صنعاء 19C امطار خفيفة

ربع السكان يعانون من مشاكل نفسية

ارتفاع معدلات الانتحار في اليمن والريف يسجل النسبة الأعلى

2024-12-22
ارتفاع معدلات الانتحار في اليمن والريف يسجل النسبة الأعلى
محمد سعيد- إرشيف الكاتب

في ظل الحرب المستمرة منذ عقد من الزمن، يعاني اليمنيون من تدهور اقتصادي ومعيشي غير مسبوق. الأزمة الاقتصادية طالت جميع أنحاء البلاد، إلا أن الريف اليمني يعاني بشكل أكبر بسبب انعدام فرص العمل وتردي الخدمات الأساسية. يعيش سكان الريف في ظروف قاسية، حيث يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والماء والكهرباء، بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية والتعليمية، وخدمات الصحة العامة والنفسية. هذه الظروف أدت إلى تفاقم المشكلات النفسية والاجتماعية لدى السكان، خاصة الشباب.

 
 
من بين الأمثلة المؤلمة، حادثة انتحار الشاب محمد سعيد، البالغ من العمر 16 عامًا، التي وقعت الأسبوع الماضي في العاصمة صنعاء. محمد كان الابن الوحيد لعائلته المكونة من والد مقعد وأم مريضة وشقيقتين صغيرتين. أجبرته الظروف الاقتصادية على ترك التعليم في الصف التاسع ليصبح العائل الوحيد لأسرته التي تعيش في مديرية فرع العدين بمحافظة إب. تحمل محمد مسؤولية إعالة أسرته في ظل غياب أي مصدر دخل ثابت، مما جعله يرزح تحت ضغوط تفوق قدرته على التحمل.
 
والد محمد أكد أن ابنه كان يعاني من مشكلات نفسية نتيجة الفقر الشديد والعجز عن توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته. وأشار في حديث لـ"النداء" إلى أن محمد كثيرًا ما كان يعبّر عن شعوره بالعجز واليأس، خاصة مع غياب أي أفق لتحسن الأوضاع المعيشية. هذه المأساة تضاف إلى سلسلة من حوادث الانتحار التي شهدتها عدد من المحافظات اليمنية والتي حظي الريف اليمني بالنصيب الأكبر منها.
 
في تعز، تزايدت حالات الانتحار خلال الشهور الماضية بصورة ملفتة. منتصف يوليو المنصرم، أقدم شاب عشريني يدعى "عبده مشترك" على الانتحار بشنق نفسه على جذع شجرة بمديرية "جبل حبشي". وفي ذات الشهر، أقدم شاب ريفي آخر على الانتحار بشنق نفسه في مزرعة للقات بقرية "النزيهة" التابعة لمديرية "المعافر". وقال سكان محليون إن الشاب "شعيب الفقيه" كان يعاني من اضطرابات نفسية في الآونة الأخيرة.
 

تزايد مقلق لحالات الإنتحار

 
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى تزايد مقلق في معدلات الانتحار، في ظل وضع معيشي متدهور ويزداد سوءًا عامًا بعد آخر. وفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة الصحة العالمية، يعاني حوالي ربع سكان اليمن من مشاكل نفسية نتيجة للصراع المستمر والأوضاع الاقتصادية المتردية. 
 
ويقول مختصون إن الصراع والنزوح والفقر المدقع تسببت في ضغوط نفسية هائلة على الأفراد، مما جعل الكثيرين يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق، والتي قد تؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار.
 
وفقًا لتقرير أمني حديث، صادر عن وزارة الداخلية في الحكومة المعترف بها، تم تسجيل 148 حالة انتحار في تسع محافظات يمنية خلال العام 2023. توزعت هذه الحالات على عدة محافظات، حيث سجلت محافظة تعز أعلى عدد من الحالات بـ 44 حالة، تلتها محافظة مأرب بـ 25 حالة، تلتها عدن بـ 24 حالة. 
 
وفيما لا توجد إحصائيات عن عدد حالات الانتحار المسجلة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تحدثت تقارير إعلامية عن ارتفاع مقلق لعدد حالات الانتحار المسجلة في هذه المناطق، وتم رصد 21 حالة انتحار خلال 36 يومًا فقط في مناطق سيطرة الحوثيين، خلال الفترة بين مايو ويونيو من العام 2022، وجاءت محافظة إب في صدارة الحالات المسجلة.
 
وأكد تقرير سابق لمنظمة الصحة العالمية، أن اليمن يحتل المرتبة الأولى بالنسبة للدول العربية في نسبة حالات الانتحار لعام 2019. ومن بين 100 ألف مواطن يمني، يقدم 580 منهم على الانتحار.
 
سكان في مناطق ريفية يؤكدون أن انقطاع المساعدات الإنسانية التي كانت تقدمها المنظمات الإغاثية زاد من معاناة العائلات، مما جعل العديد من الأسر تواجه الفقر المدقع دون أي دعم يذكر. 
في مايو الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تعليق جميع أنشطة الصمود وسبل العيش في اليمن بسبب نقص التمويل. وأوضح البرنامج أنه لا مفر من قطع المساعدات الإضافية خلال الأشهر المقبلة ما لم يتم تعبئة أموال إضافية بشكل عاجل. مشيرًا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 40% خلال عام واحد في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.
 
والسبت الماضي، أكد برنامج الغذاء العالمي (WFP) استبعاد 50% من الأطفال اليمنيين المشمولين بالتغذية المدرسية خلال نوفمبر الماضي، بسبب النقص الحاد في التمويل. وقال البرنامج إن النقص في التمويل، حرم نحو مليون طالب يمني كان من المقرر الوصول إليهم على مستوى البلاد بداية العام الدراسي 2024-2025.
 
وفي ظل هذه الظروف القاسية، اضطر عدد من سكان الريف إلى إخراج أطفالهم من المدارس للعمل في الزراعة أو الرعي لمساعدة أسرهم، الأمر الذي يترك آثارًا نفسية سلبية عليهم. 
 
ويقول أحد أهالي مديرية فرع العدين بمحافظة إب، إن الوضع الاقتصادي المزري دفع العديد من الشباب إلى حافة الانهيار النفسي، مشيرًا إلى أن الفقر، البطالة، وانعدام الفرص يزيد من معدلات الأمراض النفسية والانتحار. وأضاف أن الكثير من الأسر فقدت الأمل في تحسن الأوضاع مع غياب التدخلات الإنسانية والحكومية لمعالجة هذه الأزمات.
 
هذه المأساة الإنسانية تجعل الحاجة ملحّة لإعادة تفعيل برامج الدعم الإنساني والإغاثي في المناطق الريفية، مع التركيز على تقديم خدمات الصحة النفسية والاجتماعية للتخفيف من معاناة السكان. مع التاكد على أهمية توفير فرص عمل للشباب، ودعم التعليم وبرامج التأهيل والتدريب المهني لاستعادة الأمل.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً