«السمسرة» موطن من يُغضب الشيخ.. إزدهار السجون الخاصة في إب
- إبراهيم البعداني
ماتزال السجون الخاصة تزدهر في محافظ إب، و تنافس السجون القانونية بقوة.
في مديرية القفر -50 كم ش/ غ محافظة إب- يوجد سجن خاص يتبع الأمين العام للمجلس المحلي. توارثته المملكة المتوكلية عن الأتراك، وأصبح سجن «رحاب القفر» السجن الرسمي لدولة الامام يحيى ومن بعده ابنه أحمد.
والآن بعد مضي أكثر من أربعين عاماً على الثورة، لا يزال سجن رحاب المسمى «بالسمسرة» قابعاً في مكانه يحتضن ضحاياه المخالفين والخارجين عن سلطة الشيخ.
الأسبوع الماضي أثيرت قضية السجن الخاص في منطقة رحاب (مركز مديرية القفر) من قبل محمد غالب الصهباني 50 عاماً أحد المغتربين الذين وقعوا ضحية شيخ المنطقة أمين عام مجلسها المحلي حمود نعمان البرح -نجل عضو مجلس النواب في رحاب.
أنشأ الصهباني منذ سنوات مصنعاً لقص الأحجار (منشار حجر) فضلاً عن فتح ثلاث محلات تجارية في سوق رحاب. بدأ الرجل حياته العملية بشكل طبيعي. وبعد مرور سنوات من العمل والكد في المنطقة؛ بدأت المنغصات، عندما اختلف مع أحد جيرانه قبل نصف شهر.
توجه الصهباني إلى أمن المنطقة لتقديم بلاغ ضد خصمه. وفي اليوم التالي تم استدعاء الصهباني من قبل أمين عام المجلس المحلي، وحين وصل، وجهت له تهمة الخروج عن قانون الشيخ! وتقديمه شكوى إلى جهة غير رسمية لا تخضع للشيخ. فالكل هنا يحتكم لسلطته وسجن السمسرة خاص به.
أمر الشيخ رجاله بسجن الصهباني، وإغلاق منشار الأحجار والمحلات التابعة له. تمكن الصهباني من إرسال بلاغ عبر الهاتف إلى مكتب منظمة هود بإب بخصوص احتجازه.
بعد التواصل مع الجهات الرسمية بالمحافظة، أمر الشيخ بإطلاق سراح الصهباني بعد مرور 8 ساعات من لحظة احتجازه.
صباح الاحد 30 مارس توجهت «النداء» إلى مديرية القفر بصحبة فريق من منظمة هود وعضو نيابة القفر والمخادر عبدالوهاب الوائلي، والضحية محمد غالب الصهباني.
وصلنا رحاب الساعة ال11 ظهراً وفوراً توجهنا إلى «السمسرة». السجن الخاص بالشيخ وهناك وجدنا أحد الحراس يحمل بندقية وعند إقترابنا من بوابة السجن نهض الحارس وسأل «أيش معاكم؟ من تدورو؟». رد عليه عضو النيابة: «هذا هو السجن». «أيوه السجن.. السجن حق الشيخ حمود.. من أنتم؟». في هذه الأثناء تسللت إلى داخل السجن. شاهدت غرفة صغيرة داخل حوش ضيق. الغرفة عبارة عن إسطبل قديم، تنبعث منه روائح كريهة.. السجن مظلم وموحش وتوجد حفرة عميقة وسط الغرفة مغطاه بكرتون، حين فتحتها انبعثت منها روائح منفرة، اتضح لي أنها حمام نزلاء السجن.
ساعتها كان عضو نيابة القفر يقوم بكتابة محضر المعاينة. وبعد دقائق كان الشيخ حمود البرح برفقة أكثر من 15 مسلح بجورانا. وأول ما قام به طرد الصهباني: «أخرج أطلع برع، أيش جابك برع».
سأل عن هويتنا، وسبب مجيئنا إلى هنا. أخبرناه أننا من النيابة ومعنا فريق من «هود».
ومن منظمة هود:؟ نظر الشيخ إلى عضو النيابة وقال: «لا تصدقوش هود الكذابين هؤلاء يهود...» المحامي علي السنحاني- سكرتير منظمة هود بإب رد عليه قائلاً: «كنت سأصدقك لو جئت بمفردك.. لكن ومعك كل هؤلاء المسلحين وطردك للصهباني أمام عضو النيابة. قاطعه البرح: «لو كنت عايش بالقفر لعملت أكثر مني».
تواصل الحوار بيننا والشيخ بخصوص عدم قانونية السجن الخاص إلى أن قال البرح: «أنا الدولة هنا وهذا سجن قديم من زمان».
حين سألته عن سبب حجزه للصهباني، بدأ يعدد لي سلبيات الصهباني ابتداءً بكونه يعمل للخارج ويستلم أموالاً مشبوهة.. ومحتال.. ليضيف أحد مرافقيه: «بصراحة أحنا ما نقبلش أي واحد ملتحي بيننا».
وعندما أشرنا لزملائه و أن معظمهم ملتحين، رد: «هذه لحي صادقة مش مثل حق الصهباني».
قبل انصرافنا، طلبنا من الشيخ معرفة سبب إغلاقه لمنشار الأحجار الخاص بالصهباني ومحلاته التجارية. فاعترف أنه فعل ذلك وأضاف: «سوف أحبسه في سجن أخس (أشد) من هذا». وهنا نتساءل عن وجود سجون أخرى لا نعلم عنها شيئاً.. الغريب أنه حين طلب عضو النيابة من الشيخ التوقيع على المحضر لم يرفض، أخذ القلم ووقع على المحضر.
ساعتها توجهنا إلى إدارة أمن المديرية، كان مدير الأمن غائباً. ولا غرابة من ذلك فالأمن لا يستقبل أحداً؛ كون الشيخ هو القائم بالأعمال. وحسب تصريح مدير الأمن، فإن الصهباني هو أول شخص جاء يشتكي للأمن!
عندما طلب عضو النيابة من الضابط المناوب فتح محلات الصهباني في حالة عدم وجود سبب قانوني، تم الاتفاق على خروج لجنة من الأمن لمعاينة المحلات وفتحها بموجب محضر موثق. وفعلاً فتحت المحلات يوم الجمعة الماضية، إلا أن الشيخ عاد مرة أخرى وأغلقها بأقفال كبيرة.
قبل خروجنا من منطقة رحاب، استوقفنا بعض المواطنين الذين أخبرونا بأننا أول ناس جاءوا يكشفوا سجن الشيخ. قال أحدهم: أنا أشكركم على مجيئكم من أجل تعرفوا كم في ظلم هنا». وأضاف: أنه كان أحد ضحايا الشيخ. أخبرنا أن في السجن ثعباناً كبيراً. لكنه رفض الحضور إلى النيابة للإدلاء بشهادته. وتوسل إلينا أن لا نخبر أحداً، وأن نعتبر أننا لم نقابله أو نسمع منه شيئاً.
***
أمن أب أعتدي عليه ووضعوه في السجن لرفضه دفع الرشوة
حلمي.. نموذج مرفوض
قبل أسبعين كان حلمي عبده ثابت 20 عاماً يقود سيارته في مفرق جبلة محافظة إب عائداً إلى منزله، غير أنه لم يصل إلى منزلة؛ لقد أعترضه رجل مرور وضابط في الأمن المركزي، وطلب منه أوراقه.
أخرج حلمي من جيبه محفضه صغيرة بها الأوراق: رخصة قيادة، بطاقة شخصية، أوراق ملكية، لكنهم أصروا على رؤية كرت السيارة.
حاول حلمي البحث عن الكرت في محفظة وفي ادراج السيارة، دون جدوى.
لحظتها انتهز الضابطين الفرصة وطلبوا منه التحرك إلى إدارة مرور المحافظة، وصعدوا إلى السيارة.
فشلت كل محاولات حلمي لإقناعهم ومرافقته إلى بيته لإحضار الكرت أو تسديدهم قيمة قسيمة المخالفة دون الذهاب إلي الإدارة.
في شارع العدين وعلى بعد 300 متر تقريباً طلب الجنود من حلمي التوقف؛ وأبلغوه بأنهم مستعدون للتفاهم معه، رأفة به من إدخاله حوش المرور، "داخل في سين وجيم وطلعه ونزله.. أدي حق القات ورحلكـ" بهذا أوصل الجنود غايتهم لحلمي.
حينها قال لهم حلمي مش الحسن نذهب إلى البيت أدي لكم الكرت البيت قريب من ها وعندما لاحظ أنهم مصرين على طلبهم طلع من جيبه إلف ريال وأعطاهم إياه.
> ايش هذا (ألف؟) حي ايش إحنا ثلاثة؟
- طيب أنا مامعيش إلا هذا المبلغ.
محاولات حلمي إقناع الجنود بعدم أمتلكه غير الإلف،قوبلت برفض وإصرارهم على اخذ ثلاثة إلف.
بعد لحظات قام احد الجنود بتوجيه ضربة في وجه حلمي.وسبه,الأخر مسكه برقبته لمنعه من النزول من السيارة,وضربه بمؤخرة المسدس على رأسه حتى سالت الدماء من رأسه.
نزل حلمي من السيارة والدماء تسيل من رأسه وأنفه ورقبته يركضاً نحو المستشفى لإسعاف نفسه لكن الجنود لحقوه وأمسكوه ورميه أعلى الأرض وقاموا بضربه متتابعة بعقاب البندقية في الظهر والبطن.
وإثناء الاعتداء على حلمي تجمع الناس،لكن لم يتجرا احد الأقتراب بعد أن هددهم الجنود بإطلاق النار إن حاولوا الاقتراب: «روحوا لكم محد يدخل.. خلونا نأدب هذا إبن الكلب ال(...)»
ثم أخذوه إلى إدارة المرور. وعند وصلوا وعندما أدخلوه إلى غرفة الضابط المناوب: «يا فندم هذا مخالف -عاكس خط.. سب الدولة والمرور... إلخ». بدأوا يلفقون له التهم.
«رموني داخل الحجز وما رضوش يسعفوني» يقول حلمي، وبعد نصف ساعة دخل الضابط المناوب برتبة نقيب، طلب مني أغسل وجهي، لكني رفضت. فغضب وقال لي: شوف تغسل وجهك بأدب وإلا والله لاستخدم معك أسلوب ثاني.. والله لأهين كرامتك.. وانصرف.وجلست داخل الحجز أكثر من ثلاث ساعات.
حلمي وهو يتحدث لـ«النداء». بصعوبة واضعاً يده على رقبته من شدة الألم,قال طلبت منهم نقلي إلى المستشفى كنت أتألم ورأسي ينزف بشكل كبير.
« منير ثابت 35 عاماً تحدث لـ«النداء»عن مأساته ابن أخيه مع مرور إب قائلاً: تلقيت اتصالاً من أحد الأشخاص يخبرني أن المرور أخذ حلمي إلى الادارة. لم أكن أعلم أنهم اعتدو عليه ووصلت إلى أمام بوابة الادارة وطلبت من حراسة البوابة الدخول لكنه رفض بحجة أن الدوام قد انتهى فأخبرته بأن سيارة ابن أخي محجوزة عندهم.. بعدها ذهب الحارس إلى الضابط المناوب يستأذن لي بالدخول. فعاد إليَّ وقال: الفندم يقلك ارجع بعد ساعة.
عندها اتصلت بأحد معارفي يعمل ضابطاً في الداخلية للتوسط لي عند الضابط المناوب بالدخول وبعد خمس دقائق أستدعاني الضابط المناوب، ودخلت إلى مكتبه وقبل أن أدخل المكتب أستقبلني ثلاثة جنود اثنين مرور وواحد أمن مركزي وبدأ الثلاثة بصوت واحد يشتكو حلمي: «شوف صاحبك هذا مخالف سب الدولة وهان البدلة العسكرية (البزة) مد يده علينا.. الخ»..
واضاف منير بعد دقائق أطل حلمي إلى غرفة الضابط المناوب بجسمه النحيل ملطخاً بالدماء وعند دخوله والله ما عرفته كان كله دم انظرت إلى الضابط وقلت له أنت متأكد أن هذا أبن أخي.. أنت متأكد أن حلمي ضرب حقك العسكر».
في هذه الأثناء عرفت أن الجنود قد تورطوا من خلال الاعتداء على ابن أخيه من خلال قيامهم بسبه أمامه وتوعدهم له بالانتقام خارج الادارة.. واتهمامهم له بأنه اعتدى عليهم.
فطلبت من الضابط بأخذ حلمي لأسعفه إلى المستشفى وقلت له مش كان يفترض عليك أن تقوم بإسعافه بدلاً من إدخاله الحجز.
وأضاف منير عند سماعهم النيابة جن جنونهم,قائلين عد فيها نيابة يا أخ منير عاد الحجة علينا إبن أخوك هو الذي أعتدى علينا وسبنا وبهذل بنا وبالبدلة العسكرية (البزة) أبداً القانون لازم يأخذ مجراه.. بالله يا حلمي هات أيدك.. يا رجال حرام عليك إحنا تنازلنا عن حقنا وأنت تشتي نيابة والله ما تخرج إلا وقد قبلت الصلح.
وقال منير وجدت من كلامه أنه لا فائدة معهم، فقلت لهم أسعف إبن أخي وبعدين نتفاهم، إلا أنهم رفضوا إخراجه إلا بضمانة حضورية. اتصل حلمي بأحد معارفه الذي وصل إلى إدارة المرور وقام بضمانة حلمي وصل إلى مستشفى الثورة ومعي حلمي،ويلقى العلاج،وطلبت من الطبيب تقريراً طبياً عن حالة حلمي.
وابعد أن اطلعت على التقرير، عرفت أن حلمي مصاب بجرح بطول 5 سم وعمق 2ونصف سم، إلا أن إدارة المستشفى رفضت تسليمي صورة من التقرير. توجهت إلى قسم الشرطة لتحرير بلاغ ضد الجنود المعتدين إلا أنهم رفضوا بحجة أنهم ليسوا جهة أختصاص فتوجهت إلى إدارة الأمن العام بدورهم طلبوا مني العودة إلى المرور بحجة أن هناك شخص منتظرلي هناك سوف يصلح بيننا.
«السمسرة» موطن من يُغضب الشيخ.. إزدهار السجون الخاصة في إب
2008-04-03