لا يمكن أن تستمر بيئة الانقسام السياسي في اليمن بهذه الخصوبة التي نراها الآن. على الجميع أن يعمل على بقاء باب الحوار والمصالحة مفتوحًا، فلا مناص لليمنيين إلا بالاعتراف ببعضهم، فهم أحوج من أي وقت مضى للسلام والمصالحة الوطنية.
صحيح أن ميدان المصالح والمنافع أصبح مُشرعًا للعقليات الانتهازية، تصول وتجول، بل تتفنن في ممارسته دون الاكتراث للدماء التي تسيل على خارطة وطن، تتصلب شرايينه، ويُمنع عنه الحياة، ويستمر أبناؤه في الاقتتال البيني، ومعه تضيع فرص السلام، ويتراءى للجميع صورة مُحزنة لأطلال وطن يضيع، لكن هذا لا يعني أن يفقد اليمنيون الأمل، ولا التراجع عن خيار السلام. هناك تجارب إنسانية ملهمة في هذا الشأن، فلا شيء مستحيلًا البتة.
في خضم حالة التّيه هذه يجب أن تكون هناك لحظة استيقاظ وطنية مُنقذة، كما أننا بحاجة للالتقاء والابتعاد عن الرؤى المنفردة، التي تعطي مقاربة غير صحيحة للواقع السياسي وتجلياته وغرائبيته. بالطبع هذه حالة يمنية خالصة! بشكل ملح يرى الكثير من المتابعين للشأن اليمني، أنه لا بد أن تتحرك البواعث الوطنية لتجنب المزيد من تداعيات الحرب المؤلمة بعيدًا عن التصورات الذاتية، التي تنطلق من حيثيات غير منطقية تُراعي "الآخر"، وتتجنب التحرش به، ولا تقوى على رفض إملاءاته وشروطه المميتة للذات اليمنية.
بالطبع، يجني اليمنيون اليوم ثمار هذا الارتباط العجيب، الذي يصفه البعض بـ"التاريخي"، يحمل وزره وأثقاله الشعب اليمني، ويدفع ثمنه كلما تحركت المصالح وأخذت تنهج طريقًا متعرجًا "معتادًا" لا يصل إلا لهذه النهاية المفجعة التي نعيشها ونتجرع مرارتها. صحيح أن لا أحد يمارس السياسة ببراءة، ولكن الحقيقة بذاتها أيضًا أن الأمر ليس بسياسة، بل مُتاجرة بمستقبل ومصير شعب بأكمله مازال يعاني الأمرين.
على مدى التاريخ السياسي اليمني، تتعدد النهايات دون أن تكون أي منها تفضي للاستكانة والتئام الجرح، والبدء في تطبيق عملي يرسي مداميك الدولة المنشودة، التي دومًا ما يظفر اليمنيون في النهاية بالخيبات، وما أكثرها!
وعطفًا على ما سبق، علينا أن نبدأ في أولى الخطوات نحو السلام كما أسلفنا، ونختار أقرب التصورات الممكنة لكي تنتهي فيها كوارثنا، ونحلق في فضاء آخر لا تُلبده روائح البارود وأزيز الرصاص.