط سيرها الحياتي. لكن، وبحسب وصفها لآلية عبد الوهاب المعاملاتية مع الأناث يقول أن شيئاً كبيراً قد كان بينهما وأن دقائق طويلة قد مرت هناك.
(4)
 وفي اعتقادي أن القائمين على «أسمهان» سيلجؤون بخصوص هذه النقطة مضطرين لاختصار بعض من كتلة العلاقات هذه والتي كانت لأسمهان. لكني لا اعتقد أن يكون قفزهم أو حتى مرورهم السريع على تلك العلاقة الثلاثية الهامة التي كانت أسهمان حلقة وصلها، وكانت بينها من جهة وبين الملك فاروق ورئيس ديوانه الملكي أحمد حسين باشا ومراد محسن باشا المدير بالقصر الملكي. فمع ظهور نجمها، حاول الملك فاروق القول إعجاباً بأسمهان، شخصاً وفناً، عاملاً على إرسال برقيات تقول بهذا الإعجاب، تفصح عنه وتشير باتجاه ما يعتمل بداخله نحوها. لكنها كانت تتعمد، من طرفها، إظهار لامبالاة قوية رافضة بناء علاقة يكون الملك طرفها الثاني، ولو كانت راغبة في ذلك. لكنها وبحكم التصاقها وانغماسها في عوالم القصور ودرايتها بحقيقة العلاقات المتشابكة الشائكة التي تكون فيها، عرفت أنها ستكون الخاسر الأكبر والوحيد من علاقة كهذه. و إن كانت خاسرة ولو بوقت لاحق، إذ سرى قول يشير باتجاه الملك فاروق في مسألة قتلها انتقاماً لرفضها إياه.
 وبما أن الملك فاروق كان في الواجهة بما يقول بعلاقة شائكة بشكل مسبق. كان لأسمهان ارتباطها بواحد من الذين يقفون وراء تلك الواجهة الملكية. هو أحمد حسين باشا رئيس الديوان الملكي وحامل ختم الملك. فكانت علاقة فائرة ذهبت إلى مداها، وكان جناح أسمهان في فندق مينا هاوس القاهري الشهير مسرحاً لها. إذ كان، بحسب سلطته، يدخل إليها ويخرج عبر مدخل خاص غير مسموح أو متاح لغيره. اللافت هنا أن أسمهان، الكانت غارقة في حب أحمد حسين باشا، كانت تعلم وقتها بحقيقة علاقته المجنونة بالملكة نازلي وماقيل عن زواجه السري بها. وربما لهذا السبب راحت في علاقة متوازية وفي ذات الوقت جمعتها بمراد محسن باشا المدير بالقصر الملكي. لكنها كانت علاقة لم ترتفع إلى مرتبة علاقتها بأحمد حسين باشا. وكان من الطبيعي أن يعلم مراد محسن باشا بهذه العلاقة، فيضطر بحسب تكوينه النفسي الانسحاب من حياة أسمهان التي انسحبت بدورها من علاقتها بأحمد حسين باشا بعد علم الملكة نازلي بها.
 (5)
إلى ذلك، وبحسب ما جاء في سياق الحلقة الرابعة عشر من المسلسل، بداية الخيط الرفيع الذي تسلسلت أسمهان عن طريقه إلى عالم المخابرات ودهاليزه. البداية الممهدة لانخراطها فيه. وكان هذا عبر حضور كبار ضباط الاستخبارات البريطانية لحفلاتها وإظهارهم مدى إعجابهم بصوتها. لكن هذا كان سبباً لا غير من أجل جذبها إلى مساحتهم. حيث كانوا يعلمون جيداً، عبر دراستهم لحالتها ولسيرة حياتها ولأصلها الأول، قدرتها على اختراق بيئة محددة لا يستطيعون هم اختراقها. قدرتها على الوصول الى طبقات اجتماعية وسياسية ممنوعة عليهم ومفتوحة لها. وبعد أن نجحوا في استمالتها عبر المال، وهي التي كانت وقتها في حاجة شديدة له بعد أن دخلت طرفاً في عقد فليم «انتصار الشباب» والذي يلزمها عدم العمل في أي فيلم لمدة عامين إضافة لأنها كانت تكره العمل مطربة في الملاهي الليلية كما وتكره المال الذي يأتي من وراءه. فكان العمل الاستخباراتي وسيلة سهلة لكسب المال. فكان أن قامت بالحصول على معلومات هامة من داخل العمل السري لمجموعة من الضباط المصريين. بعد ذلك تم تكليفها في مهمة إلى بلاد الشام، موطنها الذي تستطيع اختراقه بحكم أصلها النابع منه إضافة لاقترابها من طليقها الأمير حسن الأطرش، والذي كان مايزال باقياً على حبها(قيل أنهما تزوجا مجدداً) . كما استطاعت وهي في القاهرة الحصول على معلومات هامة حول عمل مكتب الاستخبارات الألمانية هناك وهو ما أدى لكشف أمرها وبالتالي وقوعها تحت طائلة انتقام هذا المكتب وهو ما دفع بالبريطانيين نقلها لمنطقة اشتغال أخرى هي بلاد الشام حيث عملت هناك، مستخدمة المال كوسيلة إغراء وإقناع واستمالة، على شراء ولاء عدد كبير من العشائر هناك بالانضمام إلى الحلفاء كما ومستغلة حب الأمير حسن الاطرش لها، الكان بمثابة الجسر الذي عبرت من خلاله القوات البريطانية إلى سوريا ولبنان بغرض طرد جيش حكومة فيشي التي آل أمرها إلى الألمان. لكنها انهزمت لاحقاً على أيدي القوات الفرنسية بقيادة شارك ديغول (يقال أنه كان أيضاً من أكبر المعجبين بأسمهان، شكلاً وصوتاً). كل هذا جعل أسمهان في دائرة الخطر كما وملاحقة ضارية من أطراف عديدة يودون حتفها ويرقبونه نظراً للخسائر التي تكبدوها بسببها. وهي كانت تعلم بهذا لكن الوقت بدا متأخراً جداً.
وفي هذا ظهرت أسمهان ضحية نفسها أكثر مما كانت ضحية لغيرها. حيث كان يلزمها وتبعاً لظروف عملها الشائك والمحفوف بالمخاطر، كان يلزمها الصمت وعدم إفشاء الأسرار التي تحصل عليها والتي هي على علم بها. لكنها وبحكم إدمانها على الكحول كانت تروح منفلته أثناء شربها قائلة لمن حولها بكل شيء. وعليه كانت نهايتها.
كان هذا عندما كانت بداخل سيارة رفقة صديقتها ماري قلادة، ذاهبة في إجازة يوم ال14 من يوليو 1944. وفي الطريق تعرضت السيارة لحادث انقلاب ذهب بها لداخل ترعة متفرعة من النيل. وفي حين نجح السائق في النجاة بنفسه ذهبت هي ورفيقتها إلى الموت (قيل أن السائق كان عميلاً لدى المخابرات البريطانية وقد تدرب على كيفية نجاته من حوادث مماثلة).
وحول هذه الحادثة قيل الكثير، تنوع ما بين الشائعة والواقعة وأشياء تقع بينهما. حيث ظهرت المخابرات البريطانية كطرف. وظهر الملك فاروق كطرف. وإليهما ظهرت أم كلثوم والملكة نازلي. وجلس على آخر القائمة كل من شقيقها فؤاد وزوجها السابق أحمد سالم الذي كان حاول قتلها في واقعة مذكورة عالية. ولكن ما تزال كل هذه الأسماء مجرد أسماء على لائحة اتهام منذ صباح ال14 من يوليو 1944 قائلة ببقاء ملف أسمهان، صاحبة «ليالي الأنس» مفتوحاً.. وربما إلى حين. حيث لاشيء أو حقيقة تبقى للأبد طي الكتمان. لابد أن تظهر يوماً ما. لعله قريب.
Hide Mail

إقرأ أيضاً