يضطر المواطن زكي أحمد، من أهالي حي شِعب العيدروس، في مدينة عدن القديمة، إلى شراء صهريج كامل من المياه، رغم عدم حاجته لكل هذه الكمية؛ بهدف توفير الماء لأسرته.
يتحدث زكي لـ"النداء" عن إجبار سائقي صهاريج المياه (البُوَز أو الوايتات)، مواطني كريتر على شراء الكمية كاملة، وبسعر مرتفع جدًا، في ظل طلب كبير على المياه في أحياء المدينة القديمة، التي تفتقر لمشاريع خدمية في هذا القطاع الحيوي.
ويستغرب زكي من تكدس صهاريج المياه، لنقل الماء من الآبار الخاصة، الواقعة خلف مقر المؤسسة المحلية للمياه في مديرية صيرة، في الوقت الذي تغيب فيه مشاريع الحكومة العامة عن إيصال الماء إلى منازل المواطنين.
ويصف هذه الواقعة بأنها "مفارقة عجيبة"، إذ تصمت الجهات المسؤولة عن تحكم سائقي صهاريج المياه بالناس، بينما تحرم هذه الجهات المواطنين من خدمة أساسية لا غنى لهم عنها.
ويلفت إلى أن منازل أحياء مدينة عدن القديمة، والمناطق المرتفعة من كريتر، محرومة من مشاريع المياه الحكومية، منذ أكثر من تسع سنوات متواصلة، واعتماد ساكني مناطق مثل الطويلة، وحي المليشيا على شراء الماء بمبالغ ضخمة.
زكي ليس سوى نموذج لحالة منتشرة في مدينة عدن منذ سنوات، يعاني فيها المواطنون من انعدام خدمة المياه الحكومية، وغياب المشاريع العامة الخاصة بتوفير المياه.
عشر سنوات بلا ماء
عضو اللجان المجتمعية بكريتر، وليد ثابت قاسم، يقول لـ"النداء"، إن المناطق القديمة والمرتفعة من المدينة تعاني من عدم وصول المياه إلى منازل المواطنين منذ نحو عشر سنوات، وتحديدًا منذ عام 2015، عقب حرب الحوثيين على عدن.
ويضيف قاسم أن فشل المشاريع الحكومية لتوفير المياه، اضطر المواطنين إلى شراء "البُوَز" و"الوايتات"، التي يتراوح سعرها ما بين 20 و30 ألف ريال، بينما أقل أسرة تحتاج إلى بوزتين كل شهر على الأقل، في ظل ظروف معيشية صعبة.
حرمان من المشاريع
مازن الهندي، من ساكني حي الطويلة بعدن، يقول إن الناس هنا في مناطق عدن القديمة "على قد حالهم"، وإذا اشترى أحدهم ألف لتر من المياه يستهلكه خلال يومين فقط، في ظل حر المدينة الشديد، وعدم استلام غالبية المواطنين رواتبهم منذ شهور.
ويكشف الهندي لـ"النداء" أن الماء قد يصل إلى المناطق المنخفضة من كريتر، لكن المناطق المرتفعة محرومة تمامًا من المشاريع الخدمية في مجال المياه؛ ما يضطر القادرين منهم إلى شراء الماء، لافتًا إلى وجود دعم من منظمات وفاعلي خير لتزويد تلك المناطق باحتياجاتها من المياه، غير أنه عمل خيري غير كافٍ.
نقل المياه بالحمير
نظرًا لارتفاع أحياء مدينة عدن القديمة، لا يجد الأهالي بُدًا من استعمال "الحمير" لنقل المياه إلى المناطق المرتفعة، بخاصة السكان غير القادرين على تكاليف وأسعار "الوايتات"، والذين يعملون على جلب المياه عبر تعبئة عبوات صغيرة بالماء، والصعود بها على ظهور الحمير.
وباتت الحمير في كريتر القديمة وسيلة مهمة لنقل المياه، إلى الأحياء الجبلية من المدينة، بحسب مواطنين.
تهالك الشبكة
مبررات السلطات المحلية بعدن، حول انقطاع المياه عن مرتفعات كريتر، يتحدث عنها مسؤول المنطقة الأولى بمؤسسة المياه بالمدينة، المهندس أحمد خالد، الذي يكشف لـ"النداء" عن تهالك شبكات المياه القديمة والمتواجدة منذ زمن الاحتلال البريطاني للمدينة.
ويقول إن مؤسسة المياه تعمل حاليًا على إنشاء خط جديد لكريتر عوضًا عن الخط المتهالك، مشيرًا إلى أن هناك مشكلات عديدة تعاني منها المناطق المرتفعة مثل انتشار المضخات (الدينمات) بشكل غير طبيعي؛ ما يضر بعملية توزيع المياه إلى بقية المناطق.
ويعتبر المهندس خالد تواجد هذه المضخات أو الدينمات "شيئًا خاطئًا"، خصوصًا أنها تتم دون الرجوع إلى مؤسسة، بالإضافة إلى مشكلات أخرى تتمثل في عملية الربط العشوائي لشبكات المياه.
ترقيعات
يعود المواطن زكي إلى الإشارة لتقاعس الجهات المسؤولة عن المياه، وعدم قدرتها على توفير مشاريع مستدامة واستراتيجية، بخاصة وأن المياه قطاع حيوي وضروري بالنسبة للناس.
ويصف ما تقوم به المؤسسة المحلية للمياه بعدن، بأنه مجرد "ترقيعات" لا ترتقي إلى حجم المشكلة التي تعاني منها عدن برمتها، وليس فقط المناطق المرتفعة من كريتر.