صنعاء 19C امطار خفيفة

نساء صغيرات تركن كرسي الدراسة ليقبعن على الكوشة

2008-05-22
نساء صغيرات تركن كرسي الدراسة ليقبعن على الكوشة
نساء صغيرات تركن كرسي الدراسة ليقبعن على الكوشة - بشرى العنسي
قالت والغصة تملأ حلقها: «كنا بنتغدى لوما أبي قال ماعبش لك دراسة قدك حق زواجه». ثم أضافت لتؤكد صدق مرارتها: «والله ما قدرت أبلع اللقمة، حسيتها حنبت في حلقي وسرت أجري للغرفة أبكي». حينها كانت المتحدثة ماتزال في الصف الخامس.
هكذا وبدون أسماء، وأعمار لا تقارب الثامنة عشرة تجمعت أولئك النساء الصغيرات حولي يحكين حلم وأد أمام أعينهن في مشاهد فرائحية مزجت بأصوات الرصاص والزغاريد القريبة إلى العويل.
بدأن يحكين كيف انتزعن من على كرسي المدرسة ليجلسن على كرسي آخر سمي «الكوشة»، حينها كن يحضرن عرس واحدة أخرى من القرية وضعت أول خطوة على الطريق التي سارت عليها كل من كانت تصفق وتدعي الفرح في تلك الغرفة المليئة بالأطفال والجالسات أمام طفولة أخرى شاحبة.
الزواج المبكر والأمية
في مدارس قريتي «عنس» الصفوف العليا لا تعرف الفتيات؛ فهن قبعن وفي وقت مبكر في منازل سميت بيت الزوجية، تاركات المجال مفتوحاً للأولاد فقط ومخلفات وراءهن كراسي تجلس عليها الريح.
يشير تقرير التنمية البشرية لعام 2005 إلى أن نسبة الأمية بين البالغين في اليمن بلغت 49٪_، فيما يشير تقرير مؤشرات التنمية الألفية أن نسبة الأمية بين الشباب في الفئة العمرية 15-24 سنة قد بلغت 32.2٪_ فيما تبلغ نسبة الأمية بين النساء 67٪_.
الإحصائيات توضح ضعف معدل الالتحاق بالتعليم الأساسي إذ بلغت 59.5٪_، أي أن 40.5 من الأولاد والبنات في عمر التعليم الأساسي لم يلتحقوا بالمدارس مما يكرس الأمية، إضافة إلي التفاوت الكبير في نسب التحاق الأولاد والبنات بالتعليم الأساس إذ تبلغ هذه النسب 39٪_ للأولاد، 61٪_ للبنات، بحسب المسح التربوي الدوري 2004- 2005.
من جانب آخر فإن 24.9٪_ من الأولاد والبنات الملتحقين بالتعليم الأساسي يتسربون من الدراسة قبل إكمال الصف الخامس وتصل هذه النسبة إلى 64.9٪_ بين الفتيات.
الدراسات والبحوث أرجعت السبب في تفشي الأمية وتدني نسب الالتحاق بالتعليم وأرتفاع نسبة التسرب من المدارس، إلى الزواج المبكر حيث تؤكد الإحصائيات في اليمن أن 24٪_ من الفتيات يتم تزويجهن بين 15- 19 سنة؛ مما يؤدي إلى تسرب ما لايقل عن 47٪_ منهن من التعليم.
«إتفاقية حقوق الطفل تعرف الزواج على أنه الذي يتم قبل بلوغ العروس أو العريس سن 18 عاماً وهو ما يحصل في اليمن حيث تجبر القيم الاجتماعية المحافظة والفقر الفتيات على الزواج وتحمل مسؤولية الأمومة قبل ال18». الفقرة السابقة وردت ضمن تقرير نشره موقع شبكة الأنباء الانسانية (إيرين) الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تحت عنوان «الزواج المبكر يعيق تقدم البلاد».
التقرير أشار إلى علاقة الزواج المبكر بارتفاع نسبة الأمية بين الإناث إضافة إلى ارتفاع حالات الطلاق بين الأزواج الصغار وارتفاع نسبة العنف المنزلي، واصفاً ذلك (الزواج المبكر) كأحد الأسباب التي تعيق تقدم اليمن حيث ساهم في تدني ترتيب اليمن في قائمة تقرير التنمية البشرية من مرتبة 148عام 2000 إلى 150 عام 2007.
الدكتورة حسينة القادري، مديرة مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي والتنمية بجامعة صنعاء قالت لـ«إيرين» إن الزواج المبكر هو السبب الرئيسي في انعدام التعليم بين الفتيات فمن المتوقع أن ينقطعن عن المدرسة ويتفرغن لأنشطة الأمومة حال تزوجهن.
كما هو معروف فإن الأمية أحد أهم أسباب الجهل، الذي ينعكس بدوره على سلوك الإنسان وتصرفاته، ويرتبط بتدني المستوى الصحي والاجتماعي والاقتصادي للفرد والاسرة ومن ثم المجتمع؛ ولذلك شكل التعليم على مر الأزمان قيمة معنوية ومادية في حياة الانسان والامم، كما أن التعليم تنمية فهو يوجد الفرص للناس، ويقلل وطأة العبء المزدوج من الفقر والمرض ويعطي صوتاً أقوى للمجتمع. لذلك اعتبر الباحثون والعلماء التعليم حاجة إنسانية أساسية، وأدرج ضمن الأهداف الألفية للتنمية للوصول لنسبة الالتحاق بالمدارس إلى 100٪_ للجنسين بحلول 2015.
أزمة تحتاج إلى حل
أمية الأم ليست هي فقط الناتج السلبي الأوحد جراء الزواج المبكر؛ فإلى جانبه يأتي حرمان البنات من تعلم مهارات حياتيه مما يحد من مهاراتها ومن اكتساب الخبرة المناسبة في تحسين الأوضاع الصحية لها ولأسرتها، إضافة إلى حرمان الأم من متابعة تعليم أبنائها وبناتها ومساعدتهم في الدراسة مما ينعكس على سوء تحصيلهم العلمي وبالتالي تتوارث الأمية من الأم إلى الأطفال.
فوق كل هذا وذاك توجد علاقة عكسية بين مستوى تعليم المرأة ومعدل الخصوبة وذلك لعدم معرفة الأم الأمية بوسائل تنظيم الأسرة حيث تقدر نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة بين الأميات ب 19.3٪_ مقارنة ب44.7٪_ بين المتعلمات، ومن جهة أخرى فإن زيادة نسبة الخصوبة بين الأمهات يؤدي إلى عدد أكبر من الأطفال مما يزيد من المضاعفات الصحية للأم والطفل ويكرس مشكلة الفقر.
ما سبق يدعو إلى وقفة جادة وحل لمشكلة أثبتت خطرها على المجتمع ككل. فكيف ستتقدم اليمن بمجتمع تركت فيه النساء التعليم واتجهن إلى الإنجاب فقط تاركات التنمية تسير بعجلة واحدة.

إقرأ أيضاً