شرعت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، عقب عيد الفطر المبارك، أول قرار للفصل بين طلبة الجامعة ، وقد تفاجأ الطلبة بجدول دراسي يحدد فيه قاعات الدراسة للطلاب وأخرى للطالبات، ولكن لم يكن لهذا القرار أي صدى إعلامي كما حدث في كلية الإعلام بداية العام الدراسي الحالي2023/2024، وقد واجه القرار آنذاك الرفض من قبل بعض دكاترة الجامعة، وتم حينها التواصل مع رئيس الجامعة الذي بدوره وجه بإلغائه، وقد طبق نظام الاختلاط على الأقسام الصغيرة في الجامعة، من بينها قسم اللغة العربية، بينما ظل القرار ساريًا على الأقسام الكبيرة، حيث يوجد عدد كبير من الطلبة (ذكورً وإناثًا).
بدأ خبر قرار الفصل بالإنتشار بين الطلبة عقب عيد الأضحى المبارك في جامعة صنعاء، ولم تحدد الجهة التي أصدرته، ولكن هناك إجماعًا واسعًا داخل جامعة صنعاء بأنه جاء من مكتب زعيم جماعة الحوثي"عبدالملك الحوثي"، ويعد ملتقى الطالب الجامعي الذي تأسس أواخر 2015م، هو المعترف به داخل الجامعة، بعد إلغاء اتحاد طلاب جامعة صنعاء، ويعمل تحت إشراف رئاسة الجامعة، وهو المسؤول عن إبلاغ الطلبة بالقرارات التي تتخذ سواء من داخل الجامعة أو خارجها، كما حدث حينما تم إبلاغ طلاب وطالبات كلية الإعلام عبر قناتهم على "تيليجرام" بجدول الدراسة الذي يحدد فيه ثلاثة أيام للطلاب ومثلها لطالبات، على أن تكون أيام السبت والأحد والاثنين للطلاب، والثلاثاء والأربعاء والخميس للطالبات، كما تم وضع جدول منفصل لطلاب والطالبات في الكليات التي تحتوي على عدد كبير من الطلبة مثل كلية التجارة والاقتصاد وكلية الطب والزراعة وغيرهم.
قرار لم يتقيد بالأنظمة واللوائح
جدار الفصل بين الطلبة داخل جامعة صنعاء(AFP)
ويعد القرار الذي تم اتخاذه خارج مؤسسات الدولة، ودون التقيد بالدستور والأنظمة واللوائح المنبثقة عنه، جزءًا من سلسلة لانهائية من الإجراءات الأخلاقية التي تمس الحقوق الأساسية للنساء والفتيات اليمنيات، في التعليم والعمل، بحسب أستاذ علم الاجتماع السياسي عبد الكريم غانم.
من جهته اعتبر أستاذ الفلسفة بكلية الآداب الدكتور جميل عون هذا القرار ليس أكاديميًا البتة، كون الجامعة منذ تأسيسها كانت تعتمد النظام المختلط مثل بقية الجامعات في العالم.
وقد أثار قرار الفصل بين طلاب وطالبات جامعة صنعاء استياء الكثيرين في أوساط الطلبة ودكاترة الجامعة، واعتبروه من القرارات التي تبنى على الفصل الجندري بين الرجال والنساء تحت مسميات مختلفة، وهو ما كانت تحاربه النساء خوفًا من الإقصاء الذي ظهر مسبقًا من قبل بعض الجماعات الدينية، وازداد بشكل مرعب جدًا بعد حرب 2015.
وأكد عون في حديثه لـ"النداء" أن فرض أفكار جماعة الحوثي على المجتمع سواء في الجامعة أو غيرها، أبرز المرأة كقضية رئيسية لديهم مثلهم مثل باقي تيارات الإسلام السياسي ومذاهبه المختلفة.
من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي عبدالكريم غانم، في حديثه لـــ"النداء"، أنه وفي حالة سريان مثل ذلك القرار، فهو يعد الخطوة الأولى لمنع الفتيات من التعليم، كما حدث من قِبل حركة دينية أخرى مثل "طالبان" التي اتخذت قرار منع الإناث من التعليم الثانوي والجامعي، بعد سنوات من سيطرتها على السلطة في أفغانستان.
وأكد أن قضم الحقوق والحريات الأساسية للنساء والفتيات ولمختلف فئات المجتمع، يتم بالتدريج؛ إذ كلما تمكنت الجماعة المتشددة من الحكم، ظهرت بوجهها الحقيقي.
نظام قائم على الاختلاط
طلاب وطالبات كلية الآداب خلال فترة الثمانيات( شبكات التواصل)
ويعد نظام التدريس في جامعة صنعاء التي تأسست عام 1970، قائمًا على الاختلاط بين الطلاب والطالبات، وذلك من أجل خلق جو تنافسي بين الجنسين، وما حدث اليوم جعل البعض يسيء بشكل متعمد للجامعة، ويتعامل معها كأنها مرتع للفساد الأخلاقي.
ويؤكد الدكتور هاشم محمد ناجي، ممثل نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة صنعاء، في حديثه لـ"النداء"، أنه لا يوجد أي مبرر لاتخاذ قرار الفصل بين الطلاب والطالبات، حيث وللأسف أظهر هذا القرار كأن وجود الطلبة ذكورًا وإناثًا في الكليات في نفس الوقت، يصاحبه تصرفات غير لائقة قد تصل إلى الفحش والفجور، وهذا ما ينافي واقع جامعة صنعاء منذ افتتاحها وإلى الآن.
ويقول ناجي: "كما يؤدي في الأخير إلى الإساءة إلى سمعة جامعة صنعاء ومنتسبيها، وبخاصة بناتنا الطالبات. وكأن جامعة صنعاء كانت مرتعًا للفسق والفجور، وجاء مُصدر هذا القرار ليعيدها إلى طريق الشرف والأخلاق".
ويتابع: "على مدى الخمسين سنة الماضية منذ إنشاء الجامعة إلى الآن، كانت علاقة الطلاب والطالبات علاقة لا تشوبها أية شائبة، فهي علاقة زمالة بحتة، ولا تصل إلى ما يحاول هؤلاء أن يصوروه عن هذه العلاقة، متناسين أن المجتمع اليمني مجتمع محافظ، ويمتلك عادات وتقاليد، ويتمسك بالدين والمعتقدات، كما أن هناك حدودًا معروفة تتحكم في هذه العلاقة، ولا يمكن للطلاب أو الطالبات أن يتجاوزوها".
وسيعيد قرار الفصل بين الذكور والإناث الجامعة مائة عام إلى الوراء، إلى عصر الحرملك، كما يصف الدكتور ناجي.
المجتمع يحرص على القيم
وبما أن المجتمع اليمني.. مجتمع بُني على الأخلاق واحترام الآخر، خصوصًا في الحرم الجامعي، حيث يجمع طلبة من فئات عمرية مختلفة، فقد كانت العلاقة بين الطلاب والطالبات منذ القدم مبنية على ذلك الأساس، وهنا يقول الدكتور غانم: "اتسمت العلاقة بين طلاب وطالبات جامعة صنعاء وغيرها من الجامعات اليمنية، بالاحترام"، متابعًا: "ولأن قيم الشرف والعفاف من أعلى القيم التي يحرص المجتمع اليمني على حمايتها تحت أي ظرف من الظروف، فقد ظل سمو هذه العلاقة بين الطلاب والطالبات بمثابة صمام الأمان لترك باب التعليم الجامعي مفتوحًا أمام عشرات الآلاف من الفتيات اللاتي يلتحقن به سنويًا، حتى فاق عدد الطالبات أعداد زملائهن الطلاب في العديد من التخصصات، وظلت العلاقة التاريخية بين الجنسين فوق مستوى الشبهات".
وشدد الدكتور ناجي على ضرورة وجود الطلبة ذكورًا وإناثًا في مكان واحد، لأن ذلك سيغير من طريقة التفكير المريضة، ويعلمهم أسلوب التعامل اللائق والراقي الملتزم بحدود الأدب والأخلاق والتعاليم الدينية التي لا تمنع ذلك -حد قوله- في الحرم المكي، فكيف بالحرم الجامعي المشابه له في قدسيته؟!
انعكاسات قرار الفصل
وفي ظل الظروف الراهنة، وانقطاع المرتبات، تعجز الجامعات اليمنية عن توفير الحد الأدنى من الأكاديميين لتلبية احتياجات الكليات والأقسام بالتخصصات المطلوبة، يرى الدكتور غانم أن مستوى النقص في الكوادر المطلوبة عندما يصبح الاحتياج للكادر التدريسي مضروبًا في اثنين، بما يعنيه ذلك من رفع لكلفة التعليم الجامعي الذي يرهق كاهل الطلاب والطالبات، ويسهم في المزيد من التراجع للتعليم الجامعي، كمًا ونوعًا، في ظل سيطرة سلطات أمر واقع معنية برفع الرسوم الدراسية وتعقيد الإجراءات، وغير ملتزمة بدفع الرواتب والنفقات التشغيلية للجامعات.
ويؤكد أن لهذا القرار انعكاساته الكارثية على عملية التعليم، لا سيما وأن وقع التعليم الجامعي حتى قبل هذا القرار متردٍّ، ومستوى الإقبال عليه في أسوأ حالاته.
ويؤكد الدكتور عون أن التزاماتهم كدكاترة ستكثر طيلة الأسبوع في المحاضرات، وسيغيب تمامًا الجو المتعارف عليه، والتنافس العلمي بين الطلبة ذكورًا وإناثًا.
رفض القرار وإعفاء الأغبري
الدكتورة سامية الأغبري(شبكات التواصل)
وبسبب رفضها لقرار الفصل التعسفي بين طلاب وطالبات كلية الإعلام، أعفيت الدكتورة سامية الأغبري من رئاسة قسم الصحافة والنشر الإلكتروني بكلية الإعلام جامعة صنعاء.
وأوضحت الأغبري، في بلاغ صادر عنها، أن قضية إعفائها ليست المشكلة بحد ذاتها، وإنما ينبغي التضامن مع المرأة ليس في كلية الإعلام، ولكن في كافة كليات الجامعة، وقالت: "ينبغي أن يتوجه التضامن نحو قضية الفصل التعسفي بين طلاب وطالبات كلية الإعلام، والذي ليس له مبرر علمي أو قانوني أو أخلاقي".
وتابعت: "بالعكس، فالدراسة المختلطة تخلق بينهم التنافس الشريف، وتقوي أواصر علاقات الزمالة المهنية بين إعلاميي وصحفيي المستقبل من الجنسين، من حيث تبادل المعلومات والخبرات، والتنسيق لتأسيس مشاريع صحفية وإعلامية مشتركة تسهم في خدمة المجتمع".
وأشارت الأغبري إلى أن كلية الإعلام يفترض أنها من كليات القمة، والتي تحتاج إلى تطوير وتحديث بنيتها التحتية، مؤكدة أن من يدرس فيها هم نواة لقادة الرأي وحملة مشاعل التغيير للأفضل، ويقوم على عاتقهم مهمة تثقيف وتنوير وتوعية المجتمع ومكافحة الفساد ومواجهة الظلم والاستبداد.
وأكدت ضرورة التضامن مع المرأة بحيث تتمكن من الحصول على حقوقها بموجب الدستور والقوانين النافذة، وتمكينها من المناصب القيادية في كافة كليات جامعة صنعاء وغيرها من الجامعات اليمنية.
تهميش رئاسة الجامعة ومجالسها
وبالعودة إلى القرار الذي تم اتخاذه، فقد اتضح أنه لم يكن لرئاسة الجامعة ومجالسها أية مشاركة في وضعه أو العودة لهم كونهم من يمتلكون شرعية اتخاذ القرارات التي تتعلق بالجامعة.
وأكد الدكتور غانم صدور هذا القرار من خارج مصدر القرار الجامعي المتعارف عليه، أي مجلس الجامعة، وهو الهيئة المكونة من عمداء الكليات ورئيس الجامعة، وأشار إلى تهميش رئاسة الجامعة ومجالسها، الذي من شأنه أن يخلق المزيد من الإحباط لدى قيادة الجامعة وعمداء الكليات، ناهيك عن تأثيره في تحويل بيئة العمل الأكاديمي إلى بيئة طاردة، حيث سيؤدي إلى إجبار الأكاديميين على العمل ساعات أطول، دون أن يقابل ذلك زيادة تذكر في مداخيلهم، الأمر الذي يدفع من تبقى منهم للهجرة، بحثًا عن حياة معيشية أفضل.
وصي للأخلاق
وبدلًا من العمل من أجل تطوير التعليم الجامعي، تعمل سلطات صنعاء متمثلة بـ"ملتقى الطالب الجامعي"، على التنصل من مسؤولياتها، وتقديم نفسها كوصي على الأخلاق. ويرى الدكتور غانم أنه ولكي لا تُطالب سلطة الأمر الواقع بالقيام بمهام الدولة المتعارف عليها، من خدمات أساسية وتحديث وتنمية، تقدم نفسها كوصي على الأخلاق، ويعتبر أن قرارات فصل الطلاب عن الطالبات، أو تغيير واجهات الكراسي في الباصات، ومصادرة أحزمة البالطوهات، ما هي إلا أدلة كشفت للمجتمع المدني وللعالم حقيقتها كجماعة متطرفة، تسعى لتعميم منظورها الأصولي المرتبط بثقافتها القروية على شعبٍ بأسره، دون أن تلقي بالًا لما راكمه المجتمع اليمني من مكتسبات وحقوق وحريات.
واضاف "غاية هذه السلطة ترويض المجتمع المدني على السمع والطاعة، بغض النظر عن الولاء لها من عدمه، تمهيدًا لما هو آتٍ من إجراءات وسياسات يمكن أن تكون أكثر شدة".
ويعد قرار الفصل بين الطلبة والطلبات الذي اتخذته جماعة الحوثي في صنعاء من ضمن سلسلة قرارات تسعى الى الفصل بين الذكور والاناث ليس على مستوى الجامعة وحسب بل وفي المعاهد والمدارس والهيئات والمؤسسات الحكومية ، في وقت كانت قد تخطت فيه اليمن عقلية الفصل بين الجنسين ومحاولة دمج المرأة في المجتمع .