صنعاء 19C امطار خفيفة

لا تمنوا علينا بعقد القمة

تنعقد القمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد في ١٧ مايو ٢٠٢٥، وفجوة الثقة تتسع بين المواطنين العرب وبين حكامهم، وعلى القمة أن تخيب ظنون من فقد الأمل بأن تكون على مستوى التحديات الوجودية للشعب الفلسطيني والمصيرية للأمة العربية.

 
سنسمع كالعادة أن القمة تنعقد في ظل ظروف وتحديات معقدة وصعبة وحساسة وخطيرة، وكالعادة لن تكون قراراتها على مستوى هذه الكلمات المكررة والتحديات، وعلى رأسها التصدي العملي للموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل دعمًا مطلقًا. لا شك أن قمة بغداد تعقد في ظرف مصيري، ولكن عليها أن تكون في مستواه لكي نُحترم، وأن يعول على قممنا التي تجيد حلو الكلام وتفتقد العمل. سبقت القمة زيارة رئيس دولة الاستعمار الجديد الضاري أمريكا، التي حصد منها ١٣ تريليون دولار استثمارات في بلاده بدون مقابل سياسي يخدم قضية فلسطين، ويوقف عدوان إسرائيل على غزة والضفة ولبنان وسوريا.
 
هذه الاستثمارات التريليونية غير المسبوقة لن تكون استثمارات في العقارات كما هو الحاصل هنا وهناك من بلداننا التي يغلب فيها الاستثمار العقاري، بل في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ودعم الدولار الأمريكي وكل ما له علاقة بإطالة الهيمنة الاستعمارية الأمريكية على العالم وكل الوطن العربي.
 
كل دول العالم لا تعطي بدون أن تجني تنازلات، وبرغم السخاء الخليجي المتطرف لم يلاحظ أي تغيير في سياسة ترامب نحو الدمار والقتل المتعمد في غزة، واستمرار تجويع أهلها، وعندما سئل ترامب عن موقفه من أوضاعها الكارثية رد ببرود وهو لايزال في الخليج، لا ننسى ٧ أكتوبر، وهو نفس ما قالته رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ليوني، قبل انتخاب ترامب، وهو ما يعني أن الدول الغربية متحدة في موقفها المساند لجرائم إسرائيل، باستثناء ست دول أبرزها إيرلندا وإسبانيا والنرويج، التي قد لا تحصل على ثناء من قمة بغداد على مواقفها من قضية فلسطين، أو تحصل على استثمارات عربية فيها.
 

التقصير العربي

 
منذ أكتوبر ٢٠٢٣ لم يقم وزير خارجية عربي بزيارة واشنطن لكي يطلب منها وقف دعم إسرائيل سياسيًا ودبلوماسيًا، وعدم بيعها السلاح الذي تدمر به غزة وتشرد أهلها، ولم يتصل هاتفيًا وزير خارجية عربي، بمن فيهم وزير خارجية القمة السابقة، بوزير خارجية أمريكا، لهذا الهدف. كان الكل يستقبل وزير الخارجية السابق بلينكن وكأنه ليس طرفًا وعدوًا، وبدلًا من المطالبة بانسحاب إسرائيل من غزة ووقف حربها عليها، كانت المطالبة الخجولة منحصرة بالعبارة الأمريكية "وقف التصعيد".
السيد جوزيب بوريل، وهو في منصبه كمسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أو بعد تركه له، كان ولايزال أكثر شجاعة من معظم وزراء الخارجية العرب الذين لاذ معظمهم بالصمت، وسلموا بأن السياسة الأمريكية في المنطقة قضاء وقدر. أما من أقام من العرب علاقات مع الكيان، فلم يهدد حتى بتجميد علاقاته معه إذا لم ينسحب من غزة، ويكف عن سياسة التطهير العرقي، ويتخلَّ عن مشروعه الاستعماري لتهجير الغزاويين خارج وطنهم، لتصبح غزة واحة أمريكية -إسرائيلية ريفييرا لـ"الحرية"! ولاستثمار غازها ونفطها، وجعلها بؤرة إضرار بقناة السويس عند تنفيذ المشروع الأمريكي لربط الهند تجاريًا بالخليج، وعبر غزة ودولة الاحتلال بأوروبا.
بوريل قال ما لم يقله وزير خارجية عربي، ولا الناطق باسم الجامعة العربية، قال إن ٥٠% من السلاح الذي يقتل الفلسطينيين أوروبي، وطلب وقف بيعه، ويا ليت تحذو القمة العربية حذوه، وتطلب من أمريكا ودول الاتحاد والهند التوقف عن بيع أسلحة التدمير الشامل لغزة، وفرض عقوبات عليها إذا لم توقف عدوانها على الضفة وغزة، وتنسحب من الأراضي السورية التي احتلتها مؤخرًا. العرب ليسوا على قلب رجل واحد، وقد أضعفت بعضهم الثروة، وبعضهم الآخر التبعية، اللتان جعلتا قضية فلسطين قضية هامشية.
إن من مؤشرات التبعية تراجع الثقافة السياسية العربية التقدمية من ثقافة عروبية وفلسطينية إلى ثقافة طائفية وسلفية واستسلامية.
للتدليل كان ولايزال واجبًا على الدول العربية أن تستثمر دعوة الغرب الحثيثة لمنع إيران من امتلاك قدرة نووية لطرح بديلها، وهو إخلاء منطقة الشرق الأوسط كله من السلاح النووي، وإرغام إسرائيل على التوقيع على معاهدة عدم الانتشار النووي الموقعة في موسكو عام ١٩٦٨، ولا نقبل بالمنطق الغربي الغريب بأن إسرائيل كدولة ديمقراطية لن تستخدم السلاح النووي ضدنا، وهي التي كانت طبقًا لمذكرات جولدا مائير "حياتي"، كانت تنوي استخدامه في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣.
إن انعقاد القمة العربية مهم، ولكن الأهم هو القرارات التي ستصدر عنها وتنفذ فعلًا، ومنها كما تتوقع الجماهير العربية، الدعم المطلق للشعب الفلسطيني ومساندة مقاومته، وتحديد العلاقات مع دول العالم بحسب سياساتها نحو فلسطين، أي العودة إلى قرار عربي سبق أن اتخذ بالإجماع عام ١٩٧٥.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً