صنعاء 19C امطار خفيفة

بين الطلاق والخُلع: لماذا يتمسك الوطن بالفاسدين؟

في مشهدٍ تختلط فيه الرمزية بالواقع، يمكن تشبيه حال بعض الأوطان اليوم بامرأة علقت بين الطلاق والخُلع. لا هي انفصلت عمن ظلمها، ولا هي امتلكت القوة لخلعه. تبقى معلّقة، نصفها في الماضي، ونصفها في الانتظار. هكذا تبدو أوطانٌ كثيرة في منطقتنا، تمسك بجلاديها وتدافع عن فاسديها، كما لو أن لا بديل لهم، أو كما لو أن الخلاص منهم هو كارثة أكبر من بقائهم.

 
في هذه الأوطان، يمارس الفاسدون سلطتهم كزوجٍ سيء الطبع، لا يُحسن إلا القسوة. يذيقون الشعب أشكالًا من الفقر والقمع واليأس، ثم يخبرونه أن الخوف من "البديل" سبب كافٍ ليصبر. يُخاطبون الجموع باسم "الاستقرار"، وهم من زرعوا الفوضى. يتحدثون عن "المؤامرات الخارجية"، ويتناسون أن الداخل هو الخنجر الأول في خاصرة الوطن.
لكنّ الأكثر إيلامًا هو رد فعل الشعوب. فبدلًا من الثورة على الظلم، نجد من يبرر، من يعيد تدوير الحجج القديمة: "ليس الوقت مناسبًا"، "البدائل غير مضمونة"، "الأمن أهم من الحريات"... كأن الكرامة ترفٌ، وكأن العدل فكرة مؤجلة إلى إشعارٍ آخر.
هذا التواطؤ الصامت -بين من يَحكم بالقوة، ومن يرضى خوفًا أو يأسًا- هو ما يطيل عمر الفساد. فالوطن، في نهاية المطاف، ليس الحاكم ولا السلطة، بل الناس. وإذا قبل الناس بالظلم، تحوّل الوطن من بيتٍ إلى زنزانة.
المفارقة أن هذا التمسك بالفاسدين لا ينبع من حب، بل من خواء. تمامًا كما تبقى المرأة المعنّفة في بيتها، لا لأن الجلاد محبوب، بل لأنها لا ترى في الخارج مَن ينقذ، أو لأن كسر القيد يبدو أخطر من القيد نفسه.
إن ما تحتاجه أوطاننا اليوم ليس مزيدًا من الصبر على من سرقوها، بل شجاعة مواجهتهم. أن نتحول من متفرجين إلى فاعلين، من صامتين إلى مطالبين، من مشلولِين بالخوف إلى منطلقين بالفعل.
فالتحرر لا يأتي من تلقاء نفسه، تمامًا كما لا يخلع الجلاد نفسه عن عرشه.
إنه خيار، ومسؤولية، وإيمان بأن الوطن الحقيقي لا يُبنى على القهر، بل على العدل والكرامة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً