انظر بعيدًا وحلق في السماء، للخلف لا تنظر، قد كان ثمن البقاء خارج عقل الزمان حرب مدمرة ودماء.
انظر للأمام دعك من أوهام خلقتها معطيات على الأرض ما لها أساس... كان الأساس وطنًا تخالفت حول مصالحه الرؤى، عطلت تلك المصالح تناقضات بيئات متناحرة حدها الأعلى الأنا، والبديل هو الأنا، والآخر هو العدم، والآخر هو الآخر، فاقدًا كل القيم، قراءاته خارج مصالح الوطن، ارتباطاته تراهن على عناصر ضمان بقائها ثابتة، خاضع لاعتبارات سياسية، إذ السياسة جوهرها مصالح وأهداف، والباقي تفاصيل ينتجها الممول ومن بالتمويل ساعة الطلب يحرك الدمى وفق اتجاه الريح أو وفق ما يشاؤها الممول من تتطلب مصالحه التحرك مع اتجاهات ريح تغيرات تعصف بالمكان بالمحيط، وهنا ينبغي دوما الحذر.
الحذر من ماذا؟
من دورة الزمن إن أتت على عجل لم تأتِ نتيجة جهود للتوافق وفق إرادات تمتلك رؤية وبرنامجًا وخطة للسير قدمًا قد حسمت جملة أو لنقل أهم مكونات جغرافيا الصراع الذي ساد وطال، وتنتج على الأرض قوى ومصالح ليس من السهل التأكد أنها ستعبر فعلًا ظلمة النفق إلى مساحة متجددة بعناوين أخرى لرحلة تعالج أمراض الجراح، وتضع لبنات بناء له عناوين ومتطلبات مادية تداوي الجراح، وما أكثرها، لها عناوين على النحو التالي:
تسويات سياسية ذات طابع وطني شامل تستوعب أطيافًا جرى تجاوزها.
تسويات هيكل بناء الدولة ومؤسساتها بعيدًا عن الاستئثار من قبل فئة معينة.
برنامج إصلاح ومصالحة وطنية شاملة.
برنامج إصلاح مسار هيكل اقتصادي وطني متكامل البناء يغادر كل خانات العجز والآفاق ووفق خطط تسمح بالخروج من عنق الزجاجة.
هذه مقدمة وجدنا أنفسنا أمامها وجهًا لوجه مع مستجد من مفاجآت غادرت بنا ساحة الغموض المكتنف وضعنا المأزوم حيث ظلت خارطة الطريق التي جرى الحديث عنها ثم تسربت وعادت تحبو على وجل مرة تختفي، ومرة يروج لها إعلام سعودي على استحياء، ومرة يؤكدها المبعوث الأممي، ويدعمها بقوة القول الصريح وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، ليأتي جهبذ أمريكي يلغي أي وجود لهكذا توجه طالما وقوات أنصار الله بالبحر الأحمر تأتي بما لم يستطعه الأوائل، وقد كان وتجمد الحديث عن خارطة الطريق السعودية الحوثية، وفجأة خلال اليومين الماضيين واليوم الموافق 29/6/2024، انهالت الكلمات ومن العيار الثقيل تتحدث عن مستجد أيضًا من العيار الثقيل!
أي والله من العيار الثقيل... كيف؟
كان الحديث خلال الأسبوع المنصرم يشير إلى رفض الشرعية لمحادثات يرتب لها المبعوث الأممي لاستكمال الملف الخاص بتبادل الأسرى فقط... وكان التوجه المفهوم رفض الشرعية لهذا الشكل من محادثات تجري بمسقط... لكن لا شيء ثابت ومستقر بعالم السياسة، داهمتنا ألغام السياسة بما تعدى بنا تلاطم أمواجها إلى ساحات تهدئة من النوع المثير للسؤال: وما الذي جرى وغير الأحوال؟ طبعًا قبلها عاش البلد مفاجآت فتح الطرقات، وقيل حول الفتح ما لم يقل مالك عن الخمر!
ثم تتالت المفاجآت، تغيرت العناوين على النحو التالي:
لقاء مسقط أوسع وأشمل من ملف الأسرى، وسيعقد تحت حماية قرارات الأمم المتحدة ومخرجات الحوار.
جميل وتتابع الدفع بقوة الأيدروجين لعربات الدفع الرباعي تحت عناوين يقودك للقول: وما الذي جرى؟
ويأتي التوضيح محمولًا على صفحات "عكاظ" الرسمية وروج له مروجون يمتهنون لحظة القبض السريع... بأن لقاء لمصالحة يمنية يمنية مبنية على حيثيات خارطة الطريق... لقاء سيجمع كلًا من مهدي المشاط ممثلًا لأنصار الله، ود. العليمي ممثلًا الشرعية التي يعترف بها العالم، وعلى ضفاف ذلك جرى التسويق لممهدات من قبيل أن فتح الطرقات لم يكن إلا نتيجة جهد بذلته الدبلوماسية السعودية، وأمر كهذا في اعتقادنا لن يتم دونما تشاور مع الولايات المتحدة، ولا يفوتنا الإشارة إلى ما صدر عن المجلس الرئاسي من بيان كما أوردته صحيفة "البلاد" المتضمن عدة عناوين توحي بأنهم على علم بما يجري، وإن لامسوه فقط بإشارة عن لقاء مسقط المرتقب حول الأسرى!
لنا هنا وقفة تعجب وتساؤل ولما هذا الغموض؟
المملكة تريد الخروج من مستنقع الحرب...
الأمريكان يمكن بل يسعون أن يقايضوا صواريخ البحر الأحمر بتعزيز مكانة ودور الحوثي (أنصار الله). الخطورة هنا بأي ثمن؟! سؤال سيظل يطل علينا ويحمل ما يحمل من ألغام ومتفجرات! وسيظل السؤال قائمًا:
أنصار الله مكون أم بات ضمن لعبة الغلبة مقررًا لشروط اللعبة حيث:
مرتكزات خارطة الطريق ليس ثمة إجماع وتوافق وطني بشأنها.
على الإطلاق ليس ثمة ما يمنع من عقد لقاء وطني موسع، لكن على أسس جوهرها مرتكزات:
مخرجات الحوار الوطني...
فهم واستيعاب متطلبات حل وطني للقضية الجنوبية تلغي التخوفات المشروعة التي بدأ صوتها يرتفع عاليًا.
إنهاء الحرب مطلب شعبي، ومطلب التنمية والإعمار مدخل للخروج من نفق الاختناق المحبوس فيه وطن بكامل شعبه.
نسأل أي الأخبار نصدق ونحن نعيش حالة من التقاتل في ميادين المواجهات وميادين السياسة تعتيمًا واقتصاديًا من خلال إضرابات أسواق وأسعار عملة وقرصنة طيران؟
ما ألعن السياسة التي تبنى مفاعيلها على عناصر من التهويل والإثارة على عناوين ترتكز إما على التخمين أو التسريب الأقرب لخلق البلبلات، أو تسريب معلومات عبر مصادر حكومية لكنها ليست مخولة بهكذا أمور، أو تهييج الساحة لمزيد من اضطراب الخلافات والمشاحنات بين الفرقاء السياسيين لمزيد من تصدع أي شكل من أشكال التوافق الأولي على أقل تقدير.
مع الأسف سنقول سننتظر ما ستأتي به الأيام، وإن غدًا لناظره قريب.
البلاد وأهلها بانتظار ساعة الخروج من نفق عميق باتوا مخنوقين طيلة عقد من الزمن.