للأغنية العدنية رونق مختلف، وطابع فريد وضعها في مكانةٍ مرموقة ضمن الألوان الغنائية اليمنية، واستطاعت أن تُعتمد كلون غنائي مميز، من قبل أرباب الغناء اليمني، بناءً على قواعده وضوابطه الفنية التي أهلته لاستحقاق هذه المنزلة.
فمنذ بدايات القرن العشرين، برزت الأغنية العدنية، وانتشرت في أنحاء الجزيرة العربية والخليج، بشكل أكبر عقب النصف الثاني من القرن الماضي، مستفيدةً من تلاقح مدينة عدن الثقافي والفني مع محيطها.
حيث كانت عدن حينها، مدينة عالمية مصغرة، احتضنت هويات وثقافات متعددة، انصهرت في بوتقة واحدة لتصنع هوية عدنية مميزة مستقلة بذاتها، انعكست على الغناء العدني بوجه خاص، بل إن الأغنية العدنية كانت هي المُعبر عن هذا التنوع الثقافي.
وما زاد من انتشار الأغنية العدنية عربيًا، أن روادها الأوائل استلهموا أبجديات الغناء من المرجعية الأولى للثورة الناعمة عربيًا، مصر، التي منحت عدن –كما منحت الوطن العربي– نفحة موسيقية بطابع شرقي مازال حيًا حتى اليوم.
كل هذا الإرث الغنائي العدني كان لا بد أن يحظى بالاحتفاء، وهو ما قامت به بالفعل دائرة الثقافة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، بالتعاون مع مكتب الثقافة بمدينة عدن، من خلال فعاليات مهرجان الأغنية العدنية الأول، الذي استضافه معهد جميل غانم للفنون الجميلة.
فعاليات متنوعة
المهرجان الذي انطلق بتاريخ 17 ديسمبر، واختتم اليوم الخميس، مثّل احتفالية خاصة أبرزت جمال الأغنية العدنية وروحها الأصيلة، التي طالما ارتبطت بذاكرة الزمن الجميل في عدن.
كما سلط المهرجان الضوء على رموز الموسيقى والفن الذين أثروا المشهد الثقافي طيلة عقود طويلة، ومازال إرثهم باقيًا وعالقًا في أذهان اليمنيين إلى اليوم.
انطلق المهرجان في أيامه الأولى بمعرض فني فريد من نوعه، للمقتنيات الشخصية النادرة لفنانين عدنيين بارزين، بالإضافة إلى صور تاريخية عرضت لأول مرة وبدقةٍ عالية، واستمر المعرض حتى اليوم الأخير للمهرجان.
اليوم الثاني، شهد فعالية ثقافية نقاشية حول تاريخ الأغنية العدنية، قدمها الباحثان أحمد السعيد، وغاطس بامسلم، وتخلل النقاش فواصل موسيقية عدنية أعادت الحضور إلى ذاكرة وألق الأغنيات الكلاسيكية العدنية.
ومساء اليوم، اختتمت فعاليات المهرجان بحفل غنائي كبير بمشاركة نخبة من الفنانين العدنيين الذين أحيوا أجمل الأعمال الموسيقية التي تمثل إرث الأغنية العدنية.
تعزيز الهوية العدنية
القائمون على تنظيم مهرجان الأغنية العدنية الأول اعتبروه خطوة جديدة نحو الحفاظ على التراث الثقافي والفني لمدينة عدن، وتعزيز ارتباط الأجيال الجديدة به، كما أن الحدث يعكس شغف المدينة بفنها العريق، الذي طالما كان جزءًا من هويتها.
وقال مدير العلاقات العامة والإعلام بمكتب الثقافة بعدن، نزار القيسي، إن المهرجان نظمه شباب فاعلون من أبناء مدينة عدن، فخورون بما قدمه الرواد الأوائل للأغنية العدنية، من المطربين والشعراء والملحنين.
وأضاف القيسي في تصريحات صحفية أن المهرجان يمثل فرصةً مناسبة لتعريف الجيل الجديد بفناني عدن الكبار، أمثال الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم، وخليل محمد خليل، وأحمد باقتادة، ومحمد سعد عبدالله، ونجوم الغناء العدني الذي أثروا الفن في المدينة وصنعوا ألقه وتميزه.
وأشار إلى أن المهرجان يسعى إلى تعزيز مكانة الأغنية العدنية وترسيخ أسماء الفنانين العدنيين في أذهان شبابنا من الجيل الجديد حتى يتعرفوا عليهم ويستفيدوا من أعمالهم، لافتًا إلى بذل جهود كبيرة للحصول على الصور النادرة للمعرض الذي أقيم لفنانين وموسيقيين من رواد الأغنية العدنية.
الحفل الفني الغنائي والثقافي الذي أقيم في ساحة معهد المرحوم جميل غانم للفنون الجميلة بمديرية صيرة، شهد في ختام المهرجان، حضورًا شعبيًا واسعًا، خاصةً من العائلات العدنية التي تعلقت بالأغنية العدنية لعقود طويلة.
تغييب وانتقاد
غير أن المهرجان لم يخلُ من بعض الاختلالات التي رافقت عملية التنظيم، عكرّت صفوه، وتسببت بامتعاض عدد من الفنانين العدنيين غير المدعويين إلى فعالياته، بحسب مهتمين بالشأن الفني والثقافي في المدينة.
وقالت الصحفية المختصة بالفنون والثقافة، أمل عياش، إن مهرجان الأغنية العدنية الأول لم يستدعِ قامات غنائية عدنية، أمضت جل عمرها في خدمة الأغنية العدنية وإثرائها بالأبحاث والتوثيقات العلمية الرصينة، من أمثال الفنان العدني المخضرم عصام خليدي.
وأشارت عياش في حديثها لـ"النداء" إلى أن الفنان عصام خليدي لم يتلقَ أي دعوة لحضور المهرجان، بل إنه لم يعلم بشأنه إلا بعد إقامته، رغم أنه فنان عدني "حي يرزق"، وموسوعة ثقافية وعَلم غنائي وناقد فني محترف متعدد الإبداع.
واستغربت الصحفية العدنية من إهمال القائمين على المهرجان لقامات فنية، وتجاهل وجود فنان معروف بتاريخه الفني الراقي الملتزم، اسمه خليدي، بالإضافة إلى إهمال مبدعين وفنانين وموسيقيين عدنيين كبار، وكوادر قديرة ساهمت بانتشار ورواج الأغنية العدنية.
كما أبدت عياش أسفها من تجاهل إعلاميين مختصين في إبراز الأغنية اليمنية من خلال توثيقها عبر عملهم في الإذاعة والتلفزيون، عبر تصوير وإخراج الأغنية العدنية بثوب قشيب.
وأوضحت أن ما أقيم لا يرتقي إلى مستوى المهرجان، الذي كان يستوجب منحه بُعدًا إنسانيًا، من خلال استضافة عائلات رواد الأغنية العدنية، وأصدقاءهم وكل من تزامل معهم وشاركهم مسيرتهم الفنية.
وأضافت عياش أن ما تم عرضه من صور ومقتنيات مجرد عرض صور تم إنزالها من الإنترنت، بالإضافة إلى عرض بعض مقتنيات ضئيلة للغاية لا ترتقي لمستويات فناني عدن الكبار.
وقالت أمل عياش: لهذا السبب "روح عدن" لم تكن متواجدة في المهرجان، حيث تم تنظيمه بطريقة "المخارجة" –حد وصفها–، وذلك يعود إلى أن منظمي المهرجان ليس لهم علاقة بالفن، وهذا أدى إلى إهمال موسيقيين وعازفين وقامات غنائية واكبت مسيرة رواد الأغنية العدنية.