صنعاء 19C امطار خفيفة

تمكين المرأة وجودياً

2007-10-25
تمكين المرأة وجودياً
تمكين المرأة وجودياً - محمد ناجي احمد
للعمل أن من المؤشرات الأساسية في ترسيخ مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه هي أن تتحول المرأة الى شريك أساسي في كل تجليات العمل اليومي سواء في الاحزاب أو السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، وإذا كان تقليص المرأة في مختلف السلطات ينعكس كذلك على إقصائها اجتماعياً لتتحول بعد ذلك المكونات الاجتماعية بأنماطها وعلاقاتها البدوية والرعوية الى مبرر لهذا الاقصاء الذي يطال المرأة ويسلبها حقوقها المنقوصة.
إن الأنماط والعلاقات الرعوية والبدوية قد أفرزت رؤية عنصرية للمرأة تبدأ من تشبيهها بالحشرات والطيور وأنواع الماشية (إبل، خيول، غنم) وصولاً إلى وأدها جسدياً خشية الفقر (الإملاق) وفي كل الأحوال كان العربي والاعرابي بسكان الحضر والوبر- لا يستطيع أن يشاهد المرأة ككيان مستقل موجود بذاته ولذاته وإنما هي كما تخبرنا كتب «الفروق» ككتاب قطرب تلميذ سيبوبه وكما هو في الجهد الذي بذله «خليل عبدالكريم» في كتابه «المرأة واللغة - دراسة في الأسطر المخيم» وإن كان لم يذكرلنا جهد كتب الفروق في مقارنة أعضاء الانسان بالحيوان والطبيعة المحيطة به-المهم أن نظرة الاعرابي والعربي للمرأة لا تتجاوز نظرته ورؤيته للماشية وكلما كانت مكتنزة في جزئها العلوي والسفلي كلما كان احتفاؤه بها اكثر وكلما نشزت وتمردت كانت كالإبل الشاردة ويجب عليه أن يروضها ابتداءً بالملاطفة ثم الضرب الخفيف على الارداف تماماً كما يصنع الاعرابي مع خيوله الجامحة وهو ما التفت اليه «خليل عبدالكريم» في كتابه «المرأة واللغة».
يكثر الحديث عن المرأة باعتبارها أُماً وأُختاً وزوجة وأنها نصف المجتمع ولكن بالمقابل لا يتم الحديث عن «الذكر» كأخ وابن وأب ونصف للمجتمع، فاللغة بقدرما تعبر عن المضمر والصريح في تفكيرنا وانماط حياتنا وعلاقاتنا المختلفة هي كذلك منتجة للأنماط والعلاقات، فلا يحتاج «الذكر» للتعريف فهو معروف وتعريفه سيؤدي الى تنكيره فهو الاصل الذي تفرعت من ضلعه الأنثى وهو كل المجتمع الذي انبثقت من أجله وخدمته الأم والأخت والإبنة والزوجة.
كثيراً ما يتم ترديد هذا التعريف للمرأة في سياق الدفاع عنها سواء في الصحف أو الدراما التلفزيونية أو الخطب السياسية. ويتم دغدغة الأنثى بمثل هذا التعريف الذي يتنقص من وجودها سلفاً ويصادر كينونتها من حيث يدّعي الدفاع عن حقها في الوجود!!ولعل هذا التعريف يتكرر لدى البعض على حين غفلة وما ترسب في أذهانهم عن طريق الأسرة والمدرسة والإعلام وغيرها من مؤسسات التنشئة بما فيها الأحزاب.
 في هذا التعريف أنه يحدد أهمية المرأة بإلحاقها بالرجل، فالعبقرية رديفة للذكورة من حيث أن التميز في الذكاء والعبقرية لدى المرأة فعل مكتسب، تحاول المرأة من خلاله كما يدعي الذكور أن تتشبه بهم.
أتذكر مقالة للكاتب «نبيل الصوفي» عن المرأة كتبها قبل أشهر وقد ابتدأها «إضاءة» للأستاذ ياسين عبدالعزيز، كاتب العتبة التي أرادها «الكاتب» إضاءة لموضوعه وربما جواز مرور لمخاطبة قارئ معين موجود في ذهنه، ويريد أن يحرره من نظرته السلفية تجاه المرأة وقد أبدع في سجاله وتوضيحاته حين ربط الشبق الذكوري لدى البعض بطبيعتهم المنحرفة وليس بلباس المرأة وسفورها أو حجابها، فالمرأة لو وضعت لمثل هذا «الذكر» في كيس «جونية» للكاتب اكثر إثارة لمثل هذه النفسية، فالحل لدى الكاتب يبدأ بمخاطبة القوم بلغتهم ولو بتأويل خطابهم بطريقة لا تحتملها لغتهم القريبة من رغبات الاعرابي، لا شك أن الطريقة التربوية التي سار فيها الكاتب ذات جدوى للوصول الى حرية المرأة في لبسها وخروجها وشراكتها في الحياة، الا أن الكاتب وهو يصل الى هذه النتيجة لم يكن قد تحرر من المضمر في أذهاننا تجاه المرأة التي لا يتم التعريف بها الا بكونها أُماً وأُختاً وزوجة وابنة، فمحاولة الكاتب تحريك الخطاب الذكوري عبر التأويل بدأت بمقدمة ذكورية لتنتهي بمعالجتها أخلاقياً وهو مدخل تربوي مهم لكنه لا يفي المرأة حقها والذي يحتاج الى تحريك سياسي وثقافي واجتماعي أي اشراكها في مجالات الحياة من خلال الدستور والقوانين، فالمهمشون والمرأة منهم بحاجة الى من يزحزح العقاب والموانع التي تعمل على تعويقها ودحرها تجاه بيت الأب والزوج والقبر. وهنا فعلت النساء وفي مقدمتهن نساء «الشقائق» حين أنتقلن الى الملعب الاعلامي والسياسي للمطالبة بتخصيص الاعلامي والسياسي للمطالبة بتخصيص «كوته» بنسبة لا تقل عن 30٪_ تمثيلاً للمرأة في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كمرحلة أولى للتمكين وهو تخصيص وتحديد في رأيهن لا تخلو الساحة السياسية الذكورية منه سواء داخل الاحزاب والتي تعمل على تمثيل ذكور المحافظات التي ليس لها تواجد فيها عبر تمثيلها في المستويات القيادية أو من خلال تخصيص وتوزيع الوزارات والمحافظين والنواب والقضاة بناء على محاصصة مناطقية ومذهبية وهي محاصصة ظاهرة على السطح وإن لم يعلن عنها على الملأ.
إن استلاب القوى الحداثية وخاصة اليسار لن يساعد على وجود حياة سياسية صحية بل العكس سوف يجعلنا نتدحرج باتجاه نفي الذات لأن الآخر شرط وجودها وعلينا أن نحافظ عليه لا أن نميزه باعتباره «غريب»، والمرأة هي جزء أساسي من هذا الغريب الذي ينبغي دمجه في الحياة.
 لقد كان «مقالة» الكاتبة «وميض شاكر» عن نظام «الكوته» في صحيفة «النداء» متَّسماً بالفاعلية وبقدرة على معالجة وتوضيح نظام «الكوته» وبلغة بعيدة عن الإبهام ومتحررة من الذاكرة الايديولوجية واليقينيات حتى «الكوته» لا تشكل لها يقينية وثابتاً نسوياً وإنما هي مجرد إجراء وقتي من أجل تمكين المرأة طالما وأن هناك موقفاً عنصرياً تجاهها وهو أمر طبيعي، فالذين يتعرضون للإقصاء بسبب اللغة أو المعتقد أو اللون أو الجنس أو النوع أو الأيديولوجيا بحاجة الى مساندة دستورية وقانونية حتى يزول هذا التميز.
وفي نفس السياق النسوي لحق المرأة في التمكين لسياسي تأتي مقالة «بلقيس اللهبي» وإن كان الارتباك الذي ظهر في مقالها يعود الى نظرتها لبعض الذكور على أنهم «كبار وتستهلك معظم مقالها للخروج من «صدمة الموقف».
لم يكن رفض «أحزاب اللقاء المشترك» لنظام «الكوته» عائداً الى عدم فهمهم لمعناه أو لأن هناك موقفاً مجتمعياً سلبياً تجاه المرأة أو لأنهم ليسوا على استعداد للتفريط بمقاعدهم التي تحاصصوا عليها مع السلطة الحاكمة وفي كل الانتخابات هناك قدر من المحاصصة تأخذ اشكالاً مختلفة ومتعددة في الاتفاقات المستترة- ان رفضهم يعود الى ثقافة وموقف مضمر ومعلن ضد المرأة تفضحه اللغة كعلامة على تحيزاتهم الذكورية كخطيئة ينبغي ألاَّ تفلت.
إن تواصلنا مع التاريخ لا يتم الا مع ما يعزز من ذكوريتنا واستئثارنا وفحولتنا، فنظرة العربي والاعرابي للمرأة في شمال الجزيرة العربية هي قبلتنا ومبتغانا، فالبيئة إن تواصلنا مع التاريخ لا يتم إلا مع ما يعزز من ذكوريتنا واستئثارنا وفحولتنا، فنظرة العربي والأعرابي للمرأة في شمال الجزيرة العربية هي قبلتنا ومبتغانا، فالبيئة المجدبة والإرتزاق بحد السيف والاغارة على الآمنين في مرابعهم من نساء وأطفال وكبار في السن وعبيد هي العقلية التي نتماهى فيها أما أن ننظر الى مكانة المرأة في حضارات مصر والشام وفارس واليمن فذلك ما لايشبع غرائزنا وإنما يضطرنا الى معرفة جذور نسوية في التاريخ العربي المفارق لتاريخ «مُضر».
لهذا لا يزال ذلك الاعرابي هو قدوتنا في تعاملنا مع المرأة، نظرته ومقاييسه لجمال المرأة هي نظرتنا اليوم، لا نزال أسرى مقاييسه الاستمتاعية الذكورية، فليس من المعقول أن يكون للمرأة مقاييس جمالية تجاه الاعرابي إلا ما شذَّ في بعض الحواضر، أما السائد فهو نظرة الاعرابي للمرأة الكبيرة الاثداء والمكتنزة الورك والأرداف والضامرة البطن، وضمور البطن هنا يأتي كي يتحدد بوضوح جمال الجزء العلوي والسفلي للمرأة بحسب تعليل «خليل عبدالكريم» واعتقد أن الضمور مطلوب هنا كي يستطيع الاعرابي ملامسة الجسد الحيواني للمرأة.
في خطبته العيدية ظهر الشيخ «ناصر الشيباني» بجديده المعتمد على الحذلقة اللغوية وإن كان جذر تفكيره ليس مغايراً للثقافة الذكورية التي تحدثنا عنها سابقاً، بل إن حذلقات «الشيباني» متسقة تماماً مع ذكورية الاحزاب، فثقافة الإقصاء تقوم على استضعاف الأقلية والمغاير، الآخر الغريب لتصل في الأخير الى فحولة ذكرية واحدة ومتفردة بالأمر، فشيخ القبيلة هو فحلها الذي له من الغنيمة الربع وما يصطفيه لنفسه وما أصيب من مال قبل نشوب القتال وله الفضول أي ما لايقبل القسمة (خليل عبدالكريم 1997م وفق هذه الثقافة المتسقة مع فحولية الاحزاب ظهر الشيخ قالوا ولديه يعني «الولاء» والطاء طاعة الأمر لتحضر في الاذهان مقولة «مثلما تكونوا يولى عليكم، فحذلقة الشيباني وتسخيره للبيان البلاغي في خدمة ناصر الشيباني مجتهداً في قراءة تأويلية للفظة «وطن» ليست منبتة ومقطوعة وبعيدة عن منطق الاستحواذ الذي يمارس يومياً تجاه الفئات المهمشة.
# هامش افتراضي.. لوا افترضنا أن المعارضة التقليدية زايدت على السلطة الحاكمة بخصوص ال15٪_ لتمثيل المرأة وطالبت ب40٪_ بما يتجاوز المطلب المرحلي للنساء المتمثل ب30٪_ بمختلف السلطات معنى هذا أن حضور المرأة في مجلس النواب على سبيل المثال لن يقل تواجد المرأة فيه عن (120) امرأة، والمعارضة لا تمتلك هذا العدد من المقاعد حتى «تخسرها» علماً بأن وجود المرأة في الساحة السياسية والتشريعية والقضائية مكسب للفئات المقصية وتجسيد للحرية التي نطالب بها.
إن ممارسة السياسة بمنطق أن الآخر هو الخطيئة وما يصدر عنه من مبادرات ليس سوى مؤامرة المراد منها إقصاء ذكور الأحزاب المعارضة من مقاعدهم النيابية - ممارسة مأزومة، لأن مثل هذا التخوف برغم منحاه الذكوري يمكن تجاوزه من خلال الإتفاق على توزيع المقاعد المخصصة للنساء وكذلك من خلال الاستعداد وبكادر نسوي من الحزبيات والمستقلات لملء هذه الدوائر بقوى نسوية حداثية لا تخلو الساحة منهن.
* مراجع يمكن العودة إليها:
1 - اللغة والمرأة- خليل عبدالكريم- سينا للنشر.
2 - ثلاثة كتب في الفروق- تحقيق هاشم صالح.
3 - قريش من القبيلة الى الدولة المركزية- خليل عبدالكريم-1997.
4 - سوسيولوجيا الفن- المترجمة ليلى الموسوي، عالم المعرفة- العدد 341 يوليو 2007.
5 - الغريب والرأي الآخر- محمد ناجي احمد- الثقافية أواخر 1998، نقد الفكر الأبوي 2003.

إقرأ أيضاً