يواجه اليمن أزمة اقتصادية خانقة تشمل تدهور العملة، وتباين سعر صرفها، والتضخم، وانقسام القطاع المصرفي.
خلال الأشهر الأخيرة، خاض البنك المركزي حربًا مالية لنقل مقرات البنوك إلى عدن، لكن هذه الخطوة لم تصمد أمام تهديدات جماعة الحوثي، مما دفع حلفاء الحكومة المعترف بها للضغط عليها والتراجع عن القرار.
هذا الوضع يعمق أزمة الاقتصاد في اليمن، ويدفع عددًا من البنوك نحو الانهيار الذي بدأت مؤشراته تظهر مؤخرًا.
في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، أكد المبعوث الأممي لليمن، هانس غروندبرغ، على أهمية توحيد العملة وإنشاء بنك مركزي موحد وضمان استقلالية القطاع المصرفي عن التدخل السياسي.
وأشار إلى أن مكتبه أعد خيارات وقدم مقترحًا واضحًا لتحقيق هذه الأهداف بناءً على مدخلات الأطراف المختلفة.
لكن مسؤولين في الحكومة المعترف بها نفوا في تصريحات إعلامية تلقيهم أي مقترح بشأن توحيد العملة، وقالوا إن هذا الإجراء سيواجه تعقيدات كبيرة بسبب الأزمة المستمرة في البنك المركزي، وعدم وجود غطاء سياسي وعسكري واقتصادي متين ومستقل.
سيناريوهات توحيد العملة
يرى خبراء الاقتصاد أن توحيد العملة وإنشاء بنك مركزي موحد يمثلان خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادي في اليمن، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب تعاونًا سياسيًا واقتصاديًا واسع النطاق.
ويقول المحلل الاقتصادي فارس النجار لـ"النداء" إن هناك سيناريوهين لتوحيد العملة والبنك المركزي. يتضمن السيناريو الأول توحيد البنك المركزي ضمن اتفاق سياسي شامل، لكن تعنت جماعة الحوثي وفقدان الثقة بين الأطراف يمثلان عقبات كبيرة. السيناريو الآخر هو إنشاء نظام مالي مصرفي مزدوج، حيث يحافظ كل طرف على سيادته على البنك مع وجود آلية تنسيق مشتركة، لكن هذا الحل يعتبر مؤقتًا.
من جانبه، رحب الخبير الاقتصادي عبدالسلام الأثوري بتصريح المبعوث الأممي، معتبرًا أنه إذا تحقق، سيحل جزءًا كبيرًا من إشكالية الصراع الاقتصادي بين حكومة الشرعية وحكومة صنعاء، وسينهي الانقسام النقدي بين المنطقتين. لكنه أشار في حديثه لـ"النداء" إلى أن هذه الإشكالية معقدة وتتطلب تسوية سياسية وأمنية وإدارية شاملة.
أما الدكتور هشام الصرمي، فقد أكد أن توحيد العملة أمر معقد للغاية، مشيرًا إلى أن جماعة الحوثي لن تتنازل عن مكاسبها بسهولة. موضحًا أن توحيد العملة لن يتم فقط من خلال التفاوض، بل يجب أن تعمل جميع المنظومات على الضغط على الجماعة لتحقيق هذا الهدف.
وأضاف الصرمي، في حديثه لـ"النداء"، أن زيادة الإيرادات لجماعة الحوثي تدفعهم إلى المزيد من التمرد. على سبيل المثال، إيقاف تحويل البضائع إلى منافذ الشرعية ودخولها عبر ميناء الحديدة أفقد الحكومة الشرعية 70% من دخلها، مما أعطى الحوثيين إيرادات أعلى بكثير. هذا التحول في التجارة من مناطق الحكومة المعترف بها إلى المناطق الخاضعة للحوثيين، دفع كبار التجار والمكلفين لفتح مخازن وفروع في مناطق الحوثيين، مما يعزز موقف الجماعة على حساب الحكومة في عدن.
حلول وتوصيات
يقترح النجار السيناريو الأخير كحل أمثل، وهو إنشاء لجنة مشتركة لإدارة بنك مركزي موحد تحت إشراف دولي بخبراء من الأمم المتحدة. هذه اللجنة ستتولى المهام تدريجيًا وصولًا إلى الحل الشامل، بتنسيق السياسات النقدية وتوحيد وظائف البنك المركزي والتحكم بسعر الصرف ومعالجة التضخم.
بينما يرى الأثوري أن الحلول والتوصيات تعتمد على عدالة تقييم الحقوق النقدية للمجتمع في الشمال والجنوب وفق القيمة السوقية. موضحًا أنه هذه الرؤية تم تقديمها في لقاء موسع عام 2021، بمشاركة فريق الإصلاح الاقتصادي للقطاع الخاص والمبعوث الأممي وسفراء الدول الخمس وبعض سفراء الاتحاد الأوروبي وممثلين عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وأكد أن نجاح المشروع مرهون بتحقيق هدنة وتسوية اقتصادية يتوافق عليها أطراف الصراع، مما سيعيد الاعتبار لسلطة البنك المركزي والنظام المصرفي، ويقلص هيمنة الصرافين والمضاربات النقدية وجرائم غسيل الأموال.
وأضاف أن الإصدار النقدي المقترح سيعتمد على معايير المستوى المطلوب للنقد المطلوب تدويره في الدورة النقدية من خلال البنوك ومستوى الطلب، معززًا باحتياطات نقدية لا تقل عن 5-7 مليارات دولار لتوفير استقرار نقدي. كما يتطلب استعادة تفعيل الإنتاج النفطي والتصدير، ودعم استقطاب الأموال الخارجية وتحويلات المغتربين، وتحويل مساعدات الاستجابة الإنسانية عبر البنك المركزي.
وأشار إلى أن هناك مجالات اقتصادية إنتاجية واستثمارات داخلية يمكن التركيز عليها بدعم المانحين، مما يرفع من مستوى التوظيف، ويقلص البطالة في المجتمع، ويشجع مجالات التصدير. وقال إن هذا سيساعد في استعادة نشاط البنوك وتوفير جزء من حقوق المواطنين والمؤسسات في البنوك.
وشدد الأثوري على ضرورة وقف العمل بقانون منع الفوائد البنكية الذي أصدرته حكومة صنعاء، واعتبره مطلبًا ملحًا لنجاح هذه الرؤية، مما يساعد في السيطرة على التضخم، ومعالجة المشكلة الاقتصادية نقدياً ومالياً.