غداة كامب ديفيد المشؤومة جاء بيجن ذلك الصلف والمتعجرف، وكان يومها رئيسًا لوزراء إسرائيل، وخرج حتى عن أدب الضيافة، قالها بعنجهية وهو يحوم بالهيلوكبتر حول الأهرامات:
"حق أجدادنا"..
وعندما قالوا لإسرائيل إن منظمة التحرير تعترف بوجود إسرائيل مقابل اعترافكم بها ممثلة للفلسطينيين، قالوا وبكل غرور:
لم نطلب منكم الاعتراف بنا ولا نريده..
كانت أمريكا ريغان يومها تريد أن يحصل ما حصل فحصل، وبعده وبرغم عودة عرفات والاجتماعات وتخطيط الخريطة مناطق "أ" و"ب" و"ج" إلى آخره، لم يأتِ الحل، ولم يتقدم حتى خطوة واحدة، وظلت غزة -أريحا أولًا حبيسة الملفات، ولم تخرج منها، ولم تخرج.
لو أعدنا الاستماع إلى نتنياهو وهو يحدث جنوده المشبعين بالتعالي على البشر، هو يقول لهم:
"نحن النور" وهو "الظلام".
بكل عجرفة رآها العالم "المتحضر"، ولم يجرؤ على أن يقول:
لا.. لأن المسيحية المتعصبة للأسطورة مقتنعة بما يقول، السؤال موجه إلى من طبّع:
كيف ترى وقد طبعت مع إسرائيل وهي تصفك بابن الظلام؟!
المشهد الذي يبكي الحجر بالأمس وشاهده العالم المنافق، يقول بأن إسرائيل تقوم بما عليها القيام به، كما قال لهم "نون بن أشعيا"، نبيهم المزعوم أو الموجود سواء في كتبهم أو في الواقع!
سيارة تسير بأمان الله في شارع صلاح الدين بغزة، تفاجأ بدبابة في شارع جانبي، يعمل السائق على العودة، لكن الدبابة لم تمهله، لقد حولته وسيارته ومن عليها إلى أشلاء! سمعتم صوت المصور يبكي، لكن العالم المتحضر لم يذرف دمعة، لأنه يؤمن كما يؤمن جنود إسرائيل بأن "هؤلاء الفلسطينيين وحوش بشرية"، مكانهم باطن الأرض، وبعدهم العرب، وبعدهم كل من ينتمي إلى الإسلام!
ماذا قال، وهو بالتأكيد يشاهد ما جرى، محمد بن زايد؟ ماذا كان تعليقه؟
كيف علق ملك البحرين ،وعبدالفتاح البرهان، وملك المغرب؟ كيف وصفوا لأطفالهم ما جرى؟
في فيديو قصير من العام 86، يقول بايدن: لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها. كيف لرجل يقول: أنا صهيوني، أن يكون طرفًا محايدًا؟
أهم أن أمريكا لها مصالحها، ونحن لا ندري أين هي وما هي مصالحنا، لكن العدل تجده أحيانًا حتى لدى القراصنة وقد أفحمتهم الحقائق أمامهم؟
ظل أنور السادات رحمه الله -وأنا هنا لا أحب التخوين- يردد أن 99% من قواعد اللعبة في يد أمريكا، وقام بطرد الخبراء السوفييت! ما هي النتيجة غير كتاب جيهان عن سلام لن يأتي حتى لو أعلنوا عن ألف كرسي للسادات في جامعاتهم!
لينزل المطبعون ومن يريد التطبيع إلى الشارع المصري العظيم، ويسأل أول من يلتقي عن علاقة الشارع بالإسرائيليين، سيرى أن مواطنًا مصريًا واحدًا لا يعرف حتى أين تقع السفارة الإسرائيلية، قد تكون لاتزال تحتل شقة في عمارة "يعقوبيان" لتحتمي بالسكان الذين لا يردون السلام حتى على السفير!
أقول، وبكل تواضع لا يملكه عبدالرحمن الراشد، لولي العهد السعودي:
إسرائيل تريد ثرواتكم فقط، وأنت تعرف حكاية شيلوك التي تتكرر كل لحظة، و للمتابع الحصيف تابع بأية لهجة يتكلم نتنياهو عن التطبيع مع السعودية؟
على طريقة صاحبي:
يستطيعون غصبًا عنكم، فوراءنا أمريكا..
كوشنر المثلي الحقير، صهر ترامب ذلك، والذي استفاد من السعودية ملايين الدولارات، قال فقط بالأمس الأول 29 أكتوبر:
السعودية لاتزال مهتمة بالتطبيع مع إسرائيل! يعني، غصبًا عن اللي خلفوكم ستطبعون! طبعوا، ونتمنى لكم التوفيق..
في التطبيع، إسرائيل هي المستفيدة، واسألوا ضاحي خلفان.
نقولها وليسمع من يريد:
حتى لو ركعتم أمام إسرائيل، فلن ترضى عنكم، والأيام بيننا كما يرددها عبدالباري عطوان الذي أصبح في الضفة الأخرى.
إسرائيل بفضل أمريكا والغرب كله، ومعرفتها أن تسيطر على كل اللوبيات، وعلى المال في العالم، مغرورة، ومتعالية، متعجرفة، لا يعيدها إلى الأرض من السماء سوى مقاتل من الفلسطينيين، وإمكاناتهم المحدودة، إيمانه بقضيته أقوى وأمضى سلاح يعيد إسرائيل إلى رشدها.