في فجر يوم الثلاثاء 19 من ديسمبر، أعلن وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) عن إنشاء عملية "حارس الازدهار" وهي عملية أمنية مشتركة، متعددة الجنسيات تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ،لحماية البحر الأحمر من هجمات أنصار الله (الحوثيين )وهذا ما يهدد خارطة الطريق نحو السلام في اليمن بالفشل مع استمرار التصعيد في البحر الأحمر، وفي خطاب متلفز لقائد جماعة أنصار الله (الحوثيين) عبد الملك الحوثي، توعد باستهداف السفن والحاملات البحرية الأمريكية في حالة استهدافهم بشكل عسكري ومباشر.
فأي استهداف للحوثيين، سوف يقابل بالرد علية، وقد يشمل أيضا السعودية حليفة أمريكا والتي يهددها الحوثين بقصفها في حالة استمرت في إسقاط صواريخها وطائراتها دون طيار المتجهة نحو إسرائيل.
على صعيد آخر قد تتجدد الاشتباكات، بين جماعة أنصار الله ( الحوثيين ) وقوات حراس الجمهورية بقيادة (طارق محمد صالح) والقوات المشتركة في الساحل الغربي وباب المندب، لما تعتبره الجماعة أن هذه القوات إنما هي قوات عمالة وارتزاق لدولة الإمارات المطبعة مع إسرائيل والمحتلة لباب المندب وهذا ما يعطيها شرعية القتال في تلك المواقع وتوسيع نفوذها الجغرافي في اليمن وتشكيل ضغط على الخارج في أي تسوية مقبلة بشأن الحرب في اليمن، يقابلها تدريبات من طرف حراس الجمهورية والقوات مشتركة ومناورات بحرية بزوارق المسلحة، استعدادا لحماية البحر الأحمر من هجمات الحوثيين التي تخدم مصالح إيران في المنطقة وليست من أجل مساندة ودعم الشعب الفلسطيني كما يزعم، وهذا قد يعطي طموح لقوات حراس الجمهورية والقوات المشتركة بالعودة والسيطرة الكاملة على الحديدة والساحل الغربي، بعد الانسحاب منها في نوفمبر2021 من أجل حماية التجارة الدولية، واعتبارها شريك حماية موثوق فيه، يقوي من موقفها السياسي والعسكري في المستقبل.
أما المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة (عيدروس الزبيدي) يرى ما يحصل في البحر الحمر ويقدم نفسه على أنه حليف مستعد للمشاركة في أي تحالف لحماية مضيق باب المندب والبحر الأحمر مقابل تأسيس وإعلان دولة مستقلة في جنوب اليمن، وقد لا يتحفظ عن المشاركة في أي تحالف، في حال وجد ضمانات، يستطيع معها العودة بجنوب اليمن إلى ما قبل عام1990.
تقسيم اليمن أو حتى إعادة تشكيل اليمن بنظام فدرالي أمر مرفوض تماما عند جماعة أنصار الله (الحوثيين)، فحماية اليمن من التقسيم وحتى وإن كان بشكل أداري (فيدرالي) جديد داخل إطار الجمهورية اليمنية، أحد الشعارات التي رفعها أنصار الله (الحوثيين) في حربهم، وهذه المرة قد تعود الاشتباكات بين الطرفين الانتقالي والحوثي، لكن بزخم أكبر للحوثيين، تحت راية "أن الأمريكي والإسرائيلي عجز عن هزيمة صنعاء في البحر والآن يريد تقسيم اليمن بسبب موقف اليمن من الحرب على غزة".
وحاليا مشكلة المجلس الانتقالي، ليست مع الحوثي فقط، بل مع تنظيم القاعدة الذي مع سيطرة قوات المجلس الانتقالي على محافظات شبوة وأبين في أغسطس من العام الماضي، وجه اتجاه بوصلة الهجمات والعداء من جماعة الحوثي إلى المجلس الانتقالي بحجة تحالفه مع أعداء الأمة من أمريكا والغرب، واستعداد المجلس الانتقالي لدخول في تحالفات أجنبية، تعزز رواية تنظيم القاعدة حول المجلس الانتقالي الجنوبي.
العداء للمجلس الانتقالي الجنوبي، هو العامل المشترك بين تنظيم القاعدة والحوثيين ، مع اختلاف مسرح العمليات القتالية فتنظيم ينشط في المحافظات الجنوبية مع توقف عملياته في محافظة البيضاء وسط اليمن بعد سقوطها بشكل كامل بيد جماعة أنصار الله في 2021 بأمر من أمير تنظيم القاعدة (خالد بأطرفي)، وتم تبادل الأسرى بين الطرفين على خلفية معارك البيضاء السابقة.
حزب الإصلاح يدعم المقاومة الإسلامية في غزة سواء كانت حماس أو حركه الجهاد الإسلامي، فالأساس الفكري والمنطلق لهاتين الحركتين هو فكر وتنظيم جماعة (الإخوان المسلمين) والإصلاح يتمنى لنفس المدرسة والفكر، رغم أنكارة في مناسبات عديدة ارتباطها بتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، بعكس المجلس الانتقالي الذي يرى أن جماعة الإخوان المسلمين، جماعة تخريبية متآمرة على البلدان التي تنشط بداخلها.
وبنفس الوقت يتفق الإصلاح مع سياسة الحوثيين في البحر الأحمر في محاولة تخفيف الحرب والحصار على قطاع غزة هذا في الإطار الإقليمي، أما على المستوى المحلي مع انشغال الحوثيين في البحر تتأخر محاولاتهم في تهديد واقتحام مأرب والسيطرة على حقول النفط والغاز، التي يربط الحوثيين السيطرة عليها بقدرتهم على صرف الرواتب والأجور للقطاع العام.
سيئون ووادي حضرموت آخر معاقل حزب الإصلاح في الجنوب والامتداد الشرقي لمحافظة مأرب، هدف المجلس الانتقالي القادم لبسط السيطرة الكاملة على جغرافيا جنوب اليمن.
لكن إذا ما نفذ تنظيم القاعدة عمليات تستهدف المصالح الغربية، وقتها قد يتحرك المجلس الانتقالي صوب وادي حضرموت من أجل إخراج المنطقة العسكرية الأولى من الوادي بحجة دعمها وإيوائها لعناصر من تنظيم القاعدة، وبالمجمل الانتقالي يعتبر تواجد قوات المنطقة الأولى في الوادي قوات احتلال شمالية، ولا بد أخارجها من هناك.
ومع تخفيف الحوثيين ضغطهم على الإصلاح في محافظة مآرب، يتسنى الآن للحزب أن يرتب أوراقه في سيئون والمنطقة العسكرية الأولى، بطريقة التي يمكن معها الحفاظ على تواجده هناك.
تبقى الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا هي الحلقة الأضعف في هذا القلق الدولي والإقليمي، من تطور وتسارع الاحداث في البحر الأحمر، وضعف سلطتها الأمنية والعسكرية في مناطق يفترض أن تكون تحت سيطرتها وتردي الخدمات العامة فيها مثل الكهرباء والصحة، وعجزها عن تصدير النفط، بسبب استهداف الحوثيين لميناء الضبة النفطي، فقلص من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية من رواتب وأجور، ناهيك عن الفساد الإداري والمالي المستشري في مؤسساتها المختلفة، والمزيد من التأكل والتفكك في منظومتها، هو ما سوف يحدث اذا ما تعقد الامر أكثر في البحر الأحمر.
بشكل متزايد ترتفع أصوات المواطنين اليمنيين في مناطق سيطرة أنصار الله ( الحوثيين )، مطالبين بتحسين الأوضاع المعيشة ودفع الرواتب، بما تجمعه الجماعة من أموال الضرائب والجبايات، ومكافحة فساد بعض المحسوبين على الجماعة وحكومة صنعاء، وتخفيف بعض القيود التي فرضت على بعض الحريات العامة والشخصية أثناء الحرب، واستمرار الهدنة من أبريل 2022 وتحولها إلى هدنة غير معلنة بعد أكتوبر 2022، بعد رفض جماعة أنصار الله ( الحوثيين ) التمديد.
تعتبر تجربة جماعة أنصار الله (الحوثيين) في الحروب وتحقيق الانتصارات فيها، حتى وان كانت جزئية في بعض الحالات والمراحل، أكبر من تجربتها بممارسة السياسة والعمل في حالة السلم والهدوء النسبي، وهذا ما يجعلها تشعر بالارتياب والقلق، من أي مطالبات شعبية لتحسين الأوضاع، القدرة العالية التي تتمتع بها الجماعة في السيطرة على المناطق التي تحت سيطرتها، يعود الى المركزية الشديدة التي كانت متبعة في عهد وسلطة الرئيس السابق على عبدالله صالح للأسباب سياسية ومناطقية، وجماعة أنصار الله (الحوثيين) هي من ورثت كل المركزية الضخمة مع مؤسساتها الاقتصادية، ودخول جماعة أنصار الله (الحوثيين) في مواجهة جديدة في البحر الأحمر، قد يأجل الحديث عن أي مطالبات أو طلبات في تحسين الأوضاع المعيشية ومكافحة الفساد في مناطق سيطرتها.