توصل عدد من الإخوة الذين لا أشك في وطنيتهم وطهارتهم في معرض مداخلاتهم احتفاءً بيوم الوحدة المجيد، إلى تبني طروحات إزاء قضية الوحدة اليمنية، ظاهرها الواقعية والإنصاف، وحقيقتها السطحية والتلفيق والإجحاف، ومن ذلك مقولة أن "لا الوحدة مقدسة ولا الانفصال كفر وخيانة"، ومبرر هذه الطروحات هو أن الوحدة والانفصال هي خيارات سياسية ينبغي أن تحسم وفقًا لقاعدة الحقوق السياسية، وفي إطار العملية الديمقراطية.
الواقع هو أن هذه المواقف غير صحيحة وغير عادلة، وذات خطورة وجودية على مستقبل اليمن، وهي دليل على فاعلية حملة التزوير والتزييف التوعوي الطويلة التي استهدفت طمس وتشويه الحقائق. والحقيقة التي لا مراء فيها هي:
أولًا: نعم الوحدة مقدسة، لأنها ليست اختيارًا سياسيًا للمؤتمر، ولا للاشتراكي، ولا لأي شخص، ولا هي في أهم مضامينها استحقاق ديمقراطي أو انتخابي، بل هي إقرار حقيقة تاريخية ومجتمعية وحضارية عمرها آلاف السنين، وهي التجسيد الأسمى للوجود اليمني بكل هذه المعاني، ولكرامة اليمن وحقوقه ومصالحه، وهي حق ثابت للشعب اليمني وحده، ولها بذلك قداسة الحقيقة وجلال التاريخ وقدسية الحق ورمزية الكرامة وواقعية المصلحة الوجودية بكل أبعادها.
ثانيًا: نعم فدعوة الانفصال كفر بكل معاني الكفر، فهي دعوة صريحة إلى الفتنة السياسية والمجتمعية، وإلى الاقتتال الأهلي على أوسع نطاق، والله سبحانه يقول: "الفتنة أشد من القتل"، وهي كفر لأنها دعوة صريحة لتقويض الدولة وتقويض مرتكزات قيامها وتفريق الجماعة وتحويل المجتمع إلى شيع وأحزاب ومليشيات وعملاء، وهي في مجملها أفعال كفرية مركبة بما أنها تتضمن تفريقًا للجماعة، وتقويضًا للدولة يفتح أوسع أبواب الفساد في الأرض، وإشاعة الظلم، وتعطيل كل قدرة لمواجهته، وتقويض أسس عمل الاقتصاد وحياة الناس عمومًا، وما يلحقه من إفقار للمجتمع وتخلفه وبؤسه، وتقويض قدرات الدفاع الذاتي عن الوطن ومصالحه، وتركه نهبًا للغزاة والأعداء. فهل من كفر بعد هذا؟
ثالثًا: ونعم فدعوة الانفصال خيانة، وهل أحد لا يعرف هذا...؟ فحتى الانفصاليون أنفسهم لا ينكرون ولا يتسترون عن كونهم أدوات مأجورة للاستهداف الوجودي الحاقد على اليمن، يتسلمون في ذات الحقائب مال الأعداء وخططهم وأوامرهم، ويذيقون الوطن وبالها جميعًا. وليس الذين تبرموا مما آلت إليه الوحدة حين انحرف مسار العمل السياسي واعتراه ما اعتراه من الخلل، إلا وطنيين نعتز بهم جميعًا، ونفخر بما حملوه من دعوة الإصلاح، ويجب أن ننضم إليهم، فهم أصحاب مبادرة وطنية ودور وطني مطلوب.
رابعًا: إن للوحدة قواعد وأركانًا لا تقوم ولا تستقيم إلا بها وعليها، ومن يقوض هذه الأسس هو كمن يحارب الوحدة مهما رفع شعاراتها، وأولها هو حق المواطنة المتساوية مطلقًا في كافة الحقوق والواجبات المادية والمعنوية الدينية والدنيوية بين جميع اليمنيين بلا استثناء ولأي سبب، أما ثاني هذه الأسس فهو العدالة في إتاحة فرص المشاركة في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية وحقوق الحماية، حتى يتم ضمان تمتع الجميع بحقوق المواطنة المتساوية كاملة وغير منقوصة.
خامسًا: ليست الوحدة عملية تشاركية بالمعنى الذي يطرحه البعض، ولا هي حق مكتسب أو موروث للمؤتمر الشعبي، ولا للحزب الاشتراكي، ولا لورثتهما، بل هي حق الشعب اليمني كله على قاعدة المواطنة المتساوية والفرص المتساوية، وعلى الانتهازية النفعية أن تكف أذاها عن الشعب المظلوم.
(سقطرى اليمن واليمن سقطرى).
هل الوحدة مقدسة وهل الانفصال كفر؟
2024-05-22