كيف لي أن أكتب هذا السيد.. وريث القصور البيض العائمة في الهواء ومفاتن العيون السود والكادي والبشام؟
كيف لي أن أرسم صورة هذا اللحجي المعطر بقصائد الأمير أحمد فضل القمندان وعبد الخالق مفتاح.. والملون بأصوات المغنين الكبار أمثال فضل ماطر باجبل ومحمد اللحجي وفيصل علوي.
كيف لك أن تكتب مبدعاً كانت رشفته الاولى أغنية وله بيضاء تبث الحنين في المسام وتحرض القلب على الطيران:
بالعيون السود ذي تسبي الأسود
صادني الرغدود منسوب الجدود
وادعى النكران عني والجحود
باسمر ليله على مزهر وعود
باحتفل بك فيه والعالم رقود
باتهجد بك بأشواقي هجود
لذا ليس غريباً أن يكتمل جمال هذا الجمال ويتزخرف باللغة واللحن ويرتقي من طفولته ليكون مدون لحج.. وباحثها وأمير النبش في ما تناساه الخلق من شعرها وإيقاعاتها وألوانها الغنائية..
وليس غريباً أن يركب صباه حصان الآهات والرقص وخيل القصائد.. ليجنح إلى ملائكة خياله تأخذه بعيداً إلى بلدان السحر الهندي.. والجذل ورقصات اللون الأصفر... نعم هو الجميل السيد ولد في معرفة وتعلم المشي على أنغام المقامات.. ترندح بين القاف المشرعة في القمر والشين اليانعة في الشمس...
هذا الذي يلاعب الفتنة ويقايض السكون بـ"يا ليل نال مني زمناً كي أعرفه وأتعرف اليه.. فهو لفرط بساطته يجعلك تقف في مركز الحيرة تحديداً.. كيف لقامة مثل هذه أن تمطرك بوابل تواضع محير كهذا.. من هنا قررت ملاحقة سره لأدرك انني أقف إزاء أحد كبار الباحثين، وأحد كبار الأساتذة وأحد العلامات الفارقة في تاريخ اليمن الحالم بسعادة السلام.. فهو أبن سلطنة لحج.. واحة العجائب وأعجوبة الجغرافيا والتاريخ.. رجلٌ يشبه صوت الشيخ علي بن زياد بعمقه وثرائه وامتداده.. رجلٌ عاش بين الإيقاع والكتاب.. وشارك مدينته أسرارها فصار عارف لحج وأحد علاماتها التي تستحق أن يكتبها المؤرخ احمد بن فضل العبدلي.. كأحد أبراج المدينة.
لا أكتمكم.. من الدكتور جمال السيد والبردوني وابو بكر الفقيه تعلمت اليمن.. وأدركت سر عظمتها وامتداداتها العجائبية.. كنت اتابع هذا الجمال السيد لأرى عن أية دهشة يتحدث.. وكنت أتساءل ما هذه اللحج التي يتحدث عنها؟
أيعقل أن تمتلك مدينة صغيرة كل هذا!
وهكذا أخذني السيد في رحلة أسراره ليشكل في وعيي منعطفاً كبيراً.. واكتشافاً مذهلاً...
مدينة بطعم زيت الجلجل وبجمال دار العرائس وبسحر الـ"با" التي تشكل أحد علاماتها اللغوية الغريبة.. فاللحجي يلفظ الغين ألفاً فتنتج الإشباع للتعويض عن الألفين... يا للجمال كأنهم يخبرونا أن الغين ممتدة.. إلى ما شاء الجمال.
لذا قالت لحج "قصدي من الزين نظرة".. أي عفاف هذا وأي سباحة أخاذة في المعنى... لا أدري لماذا أخلط بين جمال السيد ومدينته.. لأنه هو المدينة.. أم لأن المدينة بعض صداه؟
أجد من الصعب أن تكتبه دون أن تحشد معك كل افراح لحج واحزانها وتاريخها وقصائد فخرها وانكسارات عشاقها وفرسانها واكماتها.
نعم هو اللحجي الدكتور الباحث الشاعر الرجل الذي يعني "الثراء" بوافر امتدادات ثراء المعن..
عبدالهادي سبيت وصلاح فقيه.. والمغلس والنعمان وصالح نصيب وكل علامات القافية الراقصة في دفاتر تاريخ لحج.
كما أنه فيصل علوي وعبد الكريم توفيق والقمندان وصالح حمدون وسعيد العودي.
هذا الرجل بوابة لحج.. هو المدينة بسمرتها اليانعة وقلبها الأبيض وامهاتها الوافرات السعادة وأطباقها التي جمعت كل طقوس الجغرافيا
جمال السيد.. يا صديقي.. حين أكتبك أجدني كمن يبحث عن مفتاح السر.. ما أعظمك باحثاً ومربياً ومدوناً وشاعراً ولحجياً.
* من مدونة جمال السيد وصفحته على فيسبوك 2017.