صنعاء 19C امطار خفيفة

وكأن الثورة لم تكن

مرّت سنوات عشر على اندلاع الحرب في اليمن، تلك الحرب التي اندلعت بعد أن تحالف الرئيس الراحل علي عبدالله صالح مع الحوثيين، وانقلب على الدولة ومخرجات الحوار الوطني. حربٌ أطاحت بكل شيء: المؤسسات، الاقتصاد، الأمن، وحتى الأمل. ولكننا اليوم نعيش واقعًا لا يمكن فهمه إلا إذا سلّمنا بأن الثورة التي اندلعت ضد نظام صالح، كأنها لم تكن.

 
فالوجوه التي أسقطتها الجماهير، والسلطة التي ثار عليها اليمنيون، عادت بصور مختلفة، إن لم تكن أسوأ. معظم مفاصل الدولة المدنية والعسكرية في مناطق الشرعية، باتت بيد رجال النظام السابق. يُعاد تدويرهم في كل مؤسسة، ويُقدّمون من جديد وكأن لا تاريخ لهم، ولا مسؤولية عما جرى.
 
هذا الواقع الملتبس يفتح الباب أمام أسئلة مؤلمة: هل أخطأنا حين ثرنا على نظام صالح؟ هل كانت الثورة عبثية؟ هل كان الوضع في عهده -رغم كل المآخذ- أفضل من سنوات الجوع والتشظي التي نعيشها الآن؟ أسئلة تُطرح، ليس من باب الحنين، بل من عمق المعاناة، حين يُقارن الناس بين حدٍّ أدنى كان متاحًا في عهد صالح، وانحدار شامل يلتهمهم اليوم دون أفق.
 
لكن ما يجب أن يكون واضحًا، هو أن المشكلة لم تكن في الثورة، بل في من التقطوها ثم ضيّعوها. فالثوار الحقيقيون، والمقاومون الذين واجهوا الانقلاب الحوثي، لم يُتح لهم الإمساك بزمام السلطة. السلطة خُطفت، ووزّعت على شبكات النفوذ والولاءات، في مشهد يُعيد إنتاج الأزمة بأشكال جديدة.
 
أنا أدعو إلى مصالحة وطنية شاملة، تُعيد الاعتبار لكل من ظُلِم في عهد صالح، وما قبله، وتمهّد الطريق لبناء دولة عادلة، لا تقصي أحدًا. ولكن إلى أن تتحقق هذه المصالحة، فإن من يجب أن يُمنحوا زمام المبادرة اليوم، هم الثوار والمقاومون الحقيقيون، لا أولئك الذين تقمصوا أدوار الثورة وهم أبعد ما يكونون عنها.
سلطات الأمر الواقع اليوم، ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي، تبدو منشغلة بذاتها أكثر من انشغالها بمعاناة الناس. حياة الترف التي يحياها المسؤولون تتناقض بفظاظة مع حياة الذل التي يحياها المواطنون. هذا وضع لا يمكن السكوت عنه.
 
الشعب اليمني لم يثر من أجل استبدال استبداد بآخر، ولا فساد بفساد أكبر. لقد خرج من أجل كرامته، من أجل دولة حقيقية، من أجل عدالة اجتماعية، لا من أجل أن يتوسل الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
ولايزال هناك أمل -وإن بدا بعيدًا- إن أخلص من حول الرئيس رشاد العليمي النية، وتنحّوا عن أنانياتهم، فقد يستطيع حينها أن يُعيد البلاد إلى برّ الأمان.
لكن إن بقيت الأمور على ما هي عليه، فإن أعاصير جديدة تنتظر الجميع، ولن يكون أحد في مأمن منها.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً