صنعاء 19C امطار خفيفة

"زوربا" الصحافة اليمنية يقرر الرحيل!(2-2)

نواصل السفر بشارع القيادة إلى بيتنا "الثورة" في بيت التويتي
لا بد من فاصل مناكفة مع الزرقة الذي أصبح برغم كل شيء في ما بعد جزءًا منا، لا نرتاح سوى بفواصل من حكاياته وأقاصيصه!
لا بد من اتصال يومي من أستاذنا، أبينا الذي احتضن خوفنا وأفراحنا وهواجسنا، يسألني الأستاذ يحيى العرشي:
المساح موجود؟
أقول:
نعم
تعال معه
وأذهب، فيسمع منك كل ما تريد قوله
أسئلة:
ماذا تريد من المساح الآن يا أستاذ؟
يرد ضاحكًا:
كل ما في رأسه
ومن تلك اللحظة سجل الأستاذ أن المساح محسوب عليه، وأنا محسوب عليهما الاثنين، وعندما كان يجري أي تقييم في أية جهة أحسب أنا فورًا على المساح، والمساح على صاحبه، وفي النهاية حُسبنا الاثنين عليه، وكان ولايزال بمستوى أن يكون أبًا روحيًا...
وأسألك في ما بعد:
من تحترم في حياتك يا مساح؟
فترد بدون تردد:
اثنين:
النعمان الابن
يحيى العرشي
بما يتعلق بالنعمان، أتذكر أنني كنت أسير معك في الشارع القصير الذي يربط شارع القصر الجمهوري بشارع جمال، فجأة تقف سيارة تويوتا لاند كروزر، يُفتح بابها، "تزرُق" إلى الداخل كما تقولها.. وتذهب السيارة وأنا أواصل سيري، يومها كنت ما أزال أتحسس أقدامي، أدري أنها سيارة النعمان الابن العظيم، لكنني كنت أتهيب أن أقترب...
عند مستودع الشرق الأوسط تلحقني، أسألك:
كيف؟
دخلت مع الرجال، وفي الداخل الأستاذ الكبير أول ما يراني يصيح:
ليش تجيب معك هذا الشيوعي؟
يضحك الابن ويجرني جانبًا:
خذ واذهب اشتري بدلة وكرافتة وجزمة وارجع أعلمك السياسة... وأعود أسألك:
بتشتري؟
ما لك وما له امشي باروح أرسل مصروف لأمي والباقي لنا
وتتكرر الحكاية، وأنا أتهيب الاقتراب للتعرف على النعمان الابن، اقتربت منه في نادي الخريجين بالسماع لمحاضرة ألقاها هناك، وكنا معًا ومحسن الرداعي نستمع له، بعدها ذهب ولم يعد! يومها فهمت أن اليسار العسير لم يعجبه مضمونها!
يا مساح، سيفتقدك الشارع الآن، الشارع الذي ارتبطت به من يوم أن كانوا يحملونك على ظهورهم نازلين من ميدان الشهداء، على أن فريق القسم الداخلي هو المنتصر وأنا كنت شاهدًا أنك استوليت على الكأس لتحملك جماهير النادي، وتنزلوا العقبة منتصرين وأنتم المهزومون! سمعت بعدها منصور الهلالي، وهو طبيب الآن في إب، يردد ضاحكًا: من الذي يستطيع الاقتراب من المساح المُدارج*...
في باب موسى يظل زبائن العزعزي يشيرون إليك بالبنان عندما تعود للشغل في المطعم ليلًا عند عبده سيف العزعزي إن لم تخني ذاكرتي...
وفي الليالي الباردات تراك تبحث عن أقرب حصيرة تضعها على أقرب سرير من الشبك، وتنام من غير دفء، من يومها كنت توفر القروش القليلة لتشتري بها بعض الوزف والحلقة والملح، وقليلًا من الرز والدقيق، ترسلهم لأمك مع الطبل! أشهد أنك ظللت وفيًا معها إلى النهاية، وأشهد أنك قررت العودة لترعاها تاركًا قسم الصحافة عندما جاءت رسالة تخبرك بوفاة والدك الفقير جدًا إلا من الكرامة!
قلت لي ذات مساء:
قررت أن أكتب إلى الحاج فارع صاحب مقهاية فارع، تقول له فيها:
سأعود لأرى أمي
ليأتي إليك رد "البرجوازي" هكذا كنت تسميه، قال:
واصل وأنا سأصرف على أمك، ولم يكذب خبرًا حتى تخرجت..
ليلتها بكيت حتى اختلطت دموعك بمياه النيل، وحملت في أعماقك جميلاً ظللت تردده للحاج فارع على الدوام...
"""""""""""""

المُدارج: المضارب بحرفنة

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً