في ظل الجدل الدائر حول جودة المانجو اليمني، تبرز الحاجة إلى تسليط الضوء على الأزمة التي يواجهها مزارعو هذه الفاكهة الصيفية الشهيرة، والكشف عن أثر الشائعات التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، والتي أدت إلى حالة من الذعر بين المستهلكين، مما أثر سلبًا على السوق المحلي للمانجو.
خلال الأيام القليلة الماضية، تداول ناشطون على الإنترنت صورًا لثمار المانجو مصابة بالديدان، وربطوا بين إصابتها وما تم تداوله مؤخرًا عن دخول مبيدات زراعية سامة ومسرطنة إلى اليمن، مما أثار مخاوف المستهلكين، وأدى إلى تراجع ملحوظ في الطلب على هذه الفاكهة.
ووصل سعر الكيلوجرام إلى أقل من 300 ريال يمني، أي ما يعادل نصف دولار أمريكي، مما يشير إلى خسائر فادحة يتكبدها المزارعون، حتى في حال كانت منتجاتهم عالية الجودة.
ممارسات زراعية خاطئة
ثمرة المانجو مصابة بالديدان(شبكات التواصل)
تشير جمعية المهندسين الزراعيين اليمنيين إلى أن إصابة بعض ثمار المانجو بالديدان قد تعود إلى ممارسات زراعية غير سليمة، مثل عدم استخدام شبكات واقية للثمار، لمنع هجوم ذباب البحر المتوسط البيضاء، التي تضع بيضها على الثمار لتفقس لاحقًا على شكل يرقات (ديدان)، فضلًا عن التخزين غير الملائم الذي يسهم في تلف الثمار وجذب الحشرات الضارة.
ونفت الجمعية، في منشور لها على صفحتها في "فيسبوك"، وجود علاقة بين استخدام المبيدات وظهور الديدان.
غير أن المهندس الزراعي فاروق الجبلي، ربط بين زيادة استخدام المبيدات ووجود الآفات، وقال إن "استخدام كميات زائدة من المبيدات الحشرية يمكن أن يؤدي إلى قتل الحشرات المفيدة التي تتغذى على الآفات"، منوهًا إلى أن استخدام المبيدات في الوقت غير المناسب يمكن أن يؤدي إلى عدم فاعلية المبيد في قتل الآفات.
لكنه أضاف أن وجود الديدان انحصر في أعداد قليلة جدًا من ثمار المانجو، ولا تمثل ظاهرة عامة، ويمكن تمييز الثمار المصابة من خلال وجود ثقوب سوداء عليها.
وحذر الجبلي، في حديثه لـ"النداء"، من التأثيرات السلبية للشائعات، إذ تسببت في انخفاض مبيعات المانجو محليًا، وقد تؤدي إلى تراجع الاستيراد دوليًا، مما يضر بالمنتج الوطني اقتصاديًا، ويؤثر على اهتمام المزارعين بزراعة هذا المحصول.
الشائعات وانهيار الأسواق
أحد بائعي المانجو(شبكات التواصل)
ويتكبد المزارع اليمني خسائر كبيرة نتيجة انهيار السوق المحلي بسبب الوضع الاقتصادي وفوارق العملة وصعوبة الطرقات المؤدية إلى المحافظات، وأخيرًا الشائعات التي انتشرت كالنار في الهشيم، وأدت إلى تراجع بيع الفاكهة.
وأكد المزارع عبدالجليل النابهي، الذي يعمل في إحدى مزارع تهامة، الواقعة على السهل الساحلي المحاذي للبحر الأحمر، أن بيع المزارعين سلة المانجو التي تزن 20 كجم، بألف إلى ألفي ريال، يعرضهم إلى خسارة كبيرة، وبسببها لا يستطيعون تسديد تكاليف حصاد السلة وتسويقها، والتي تبلغ بين 1500 و2000 ريال، من عمالة وسلات ونقل وكراتين وكربون، إضافة إلى 11% يتم خصمها من إجمالي الفاتورة عمولة مكتب التسويق والزكاة، بالإضافة إلى ديون وأقساط منظومة طاقة شمسية وإصلاحات وتطعيم ومبيدات وأسمدة وأجور أخرى.
وقال النابهي، في حديث لـ"النداء"، إن "انهيار السوق المحلي يجعلنا كمزارعين عرضة للاستغلال من قبل المصدرين الذين يشترون المانجو بأسعار زهيدة، ويبيعونها بالخارج بأسعار مرتفعة، بحجة سعرها محليًا، وعدم وجود جهات رسمية تضبط أسعار المانجو في التصدير وفقًا لدراسة الأسواق بالخارج".
ويعاني مزارعو المانجو في اليمن، حتى قبل ظهور الحملة على منصات التواصل الاجتماعي، جراء الكساد الذي أصاب الأسواق المحلية نتيجة ضعف الطلب وتدني القدرة الشرائية لدى المواطنين، وهو ما ذهب إليه المحلل الاقتصادي عبدالحميد المساجدي، الذي قال إن انقطاع المرتبات، وارتفاع نسب البطالة، وأزمة السيولة المالية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بفعل أسعار الوقود المرتفعة ومدخلات الإنتاج كالأسمدة، وتكاليف ضخ المياه وقطع الغيار لمضخات المياه، بالإضافة إلى الجبايات، كلها انعكست سلبًا على مزارعي المانجو الذين باتوا يتكبدون خسائر جراء تراجع عائدات ثمارهم السنوية.
عبدالحميد المساجدي - رئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية
ودعا المساجدي، في حديثه لـ"النداء"، السلطات المعنية إلى مساعدة المزارعين لتجنب خسائرهم، وذلك عن طريق اتخاذ قرار بشراء المنتجات منهم، وتحويلها إلى مصانع للعصائر أو التخزين في الثلاجات، بالإضافة إلى القيام بمسؤولياتها من حيث الإرشاد الزراعي لضمان عدم وجود مثل هذه الآفات في هذه النباتات خلال الفترات المقبلة.
زراعة المانجو في اليمن
ويبدأ موسم زراعة المانجو في اليمن من شهر مايو، ويستمر حتى شهر يوليو، ويزرع في مناطق مختلفة، مثل لحج (وهي أول محافظة يمنية تزرع المانجو)، تهامة، حجة، أبين، تعز، المحويت، حضرموت، ومأرب، وتتركز زراعته بشكل خاص في المناطق الساحلية، ويتميز بعدة أنواع، منها قلب الثور، التيمور، السوداني، أبو سمكة، الحافوص، أبو سنارة، الفونس، الباميلي، والبركاني، ويعد "قلب الثور والتيمور" من أجود أنواع المانجو في اليمن.
بعض انواع المانجو في اليمن(شبكات التواصل)
غير أن الشائعات التي راجت مؤخرًا حول عدم جودة المانجو اليمني، قد تسهم في تراجع بيع وزراعة المانجو في اليمن. وهو ما أشار إليه المساجدي الذي أكد أن الحملة ستزيد من عزوف المواطنين عن شراء هذه المنتجات خوفًا من الآثار الصحية التي قد تنجم بعد أكلها، بالإضافة إلى أنها قد تترك أثرًا في موضوع توقف بعض الأسواق المستوردة للفواكه اليمنية عن استيراد هذه الفاكهة، بخاصة أن مزارعي أو منتجي الفواكه في اليمن لديهم العديد من التحديات الإضافية، منها سوء التخزين والتعليب والتغليف، التي تسهم في الحد من نفاذ الفواكه اليمنية إلى الأسواق في الدول المجاورة.
وتقدر الهيئة العامة للتنمية الزراعية والريفية عدد أشجار المانجو المزروعة في اليمن في عام 2020م، بحوالي مليونين و17 ألف شجرة، منها 30% غير مثمرة.
وكان للحرب التي اندلعت في 2015، آثار سلبية على القطاع الزراعي، إذ كانت اليمن تنتج قبل الحرب، بحسب مركز الإحصاء الزراعي للعام 2018م، 400 ألف طن في السنة من المانجو، ولكنه تراجع خلال عام 2018 إلى 359.395 طنًا، كما تقدر المساحات المزروعة بحوالي 25.015 هكتارًا.
يذكر أن أشجار المانجو تصاب بأكثر من 492 نوعًا من الحشرات، و17 نوعًا من العث، وتعد العنكبوت، البق الدقيقي، ذبابة الزهرة، ذبابة الفاكهة، الحشرات القشرية، حفار البراعم، الدودة الحفارة، حورية الأوراق، وخنفساء الحجر، من الآفات الرئيسية المسببة خسائر كبيرة في هذا المحصول حول العالم