الساعتان الأولى والثانية يمتلكهما سياسيان يمنيان على طرفي نقيض سياسيًا، وماعدا ذلك لا يعلمه إلا الله. شاهدنا الساعتين بوضوح تام على معصميهما وهما يتباهيان بهما كمؤشر على ثروة تسمى في ثقافتنا المتسامحة جدًا "رزق من الله".
الثروة عندنا مرتبطة بمنصب سياسي في الوظيفة العامة. معلوم أن هدف الوظيفة العامة تقديم خدمة عامة للناس بدون تمييز، وبدون محاباة، وبدون بغية تحقيق ثروة غير مشروعة، وأنها -أي الوظيفة العامة- تخضع للرقابة، وتحت مطرقة القانون، ومن يتولاها قد يخضع للمساءلة في حال إخلاله بالأمانة وبالاستقامة والنزاهة التي تقتضيها هذه الوظيفة. القسم الدستوري يتوج قداسة أو لنقل سمو هذه الوظيفة. انتهاز الفرصة عند تولي وظيفة عامة لتحقيق منافع شخصية، انتهاك لغايات هذه الوظيفة، وارتكاب لجريمة فساد للإثراء غير المشروع عن سبق قصد وإصرار، كما هو الحال تاريخيًا عندنا.
الفساد يؤدي بفاعله في دول أخرى، اليمن بلد الإيمان ليست من بينها، إلى الفصل من المنصب، أو السجن في حالة الإدانة. قضى رئيس دولة في إسرائيل، وكذلك رئيس وزراء، عقوبة سجن بعد إدانتهما بالفساد، ورئيس الوزراء الحالي نتنياهو خضع لتحقيق الشرطة أكثر من مرة، ويتهمه إسرائيليون بأنه يطيل أمد جرائمه في غزة تهربًا من عقوبة السجن بتهم الفساد، وفي سنغافورة عقوبة الفساد شديدة، وفي الصين أعدم قابضو عمولات من كبار زعماء الحزب الشيوعي.
أما الساعة الثالثة فقصتها لاتزال تتفاعل في بيرو، إحدى جمهوريات أمريكا الجنوبية، حيث اقتحمت الشرطة هناك سكن رئيسة الجمهورية السيدة دينا بولورات، المتهمة بإثراء غير مشروع، كشفت عنه ساعة رولكس، ليست من أثمنها، في ما سمي هناك "رولكس جيت" أو "فضيحة رولكس".
نتج عن هذه الفضيحة استقالة ستة من ثمانية عشر وزيرًا، من بينهم وزير الداخلية، بينما تطالب الأحزاب الستة الممثلة بالبرلمان، بإقالة رئيسة الجمهورية.
الساعتان اليمنيتان لم تثيرا أدنى تساؤل لدى المواطن ولا لدى الأحزاب، وعندما نشر مقال في صحيفة "النداء" عنهما وعن أثمانهما الباهظة جدًا، قرئ المقال كخبر عادي، ولم يفكر أحد عندنا كالبيروفيين.
الساعتان مستفزتان في زمن حرب يفترض التقشف والنزاهة المتطرفة. وقطعًا ليستا علامة فساد مؤكدة، ولكنهما تثيران أكثر من تساؤل مشروع.
الصمت المزمن عندنا على الفساد يمنح من يتولى الوظيفة العامة ويَفسُد أو يُفْسد، حصانة من المساءلة، والإفلات من العقاب. في يمننا "الحبيب" نسمع كثيرين ينتقدون الفساد وهم يمارسونه جهارًا نهارًا، ومنهم من يدافع عن الفاسدين، ويبرئونهم ويسمونهم بالرموز الخ...
جوهر المشكلة أن المال العام في اليمن حتى اليوم مال سايب لا صاحب له، ويسهم في فساده الكبير رجال الأعمال، وفي صغيره أصحاب قضاء الحاجة الذين يؤمنون إيمانًا جازمًا ومسبقًا، كثقافة وقناعة راسخة بأن الموظف اليمني، إلا ما ندر، فاسد بالطبيعة، وأن العمولة أو الرشوة، وليس القانون، هي التي ستعبد طريق كل الغايات.
يذكر بعضنا مسؤولًا كبيرًا نُقل عنه قوله: "إذا لم نغتنِ في عهد (...) فمتى سنغتني؟". وقد حقق أكثر ما حلم به. هذا نفسه نقل عنه قوله صراحة لرئيسه عندما عينه في منصبه السيادي، القيادي الذي يصحبه دائمًا قسم النزاهة والولاء للمصلحة العامة: "يانكون علي بن أبي طالب سوى أو نكون معاوية سوى". ولم يعترض الرئيس.
يمن بدون فساد، غايتنا، ولكن لن يتحقق ذلك حتى في الأمد المتوسط، لأن من يقودون أمورنا اليوم لا يطمئنوننا بأن الغد أفضل من الحاضر، لأنهم، وهم المشكلة، الحل بأيديهم وحدهم، وفي ممارساتهم لا يختلفون عمن سبقهم.
اللهم ارزقنا في هذه الخواتم المباركة، الذرية الصالحة.
ثلاث ساعات: ساعة هزت البلاد وساعتان لم يرمش لهما جفن أي من العباد
2024-04-02