"منذ أن استبدلت خدمة الكهرباء التجارية بالكهرباء الحكومية، وأنا أدفع أضعاف ما كنت أدفعه. والأسوأ؟ فوجئت بفاتورة تحملني ديونًا لم أعلم عنها شيئًا. كيف يمكن أن تكون فاتورة كهرباء، قبل أن أسكن المنزل، مسؤوليتي؟"، بهذه الكلمات المليئة بالصدمة والاستياء، يروي علي السنباني قصته مع فواتير الكهرباء في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تحولت خدمة أساسية إلى معضلة تلتهم كل ما تبقى من دخله.
عبدالله رفيق، جاره، لم يكن أوفر حظًا. يقول رفيق: "اعتقدت أنني وجدت حلًا لتكاليف الكهرباء المرتفعة، لكنني وقعت في فخ أكبر. أول فاتورة دفعتها حملت مطالبات متأخرات تصل إلى 20 ألف ريال عن مستأجرين سابقين لم أعرفهم حتى. كيف يُعقل أن أتحمل ديون غيري؟".
هكذا يبدأ مسلسل الجباية. بمجرد أن يظن المواطن أنه سيحصل على خدمة بأسعار معقولة، يكتشف أن المؤسسة العامة للكهرباء الخاضعة للحوثيين قد أعادت تصميم الخدمة لتصبح تجارة مربحة يدفع ثمنها المواطن البسيط.
الكهرباء... تجارة الحرب الكبرى: من خدمة أساسية إلى وسيلة استنزاف
منذ اجتياحهم للعاصمة صنعاء والاستيلاء عليها في سبتمبر2014، حول الحوثيون قطاع الكهرباء إلى أداة للربح والسيطرة. ومع توقف محطات التوليد الرئيسية في مأرب، التي كانت تنتج 600 ميجاوات، لجأ معظم السكان إلى الألواح الشمسية. لكن الحوثيين استغلوا هذه الفجوة بفتح المجال لتجار محسوبين عليهم، يبيعون الكهرباء بأسعار خيالية تجاوزت 350 ريالًا للكيلوواط، مقارنة بـ12 ريالًا قبل الحرب.
في البداية، سمح الحوثيون لهؤلاء التجار باستخدام الشبكة العامة مقابل تقاسم الأرباح، وهو ما أسهم في ارتفاعها. وكشف تحقيق صحافي حديث، عن تواطؤ قيادات حوثية على تلاعب بعض التجار بالأسعار ورفعها دون إشعار مسبق، مقابل نسبة من الأرباح.
بعد ذلك، عادوا لتشغيل المحطات الحكومية المتبقية، مثل محطة صنعاء التي لا تتجاوز قدرتها الإنتاجية 30 ميجاوات، وفرضوا على جميع المحطات التجارية تسعيرة موحدة، بلغت 257 ريالًا للكيلوواط، أي ما يعادل نصف دولار تقريبًا.
كما حددت المؤسسة الخاضعة لسيطرتهم تسعيرة للكهرباء الحكومية، مبلغ 230 ريالًا للكيلوواط، بالإضافة إلى اشتراك يتجاوز 1200 ريال شهريًا. المفارقة أن هذه التسعيرة، التي يزعمون أنها "حكومية"، توازي أسعار المحطات التجارية، ليصبح الفرق بين المؤسستين مجرد تغيير في الجهة التي تجني الأرباح. والمفارقة الكبرى؟ أن الشبكة العامة، التي كانت مصممة لتوفير خدمة الكهرباء بأسعار مخفضة، أصبحت أداة لتقاسم الأرباح مع الشركات التجارية، بل استثمارًا حوثيًا.
وعود توفير خادعة
“ادفع أقل... واستفد أكثر”، بهذه العبارة الجذابة أوقعت المؤسسة العامة للكهرباء التابعة للحوثيين، آلاف اليمنيين، الذين ضاقوا ذرعًا بارتفاع أسعار الكهرباء التجارية، في فخ جديد. ليكتشفوا لاحقًا أن الوعد المزعوم بالتخفيض لم يكن إلا سرابًا يخفي استغلالًا أكثر شراسة.
علي السنباني، الذي كان يدفع 3300 ريال شهريًا لمحطة كهرباء تجارية، وجد نفسه يدفع 6000 ريال بعد انتقاله إلى الكهرباء الحكومية. يقول السنباني: "ظننت أنني سأوفر بعض المال، لكنني أدفع الآن ضعف ما كنت أدفعه. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد فوجئت بفواتير تحمل مطالبات بديون لم أكن أعلم عنها، بحجة أنها متأخرات من قبل الحرب".
أما عبدالله رفيق، فقد ارتفعت فاتورته الشهرية من 4500 ريال إلى 8500 ريال. ويضيف بأسى: "حتى مع هذه المبالغ الكبيرة، أُجبرت على دفع ديون مستأجرين سبقوني، دون أي مبرر منطقي".
يقول سامي، وهو مسؤول سابق في محطة كهرباء تجارية، ومهندس لدى المؤسسة: "هذا ليس دعمًا، بل استغلال ممنهج. تحتاج لاستهلاك يفوق 44 كيلوواط شهريًا لتستفيد فعليًا من فارق السعر المزعوم". ويوضح: "الفرق بين أسعار الكهرباء الحكومية والتجارية خادع. وفي حالة الأغلبية الذين لا يتجاوز استهلاكهم عن 40 كيلوواط تصبح أسعار الكهرباء التجارية هي الأقل".
الحديدة... استغلال مزدوج
الضحية الأكبر لهذه السياسة كانت مدينة الحديدة الساحلية، التي يعاني سكانها من طقس حار لا يرحم، وظروف اقتصادية قاسية، حيث تصبح الكهرباء ضرورة لا غنى عنها. لكن حتى هنا، حوّل الحوثيون حاجة السكان إلى فرصة للاستغلال.
قبل عامين، أطلق ناشطون حملة تسلط الضوء على الظروف القاسية للسكان، ما دفع الحوثيين إلى تأسيس "صندوق دعم كهرباء الحديدة". مول الصندوق مشروعًا للطاقة الشمسية بدأ العمل نهاية عام 2023، وبيع الكهرباء للمؤسسة العامة بسعر 70 ريالًا للكيلوواط.
لكن بدلًا من نقل هذه الفائدة للمواطنين، قامت المؤسسة ببيع الكهرباء بنفس أسعار الشركات التجارية، أي 250 ريالًا للكيلوواط. وكما يقول أمين، وهو مهندس في كهرباء الحديدة، في حديثه لـ"النداء": "حتى المشاريع الممولة لدعم السكان تحولت إلى استثمار جديد للحوثيين. نحن في حالة اختناق اقتصادي"، وأضاف: "تخيل مبادرة إنسانية حولوها إلى تجارة، والمواطن يدفع الثمن، ونحن الموظفين بلا حقوق، والقيادات الحوثية تجني الأرباح".
الابتزاز والهيمنة
قبل أشهر، شنت "اللجنة الرئيسية لمولدات الكهرباء الخاصة"، التابعة للحوثيين، حملات ميدانية أغلقت خلالها 234 محطة تجارية من أصل 400، بزعم ارتكاب مخالفات. لكن الحقيقة، كما يؤكد العاملون في هذا القطاع، أن الهدف هو الاستحواذ على هذه المحطات، وتحويلها إلى أداة جديدة للجباية. في حين يعتبره سامي "سياسة حوثية ظهرت في السنوات الماضية وبصور متعددة".
وشكا أحد ملاك المحطات، طلب عدم ذكر اسمه، في حديثه لـ"النداء"، من المضايقات التي تعرض لها: "أُغلقت محطتي دون سبب قانوني. طُلب مني دفع إتاوات باهظة أو بيع المحطة للمؤسسة العامة. هذا استغلال بحت"، وأضاف: "فرضت المؤسسة علينا 15 ريالًا للكيلو الواحد، ويدفعوننا أكثر منها، قد الفائدة معهم، مع ذلك، هل من مزيد؟".
لا يقتصر الفساد على الاستحواذ على المحطات واستثمارها لصالح الجماعة، بل يمتد إلى منح استثناءات للمحطات، المملوكة لأفراد مرتبطين بالحوثيين، والسماح لها بتجاوز القيود وتشغيل مولداتها داخل الأحياء السكنية، دون التزام بأي معايير سلامة، ما يسبب ضجيجًا وتلوثًا بيئيًا، وتهدد باندلاع حرائق كارثية. وكشف تحقيق استقصائي، أن 11 محطة كهرباء تجارية تعمل داخل صنعاء القديمة، ما يشكل خطرًا كبيرًا على المباني التاريخية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي.
مع استمرار هذه السياسات، يرى العاملون في قطاع الكهرباء أن المستقبل يبدو مظلمًا. يقول مهندس يعمل في المؤسسة العامة: "ما كان يومًا قطاعًا خدميًا يخدم كل اليمنيين، أصبح اليوم وسيلة لملء جيوب الفاسدين".
بين ارتفاع الأسعار، وفواتير متأخرة تحملها السكان دون مبرر، واستغلال حاجة الناس للكهرباء، يجد اليمنيون أنفسهم أمام معركة يومية جديدة. الكهرباء، التي كانت رمزًا للحياة والنور، أصبحت في مناطق الحوثيين رمزًا للاستغلال والجباية، تاركة السكان في ظلام مادي ومعنوي يصعب الخروج منه.