ارتفع عدد القتلى في حادثة إطلاق النار العشوائي مساء الأحد داخل سوق القبة للقات في مدينة تعز إلى 4، بعد سقوط الجاني متأثرًا بجراحه.
وبلغ عدد المصابين جراء هذه الكارثة 6 أشخاص، بينهم حالة في وضع حرج.
ظهر اليوم (الثلاثاء)، أعلنت الجهات الطبية وفاة منفذ الهجوم على سوق القات (سوق القبة).
وأكدت مصادر متطابقة أن منفذ الهجوم المسلح على السوق هو جندي يتبع أحد الألوية العسكرية في تعز، واسمه عمرو قاسم عقلان.
مساء الأحد، هاجم هذا الجندي بسلاح كلاشنكوف بائعي القات من أمام البوابة الشمالية لسوق شعبي لبيع القات في منطقة القبة بمديرية المظفر، مخلفًا كارثة: 10 بين قتيل وجريح، عندما باشر إطلاق النار عشوائيًا داخل السوق، حسب شهود عيان.
إبراهيم هزاع، أحد الناجين من الحادثة (20 عامًا)، روى لـ"النداء" هول الكارثة والرعب الذي عاشه ضمن مئات من الباعة والمتسوقين، وحالة الفزع والموت التي شاهدها لحظتها.
"تدافع المارة والباعة من هول الحادثة، وكنت أشاهد تساقط المواطنين قتلى وجرحى، وسقوط الناس بشكل عشوائي أثناء محاولتهم النجاة. كنت أسمع أزيز الرصاص يمر من جانبي، والجميع في السوق يبحث عن مكان آمن للنجاة من القتل".
يضيف إبراهيم: "عشنا لحظات عصيبة لم نشاهدها خلال سنوات الحرب كلها".
تعدد الروايات عن الأسباب
لم نتمكن من الوصول إلى رواية موحدة السياق حول أسباب ودوافع هذه الجريمة، وذلك الفعل الذي خلف مأساة وأوجع قلوب الناس.
شرطة تعز، كجهة مختصة، اكتفت بالحديث عن بلاغ تلقته حول وقوع إطلاق نار عشوائي في سوق القات. ثم أوردت الشرطة في بلاغ آخر لها أنه "تم ضبط الجاني واتخاذ الإجراءات القانونية تمهيدًا لإحالته للعدالة".
وبحسب إفادات متعددة، فقد أصيب الجاني بجراح بليغة أثناء ملاحقته داخل المدينة، عندما أُصيب برصاصات قاتلة كانت سببًا في وفاته اليوم.
تجيد شرطة تعز فن إحصاء الضحايا، لكنها في حالات كثيرة لا تجرؤ على توضيح انتماء الجناة ومنفذي الهجمات إلى الجهات العسكرية.
الجاني ينتمي إلى الجيش، وهو شقيق مدير قسم شرطة "صينة" الفندم عاصم قاسم عقلان.
مدير قسم شرطة "صينة"، عاصم قاسم عقلان (شقيق منفذ الهجوم "عمرو")، سارع مساء أمس إلى إصدار بيان يوضح فيه أنه شارك في ضبط شقيقه الجاني.
وأضاف أنه "بمجرد وصول خبر المجزرة التي ارتكبها شقيقي، أخذت سلاحي وشاركت مع أطقم "الحملة الأمنية" في ملاحقته".
ويتابع "لبست جعبتي، وأخذت سلاحي، وخرجت مع أطقم الحملة الأمنية، وانتقلت معهم إلى جميع الأماكن التي يحتمل أن يتواجد فيها أخي عمرو لغرض ضبطه، وما عدت إلى بيتي إلا بعد أن تأكدت من ضبطه".
أُصيب الجندي (الجاني) برصاصات قاتلة خلال عملية ملاحقته، وفقًا لمصادر طبية تحدثت لـ"النداء".
ويطالب شقيقه، مدير قسم "صينة"، بتحقيق العدالة في المجزرة التي نُفذت بسلاح الجيش، وكشف ملابساتها، وضبط جميع المتهمين فيها، وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل.
دوافع الجريمة: جبايات أم انتقام؟
تفيد المصادر الأمنية والتسريبات الإعلامية بأن الدوافع التي قادت الجندي إلى إطلاق النار في السوق مالية، مشيرةً إلى أن الجاني كان يفرض جبايات على بائعي القات في محيط السوق.
وهذا يكشف عن فداحة ظاهرة الجبايات التي يتعرض لها المواطنون من قبل ضباط ومجندين يستقوون بسلاح وسطوة الجيش، ومسنودين من نافذين كبار يجنون مئات الملايين من جبايات القات.
رواية أخرى، رجحها مصدران أمنيان لـ"النداء"، تشير إلى أن الحادثة بدأت عندما أصيب مواطن مسن في السوق برصاص جنود يتبعون قوات النجدة، كانوا يرابطون عند مدخل السوق في اليوم الذي سبق المجزرة.
"النداء" حصلت على تسجيل حصري لفيديو يوثق إصابة المواطن المسن بطلقات رصاص صوبت على قدميه بسلاح جنود يتبعون قوات النجدة، أثناء تمركزهم على متن طقم عسكري بجانب السوق.
أطلق الجنود النار على الرجل المسن بعد رفعه سلاحه في السوق أثناء عراكه مع بائع قات رفض إعادة ثمن القات الذي اشتراه منه.
تزعم المصادر الأمنية أن الجاني، عمرو قاسم عقلان، التقى نجل المواطن الذي أصيب في السوق صباح اليوم التالي (أي قبل ساعات من وقوع المجزرة).
إدارة مكافحة المخدرات أفادت لـ"النداء" أنها تواصل التحقيق في احتمالية تعاطي الجاني المخدرات.
أسماء ضحايا المجزرة (قتلى وجرحى):
1- وليد سيف غانم عبدالله (30 عامًا) – قتيل (عدة طلقات في الرأس).
2- نواس هزاع عبدالله ثابت – قتيل (أُصيب بعدة طلقات في البطن).
3- سائق دراجة نارية (في الثلاثينات من العمر) – قتيل (مجهول الهوية).
4- عمر موسى محمد الصوملي (37 عامًا) – مصاب بعدة طلقات في الفخذين والقضيب.
5- فؤاد محمد عبدالله حارث (35 عامًا) – مصاب بطلقة واحدة في البطن.
6- حاشد عبدالله محمد الرهمي (22 عامًا) – مصاب بطلقة واحدة في الجانب الأيسر من الحوض.
7- رأفت محفوظ محمد يحيى (18 عامًا) – مصاب في البطن والظهر.
8- داوود إبراهيم سعيد أحمد (54 عامًا) – مصاب بشظية أسفل العين.
9- مصاب في العقد الخامس من العمر (لم تتمكن "النداء" من الوصول إلى اسمه) – مصاب بطلقتين في الفخذ في اليوم السابق للمجزرة.
10- عمرو قاسم عقلان (الجاني) – قتيل بعد إصابته برصاصات قاتلة أثناء المطاردة بعد ارتكابه الجريمة.
عوائق أمام الوصول إلى الحقيقة
توجهت "النداء" إلى هيئة مستشفى الثورة الذي يرقد فيه عدد من الضحايا. وعلى الرغم من توجيه رئيس الهيئة بالسماح بمقابلة الحالات المستقرة، إلا أننا واجهنا صعوبة في الوصول إلى كافة ضحايا المجزرة في قسم الرقود من قبل عناصر أمنية تشترط حصولنا على تصريح من الجهات الأمنية بالمحافظة.
موجز عن ضحايا أسواق القات في تعز
لم تكن حادثة "سوق القبة" هي أولى الجرائم من هذا النوع داخل الأسواق الشعبية في تعز.
على مدى ثمان سنوات، كانت أسواق القات من أكثر الأماكن التي تتركز فيها حوادث القتل والإطلاق العشوائي للنار.
تمكنت "النداء" من خلال تتبع حوادث أسواق القات في محافظة تعز بكل توزيعاتها (مدينة تعز ـ الحوبان ـ الساحل الغربي) ومن خلال الرصد الدقيق تبين لـ"النداء" أن ضحايا حوادث أسواق القات بلغ 196 حالة (بين قتيل وجريح) من عام 2017 وحتى 23 فبراير 2025.
يشير هذا الرقم لضحايا أسواق القات في محافظة تعز وتركزه في هذه الأماكن إلى حقائق عديدة: أهمها المكاسب والعائدات المالية الضخمة التي يتم جنايتها من خلال التعديات على الأسواق في ظل هذه الفوضى وحالة اللادولة واللاقانون. كما أن تكرار هذا النمط من العنف وإطلاق النار العشوائي داخل تعز يفصح عن مأساة سببتها فوضى وانفلات السلاح في تعز. واللافت أن هذه الظاهرة في تعز تتكرر دائماً ببنادق جنود يتبعون وحدات أمنية وعسكرية ويحتمون بأقرباء نافذين.
هذه الإحصائية التي رصدتها "النداء" بمعاونة مختصين (196 مواطناً بين قتيل وجريح داخل أسواق القات منذ العام 2016) بمتوسط ضحيتين شهرياً.
ووفقاً لمصادر طبية فإن الأرقام قد تكون أكبر من تلك التي تناولتها وسائل الإعلام المختلفة خلال الأعوام الماضية.
مصادر أخرى أكدت لـ"النداء" أن جرائم القتل وإطلاق النار في أسواق القات تركزت بصورة أكبر في مناطق مدينة تعز مقارنة بمناطق سيطرة الحوثيين شرق وشمال المحافظة ومناطق سيطرة قوات طارق صالح في المديريات الساحلية.
ويشكل الصراع على الجبايات النسبة الأكبر من أسباب حوادث القتل داخل أسواق القات، فيما يتصدر العسكريون "المقاومة" قائمة منفذي هذه الجرائم ومطلقي النار داخل أسواق القات في هذه المحافظة التي كانت في الصدارة المدنية والسلم الاجتماعي.