صنعاء 19C امطار خفيفة

بيومي مراد

2025-05-27
بيومي مراد
بيومي مراد( الصورة من إرشيف الكاتب)

مناضل عدني جسور من آل خليفة الكرام، لم أعرف من هو أشرف وأشجع وأصدق وأوفى منه لبلده وأصدقائه، أشار إليه الأستاذ الباحث والمؤرخ المعروف بلال حسين غلام، في كتاب له عن الذاكرة العدنية، مع صورة صغيرة له أيام صباه يوم كان رياضيًا في طليعة الحركة الرياضية العدنية (كنا أقدم بلد يشهد ازدهارًا في لعبة كرة القدم).

 
بيومي مراد هو من آل خليفة كما أسلفت، واتخذ له اسم بيومي تيمنًا بالراحل الكبير حسن علي بيومي، أول رئيس لوزراء عدن، وللترابط الأسري بين آل البيومي، وآل خليفة.
 
بيومي مراد، درس في ألمانيا وأتقن لغتها، وحصل بعد عودته على رتبة عسكرية. ولما هو معروف عن شخصيته من جسارة وإقدام.. كان دائمًا يُختار للمهمات الصعبة.. وفي مواسم اختطاف الرهائن من السواح الأجانب في اليمن بعد الوحدة، اختير ليرافق السواح الأجانب في تنقلاتهم في ربوع اليمن، يرافقهم ويحرسهم بسلاحه طبعًا.. وبمعيته يرجعون سالمين إلى فنادقهم.. (كنت أتمنى تضمين منشوري هذا بصورة له، فلو تكرم أحد من آل خليفة الكرام أو غيرهم بإرسال صورته لأضمنها منشوري هذا، أكون شاكرًا له).
 
في أواخر، أو بالأصح نهاية حرب1994م، وهزيمتنا فيها، قام بيومي مراد بكامل عدته العسكرية وسلاحه، بمرافقة واصطحاب قيادات الجنوب الكبيرة إلى منفاهم الاختياري في الخليج -في سلطنة عمان، وغيرها- قيل له: ابقَ معنا هنا، فأجاب: كلا.. سأرجع إلى بلدي، إلى عدن.. فالوطن هو الوطن، جنة.. أو محنة.. وعاد إلينا.
 
قبل كل الملاحم المحزنة التي مرت بنا، وفي منتصف الثمانينيات عقب أحداث يناير، كان المنتصرون يحتفظون بالكثير من المعتقلين في عدة سجون ومراكز اعتقال، وكان من بينها مركز "المشاريع اليمنية السوفييتية" في أطراف الشيخ عثمان.. ومن بين المعتقلين كان لنا صديق بريء من تلك الأحداث.. ومع العزيز حامد جامع كنا نتداول اسمه، ونفكر في طريقة للإفراج عنه، قال حامد: مافيش معانا غير بيومي مراد يسوي لنا بصر! وذهبنا إليه.. فاتحه حامد جامع بالموضوع.. وأعطاه الاسم، وحاول أن يشرح لمراد أوصاف الصديق المعتقل.. وخلال ذلك قال بيومي: اصبر.. اصبر.. حرام عليك.. عرفته.. عرفته تمام.. خلاص ولا عليكم.. سيبوا ذا الموضوع عليّ.
 
من يلجأ إلى بيومي مراد لا يرجع خائبًا.. قال مضيفًا: الموضوع يشتي له تمثيلية محكمة، وأنا أعرف قليل في التمثيل.. خلاص خلاص.. إن شاء الله بكرة الصبح بااروح له.. في المشاريع اليمنية السوفييتية قلتوا لي؟ أيوه... خلاص تمام.
في صباح اليوم التالي، لبس بيومي كامل الدريس العسكري، اليونيفورم يعني، مع رتبة رائد! وتوجه إلى مكان الاعتقال.. عند باب الحراسة قام العسكري هناك عندما رآه وأدى له التحية العسكرية.. قال له بيومي: في واحد محبوس خطير موجود عندكم، وأنا مكلف بنقله إلى حبس رأس مربط.. فينه..؟ اسمه فلان ابن فلان آدمي (عذرًا لا أريد الإفصاح عن الاسم) فينه؟ قال الحارس: داخل.. باجي أوري لك ياته.. ودخل الاثنان، وواجه بيومي الشخص المطلوب، وبادره بالقول: انته فلان ابن فلان؟ أجاب السجين: أيوه أنا يا سيدي، أنا.
 
لم يمهله البيومي كثيرًا لأي كلام.. وبسرعة أمسك به من شميزه وجره إليه بعنف.. وقال: انته يا خاين يا عميل! وربخ يده وقوح المحبوس كف حامي بسرعة مذهلة.. لطمه بقوة على خده.. وقال: امشي معي باشلك.. عندي تعليمات من فوق بنقلك من هنا.. ونظر حوله، وأضاف بقوة في الجموع: نفسوا الطريق! ونظر إلى الحارس، وشكره وهو يقول له: قلت لي اسمك من؟ فأجابه الحارس.. فقال له: تمام.. مرة واحد تمام.. باشوف القيادة منشان ترقيتك.. وسعوا.. شكره الحارس وأدى له تحية عسكرية معتبرة وهو يخرج مجرجرًا بيده صاحبنا المحبوس الذي خرج معه إلى الحرية!
 
لا ندري أنا وحامد جامع كيف نعبر عن مدى شكرنا وامتناننا للبيومي.. بخاصة لإدائه البالغ الروعة.. وكذلك الخطورة.. لكنه البيومي مراد.. من كماه.. ومن يقدر عليه!
عندما زار عدن وزير الداخلية العظيم يحيى المتوكل.. قابله البيومي.. وأعجب المتوكل بأداء البيومي.. وأمر له بترقية استثنائية استحقها بجدارة.. كانت خسارتنا في الوزير المتوكل فاجعة حين دبرت له أجهزة الأمن حادثًا مروعًا فجر سيارته وأودى بحياته.. وظل البيومي مراد يلهج بعرفانه له إلى آخر أيام عمره.. بيومي مراد.. نعم.. بيومي مراد.. من زيه في عدن كلها؟ من يشبهه؟ من كماه؟
بيومي مراد كان قلادة حب على صدر عدن... وعلمًا بارزًا من أعلامها العالية.
 
27 نوفمبر 2023

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً