صنعاء 19C امطار خفيفة

قراءة في ذكرى اغتيال الرئيس إبراهيم بن محمد الحمدي

قراءة في ذكرى اغتيال الرئيس إبراهيم بن محمد الحمدي
الرئيس إبراهيم الحمدي
لا مراء، إن كل البينات المقدمة طيلة 47 عامًا تؤكد بالدليل القاطع عن الجريمة الشنعاء التي كان ضحيتها الرئيس الشهيد إبراهيم بن محمد الحمدي، في منزل مضيفه رئيس الأركان ونائب القائد العام أحمد حسين الغشمي، يوم 11 أكتوبر 1977م المشؤوم، في أهم مرحلة تاريخية لنهضة اليمن الجديد، تمثلت في تحرير القرار اليمني إقليميًا ودوليًا، وانتهاج سياسة التصحيح كأسلوب شامل للقضاء على الفساد، وتشجيع التعاونيات التي أثمرت إصلاحات في المدن والمحافظات والأرياف، واعتماد الخطة التنموية الخمسية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1975م، وتقليص سلطات المشايخ وتدخلهم في شؤون البلاد، وزيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة في صندوق النقد الدولي، بما يقدر في تلك الأيام بأكثر من ملياري دولار، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة، والتعامل بندية مع الدول الشقيقة والصديقة، ناهيك عن التطلع الجاد لقيام الوحدة اليمنية بين شطري اليمن بالتنسيق مع الرئيس الشهيد سالم ربيع علي، الذي استشهد بتاريخ لاحق. كل تلك الإنجازات المذكورة أوشكت أن تتوج بالوحدة اليمنية لولا الاغتيال الغادر في الربع الساعة الأخير، والذي قلب البلاد عاليها سافلها.
 
إن اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، بحق، يعد اغتيال دولة في رابعة النهار على مائدة اللئام.
في واقع الأمر، إن الشعب اليمني ليس بمنأى معرفي عن القتلة، لكنه في الغالب يصطدم بالقضاء الفاسد الذي لم يبت في القضية رغم أن الأدلة التي تم تقديمها عن الجريمة تغني عن البيان.
 
حقيقة، إن "عين الشمس لا تغطى بغربال"، فهناك من عاصروا تلك الفترة، ودوّنوا بمذكراتهم جريمة اغتيال الشهيدين الحمدي؛ الرئيس إبراهيم الحمدي، وشقيقه ورفيق دربه في النضال القائد عبدالله الحمدي، ورفاقهما من عسكريين ومدنيين.
 
الجدير بالذكر أن قناة الجزيرة قدمت عرضًا وثائقيًا موجزًا في عام 2021م، إن لم تخني الذاكرة، حول مأساة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وشقيقه القائد عبدالله الحمدي، ويستحسن المشاهدون استكمال بقية العرض.
 
إن مشهد الاغتيال ذكرني بمأساة "يوليوس قيصر"، القائد الروماني الكبير، أحد عناوين الأعمال الدرامية الرائعة للكاتب، والشاعر، والمسرحي الكبير ويليم شيكسبير، وجعلني أستحضر العبارة المشهورة للقيصر وهو في الرمق الأخير من حياته -في مبنى الكابيتول مقر الحكم في روما- جراء الطعنات النجلاء التي اخترقت جسده، قائلًا لأعز أصدقائه المتآمرين: "حتى أنت يا بروتس!".
 
وما اشبه اليوم بالبارحة، إن تراجيديا الرئيس الحمدي هي الأقسى والأمرّ، فقد أدت إلى تدمير وطن، وقادت إلى مآسٍ أخرى في يمننا الحبيب شمالًا وجنوبًا، فلم يهدأ الحال بعد هذا الاغتيال الشنيع، إنما أعقبه اغتيالات أخرى لرؤساء وقادة يمنيين ورجال فكر، امتد عنفوانها حتى قيام ثورة الشباب في عام 2011م، الذين هبوا مطالبين بالبت في قضية اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم بن محمد الحمدي، إلا أن الأمور راوحت محلها، فبدلًا من أن تكون العدالة سندًا لكشف الجريمة أمام الشعب، تحولت إلى ستار لطمس الحقيقة، صاحبها في نفس الوقت أناس امتهنوا إعلامًا مضللًا لتجهيل شعب بأكمله.
والسؤال الذي يطرح نفسه: أين العدالة؟ وأين كلمة الحق؟ فكلما لاحت الحقيقة عن الحادث الإجرامي، تم تسييسها بشتى المعاذير الباطلة، والأدلة الزائفة.
 
لا محالة، إن القتلة سيظلون حاضرين في مدونة التاريخ، وعقول وضمائر الشعب اليمني جيلًا بعد جيل، حتى تأخذ العدالة مجراها ومرساها.
وفي هذا الصدد، يستحضرني أيضًا قول الشاعر الجاهلي تأبط شرًا:
القاتل إن لم يقتل، لم
يلقِ سلاحًا أو يرحل
فلم يمضِ أقل من سبعة أشهر على جريمة الاغتيال، وإذا بالرئيس أحمد الغشمي يقتل في مكتبه. والسؤال الذي يطرح نفسه: من قتله؟ وكيف قتل؟ وجاء الرد وفقًا لسياسيين، بأنه لا يستبعد أن يكون القتلة من رفقائه مخططي جريمة "الحمدين".
وبما لا يدع مجالًا للشك، إن المسرحية التي حيكت حول مقتل الرئيس الغشمي، تعتبر حسب المفهوم الأمني استخباراتية بامتياز، فالمخططون، والمنفذون أجادوا وأحكموا الدور في مقتله.
 
صفوة القول، إنه قد حان للمحكمة النطق بالحكم لتوافر الأدلة بتفاصيل الجريمة بعد مضي قرابة خمسة عقود من الزمن، كما آن الأوان لتوثيق موضوع على قدر كبير من الأهمية، ليصار وثيقة تاريخية تتداولها الأجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها، تهيئة ليوم العقاب الإلهي.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً