خمسة وعشرون عاماً ومحل محمد عبدالله عثمان يعقد صداقة حميمة مع الدجاج. صحيح أنها تنتهي بحد السكين، لكنها تظل حتى بعد سفك الدماء كقربان لها بما يعود على محمد من رزق.
في الآونة الأخيرة أواصر تلك الصداقة بدأت تتقطع وبدون سكين ومنفعة أيضاً، فالزكام (إنفلونزا الطيور) أبى إلا أن يقف بغيرة أمامهم.
محمد عثمان غدا يكره الإعلام مع الإنفلونزا لأنهما ذهبا بلقمة عيشه لتتكرر عليه فاجعة الشتاء «الزبائن قلوا، الذي كانوا يجروا دجاج قدهم يجرو الحم».
من مائة وعشرين دجاجة تعود محمد على بيعها في الأيام العادية، أصبح لا يذبح سوى60 فقط في اليوم الواحد وخاصة بعد عودة إنفلونزا الطيور وظهورها أيضاً في السعودية وهو الأمر الذي زاد مخاوف الناس وتأجج المواد الاعلامية.
إضافة إلى بيع الدجاج يقوم المحل بتوزيع الدجاج الى محلات أخرى لكن نسبة التوزيع كذلك قلت «اكثرهم قدهم يبطلوا، ما حد عاد يشتي يبيع دجاج)، قال محمد.
ارتفاع أسعار علف الدواجن تضامن مع المشكلات السابقة ليقصم ظهر محمد وغيره ممن يعتاشون على الدجاج.
رعب الدجاج
العام الماضي وفي مثل هذه الأيام تقريباً وبعيداً عن الرعب العالمي من إنفلونزا الطيور، عاش اليمنيون رعبهم الخاص، معلنين أن الدجاجة هي عدوهم اللدود في حين وثقوا علاقتهم بالسمك واللحم الغنمي والبقري.
في شتاء السنة الماضية وفي كل مرة كانت تموت فيها دجاجة، كان الناس هنا يموتون مئات المرات، وتتوالى بلاغاتهم لغرفة عمليات إنفلونزا الطيور مبلغين فيها عن وجود المرض الذي كانت تكشف التحاليل عكسه.
الآن عاود فوبيا الدجاج من جديد وفي نفس التوقيت، فبعدما أعلنت السعودية إكتشاف بؤر للمرض في أراضيها؛ أعلنت لدى عامة اليمنيين قبل المسؤولين حالة الطوارئ وعادوا لمقاطعة الدجاج من جديد وعادت كذلك البلاغات بنقوقها في عدد من المناطق اليمنية.
د. غالب الإرياني مدير الإدارة العامة للثروة الحيوانية قال لـ«النداء» إن موسم الشتاء وهجرة الطيور هو ما يزيد الخوف من احتمالية انتقال المرض، خاصة أن اليمن محطة لتلك الطيور.
على الله
حكومتنا لم تعتبر على ما يبدو مما حدث سابقاً بدليل أنها لم تضعه حلقة في إذنها والواقع هو الذي يقول ذلك وليس نحن. في الخطة الوطنية لانفلونزا الطيور التي ساعدت وكالة التنمية الدولية في إعدادها العام الماضي، أوردت عدداً من نقاط الضعف تمحورت في 12 نقطة شملت:شحة الميزانية، عدم وجود مراكز للترصد ومختبرات بيطرية في كل المحافظات، عدم وجود مسالخ للدواجن سوى اثنين في ذمار، وجود أسواق متنقلة للدجاج، وغيرها من العيوب التي أوردت حينها وما زالت حتى الآن كما هي نقاط ضعف ونقاط سوداء في صحائف الحكومة لأنها تمشي على البركة ومبدأ يحلها الله.
بعض محافظات الجمهورية ما زالت تفتقر إلى مراكز الترصد، الميزانية أيضاً شحيحة كما هي، حتى ال50 مليون التي رصدت من مجلس الوزراء من أجل الإجراءات الاحترازية لم تصرف حتى الآن، فرق الترصد والأطباء الذين ينزلون لأخذ العينات من المناطق ما زالوا يشكون من عدم صرف مستحقاتهم.
الارياني من خلال حديثه لـ«النداء» شكا من قلة الامكانيات التي تنعكس في عدم صرف مستحقات الاطباء البيطريين؛ ما زاد من سخطهم، خاصة أنهم يقومون بعمل مهم وخطير في نفسه الوقت وأكد الإرياني على ضرورة التفات الحكومة لذلك الكادر الذي وصفه بـ«المهمش».
الاطباء البيطريون عندنا لا يصلون إلى 200 طبيب، والعاملون مع الحكومة أقل من المائة، ومع هذا فهم مهملون إلى جانب عدم صرف بدل عدوى، والمستحقات الأخرى هم أيضاً يواجهون الموت المحتمل وجهاً لوجه بدون أي أدوات وقاية.
وزارة الصحة استوردت العام الماضي عدداً من الكمامات وأدوات الوقاية، أعطت إدارة الثروة الحيوانية قليلاً منها في حين لم تتخذ وزارة الزراعة أي خطوة في هذا الجانب ولم تستور كمية كافية تحفظ للعاملين سلامتهم في حال ظهور المرض.
أسواق الدجاج مفتوحة على مصراعيها وبطرق عشوائية داخل العاصمة بالذات مما قد يشكل كارثة في حال وقوع الفأس بالرأس.
صحيح أن اليمن مازالت خالية من المرض، وأن مزارع الدجاج تتمركز 95٪ في المناطق المرتفعة، وأن أغلب مزارع الدواجن بعيدة عن السواحل محل تمركز الطيور المهاجرة وغيرها من نقاط القوة التي وردت في الخطة الوطنية للمرض، لكن ذلك لا يعني الركون على الجهات والمنظمات الخارجية فقط.
منظمة «الفاو» ساعدت في تجهيز المختبر البيطري وتدريب الكوادر وتوفير المحاليل كما ساعدت وكالة التنمية الدولية في وضع الخطة الوطنية. وحالياً رصد البنك الدول مليون دولار لمواجهة المرض، لكنها لم تعتمد حتى الآن، حسب الارياني.
خسارة قطاع الدواجن
التجارة كما، يقولون، ربح وخسارة، لكن خسارة المستثمرين في قطاع الدواجن كصاعقة نزلت عليهم، فأوصلت قلوبهم إلى الحناجر. وخسائر العام الماضي ليست ببعيدة ليدور الدولاب مرة أخرى ويقف عند النقطة نفسها.
في الاجتماع الذي عقد الاحد الماضي وضم التجار والمستثمرين بقطاع الدواجن مع رئيس الوزراء بث المستثمرون خوفهم وقلقهم لـ«مجور» من جراء تعرضهم للخسارات وخاصة مع ارتفاع سعر الأعلاف، وكذلك خوف التجار من الإعلام الذي ساعد في بث الهلع الناس وابتعادهم عن شراء الدجاج. وبحسب مدير ادارة الثرورة الحيوانية فقد وجه رئيس الوزراء بتشكيل فريق من وزارتي الزراعة، والصناعة والتجارة لدراسة القطاع وكيفية مساعدته.
ستة آلاف أسرة تقريباً تقتات من الاستثمار في قطاع الدواجن. وفي تقرير عن الاثر الاقتصادي المتوقع في ذلك القطاع من جراء جائحة انفلونزا الطيور في اليمن أعد من قبل إدارة الثروة الحيوانية، فإن إجمالي الخسائر المتوقعة في اليوم قدرت ب5.318.839 دولاراً، والشهرية ب 159.541.170 دولاراً، في حين قدرت الخسائر المتوقعة خلال عام بمليون دولار.
boshrasalehaliMail