يخطو اليمن خطوة إضافية في الطريق الذي قررته -برعونة وجهل- النخبة السياسية الحاكمة في 2013، وهذه المرة بعد قرار مجلس الرئاسة التنازل عن صلاحياته في اختيار رئيس حكومة جديدة، وترك الأمر لولي العهد السعودي أو من يكلفه بهذه المهمة في حال انشغاله بما هو أهم!
في الشهور الأخيرة تكرس الفتور، جليًا، في العلاقة بين رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي ورئيس مجلس الوزراء معين عبدالملك. بتعبير أكثر عملية، بين الرجل الذي جاء بناء على قرار الأمير، والرجل الذي جاء بناء على تفضيل السفير!
طبق مصادر متطابقة، فإن السفير لا يخفي خيبته من أداء رجله، وليس من المستبعد أن رئيس مجلس القيادة (المحسوب على الرياض) التقط إشارات عدم ارتياح سعودية من رئيس مجلس الوزراء (المقرب -أو صار مقربًا- من الإمارات) فاهتبلها فرصة للإتيان ببديل يمشي على هواه في رئاسة الحكومة. لكن تحقق هواه رهن بقرار من "عاصمة قرار الشرعية"؛ الرياض.
أين بلغت مسيرة الهوان بمن بشروا اليمنيين بـ"يمن جديد"؟
صار موقع رئيس الجمهورية اليمنية وموقع رئيس الحكومة شأنًا سعوديًا يأخذ في الاعتبار مصالح فاعل إقليمي واحد هو الإمارات. وتلتزم هذه الصمت راكنة إلى حكمة الشقيقة الكبرى.
منذ أسبوعين ينتظر رجال "الشرعية" دخانًا أبيض يتصاعد من مقر الحكم في الرياض؛ من قصر "أمير النفط" الذي لا يظهر أية علامات على أنه قلق أو مستعجل في انتظار ما ستسفر عنه محاولة العم سام ترويض "الحوثيين".
بماذا يذكر المشهد اليمني الحالي؟
إذا حيدنا "العامل الحوثي"، نكون شكليًا أمام مشهد لبنان، حيث الرئيسان (رئيس جمهورية ماروني ورئيس حكومة سني) لا يتم ترؤس أي منهما إلا بموافقة سعودية وقبول إيراني وتأييد غربي. وتاريخيًا كان الموقع الأول في اليمن رهنًا بالموافقة السعودية منذ السبعينيات في اليمن الشمالي، ومنذ 2012 في اليمن الموحد. كذلك جاء هادي في فبراير 2012 في انتخابات قبلوية الأحكام هي في حقيقتها "استفتاء شعبي" شارك فيها عمليًا كل من رغب في طي صفحة الرئيس الأسبق (المقتول بعد 6 سنوات) علي عبدالله صالح!
كذلك جاء خلف هادي في 7 أبريل 2022، ولكن بدون انتخابات لاستحالتها، وبدون مهرجان محلي لانعدام الحاجة إليه، بل قرار وتنفيذ وإخراج سعودي صرف لاح معسكر "الشرعية" ساعتها محض طالب حاجة في القصر الملكي طلب منه الانتظار في غرفة الخدم ريثما يقرر الأمير مستقبل "الجار الشقيق"! كذلك جاء مجلس القيادة برئاسة رشاد العليمي.
والآن فإن العليمي في طور التخلص من رجل لم يختره ولا يتكيف مع أسلوبه في إدارة ما تبقى من دولة صالح.
لكن السؤال الذي يبدر فورًا هو: ما هو نمط المرؤوسين المحبذ عند العليمي؟
لنتذكر ثوابت رئيس الحكومة الحالي ساعة اختياره من قبل "الرئيس الشرعي" عبد ربه منصور هادي، لرئاسة الحكومة خلفًا لـ"الطريد" أحمد عبيد بن دغر؛ قال معين عبدالملك إنه سينشغل في القضايا الخدمية فقط، ما يعني أنه سيكون بعيدًا عن الوظيفة السياسية لرئيس الوزراء. وهو في نشاطه يبدو منصرفًا تمامًا عن الملفات السياسية والأمنية.
أكثر من ذلك، يبدو رئيس الحكومة زاهدًا عن المحليات. وباستثناء حالات محدودة في تعز، فإنه نأى بنفسه عن صراعات الأقوياء. وفي ما يخص الاتفاقات المثيرة للجدل في مجال الطاقة والاتصالات، يتحرك الرجلان في تناغم، كما في اتفاقية تشغيل شركة الاتصالات الإماراتية.
ما الذي يزعج العليمي إذن؟
عودة إلى لبنان!
دخلت اليمن عمليًا طور "اللبننة"، خصوصًا في سنوات الحرب التي بدأت في 2015، وفي 7 أبريل 2022 أفرزت مخرجات القصر السعودي وضعًا غريبًا في هيئات الحكم في اليمن (الشرعي)، حيث الرئاسات الثلاث من محافظة واحدة؛ تعز!
يمكن سريعًا الإشارة إلى أن "الرئيس" في السلطات الثلاث لم يكن تعزيًا في اليمن قبل وبعد توحده إلا في فترات محدودة في الجنوب قبل الوحدة (الرئيس عبدالفتاح إسماعيل 1978-1980)، وفي الشمال (عبدالعزيز عبدالغني 1975-1981).
ليس هذا المجال لعرض المحددات التي تحكم مصير الرئاسات في اليمن قبل الوحدة في 22 مايو 1990 وبعدها، لكن الأكيد أن وضعًا غير مألوف تشهده هيئات الدولة الراهنة بصرف النظر عن فاعليتها في الواقع؛ فرئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، عمليًا، يمارس -وإن شكلًا- اختصاصات رئيس الجمهورية، فيما يرأس مجلس النواب الشيخ سلطان البركاني، ورئيس الوزراء معين عبدالملك، وثلاثتهم من محافظة تعز، وهو وضع يثير حفيظة البعض في زمن المحاصصات، المناطقية أساسًا، لكنه أيضًا مدعاة قلق العليمي الذي يعرف أن وجوده رهن بإزاحة الرئيسين الآخرين، بادئًا بما هو متاح إقليميًا في اللحظة الراهنة؛ معين عبدالملك.
كذلك تصب الترشيحات لرئيس الوزراء الخلف في أسماء من حضرموت، لتكريس التقليد المعمول به منذ 22 مايو 1990، بحيدر أبو بكر العطاس (1990-1994)، ثم الدكتور فرج بن غانم (1997-1998)، وعبدالقادر باجمال (2000-2006)، ومحمد سالم باسندوة ذي المنشأ والتكوين العدنيين (2011-2014)، وخالد محفوظ بحاج (2014-2015)، وأخيرًا أحمد عبيد بن دغر (2016-2018). واللافت أن بورصة المرشحين تكتظ بأسماء حضرمية مغمورة القاسم المشترك، بينها انعدام الحيثية المهنية والسياسية ما قد يلائم رشاد العليمي.
من هو الفاعل الغائب عن "ولادة" رئيس مجلس الوزراء، وطنيا واقليميا؟
الأحزاب السياسية اليمنية هي الغائب الاعتيادي عن هذا الملف. ولغرض المقارنة علينا أن نتذكر ان اللحظة الوحيدة التي كان للأحزاب راي في شخص رئيس مجلس الوزراء هي في اعقاب اصطفاف سياسي واسع في نوفمبر 2011. وهي على الأرجح لحظة لن تعاد بعدما قررت قيادات الأحزاب السير في مسار يؤدي إلى تسليم اليمن إلى جماعات مسلحة تتبع عواصم الاقليم!