صنعاء 19C امطار خفيفة

دعوة إلى جماعات الإسلام السياسي:

لتنزيه الدين من السياسة وعدم إفساد السياسة بالدين (اقتدوا بجماعة إخوان مصر)

في لحظة فارقة أعلنت فيها جماعة الإخوان المسلمين في مصر حل نفسها والانحياز الكامل لدعم الدولة المدنية، تبرز تساؤلات مُلحَّة عن مستقبل جماعات الإسلام السياسي بمختلف توجهاتها السنية والشيعية، فهل آن الأوان لهذه الجماعات أن تعيد النظر في أدوارها التاريخية، وتتخلى عن التنظيم الحزبي لصالح الاندماج في المشروع الوطني؟ التجربة المصرية تقدم درسًا واضحًا: الخلط بين الدين والسياسة يُنتج صراعاتٍ تستنزف الوطن، وتفقد الجماعات شرعيتها الشعبية.

 
فوصول الإخوان إلى السلطة عام 2012م أدخل مصر في دوامة من الاستقطاب الحاد، انتهى بانهيار حكمهم بعد عام واحد فقط، ليصبحوا عبرة لمن يعتبر.
إن فصل الدين عن السياسة ليس خيانة للهوية، بل حفاظ عليها من التشويه. فالدين رسالة سامية تعلو على الصراعات الحزبية، وتكريسه أداة للمنافسة على السلطة يفرغه من مضمونه الروحي والأخلاقي، فتاريخ جماعات الإسلام السياسي مليء بمواقفَ اتهمت فيها باستغلال الخطاب الديني لتحقيق مكاسب سياسية، مما أضر بصورة الإسلام ذاته، وفي المقابل، نجحت تجاربُ بعض الجماعات التي ركزت على العمل الدعوي والاجتماعي -بعيدًا عن الصراع على السلطة- في كسب ثقة المجتمعات، لأنها قدمت نفسها كشريك في البناء، لا كخصمٍ للدولة.
المصلحة الوطنية يجب أن تكون فوق كل اعتبار، ففي اليمن مثلًا، تحول الصراع بين أنصار الله (الحوثيين) وحزب الإصلاح إلى حربٍ أهلية دمرت البنى التحتية، وشردت الملايين.. فلو اختارت هذه الجماعات حل نفسها، وانخرطت في تعزيز الاستقرار بدلًا من تأجيج الصراع، لكانت قدمت خدمة جليلة لوطنها، هذا المنطق ينطبق على كل الجماعات، من حزب الرشاد في تونس إلى حزب الحق في العراق؛ فالدول العربية بحاجة إلى وحدة وطنية تعتمد على المواطنة، لا على الانتماءات المذهبية الضيقة.
كما أن رفض التطرف والعنف ضرورة لا تقبل التأويل، فبعض التيارات ذات التوجه الديني أساءت إلى الإسلام بتبنيها خطاب التكفير أو تبرير العنف، مما أعطى ذريعة لقمعها، وزاد من انقسام المجتمعات، وأما البيان الافتراضي للإخوان المسلمين -الذي دعا إلى "المشاركة السلمية"- لو كان حقيقيًا لكان إشارة إلى أن التغيير السلمي ممكن عبر الاندماج في المؤسسات، لا عبر المواجهة.
هذه الدعوة ليست هجومًا على الإسلام، بل دفاع عن قدسيته. فالدين لا يحتاج إلى أحزاب لتمثيله، بل إلى مجتمعاتٍ تحييه في سلوكها وأخلاقها باعتبار أن الدين لله والوطن للجميع، وأن الدين بين الرب والعبد، والسياسة بين الأفراد شعوبًا وقبائل، بل لقد أمرنا الله بأن نقاتل من يدعي القيمومة والسدانة على دينه حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وعليه ندعو كل جماعات الإسلام السياسي إلى اتخاذ خطوة شجاعة: حلوا أنفسكم، حولوا جهودكم إلى جمعياتٍ دينية أو منظمات مجتمعية، وافصلوا الجانب الدعوي عن الجانب السياسي بما بخدم المجتمع دون أجندات سياسية، أسهموا في بناء المدارس والمستشفيات، انشروا الوعي بدلَ الخطاب المتشدد، وثقوا بأن الوطن يتسع للجميع مادامت النوايا خالصةً لخدمته.
وكما قال حسن البنا يومًا: "نحن دعاتكم لسنا قضاتكم". فلتكن الدعوة اليوم: انزعوا الأقنعة الأيديولوجية، واجعلوا شعاركم "الدين لله، والوطن للجميع". مصر واليمن وسوريا والعراق وكل أمة عربية تستحق أن تنهض بمواطنيها متحدين، لا أن تظلَّ ساحةً لصراعاتٍ لن يربح فيها أحد.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً