صنعاء قصيدة نثر - عبدالباري طاهر
استضافت صنعاء ملتقى الشعراء الشباب العرب. توافد إليها العشرات فتيانا وفتيات من كثير من البلاد العربية. وكان شعراء وشاعرات "النص المفتوح" هي السمة الرئيسة والغالبة. وعلى مدى أكثر من أسبوع شهدت المدينة التي استضافت "الملتقى الأول للشعراء الشباب العربـ" في العام 2004 وهو عام صنعاء «عاصمة للثقافة العربية». شهدت حضورا داهشا للقصيدة الأحدث.
ويقينا فإن ما يحسب لصنعاء روح المغامرة، والانفتاح على الجديد الشعري والذي يعده بعض التقليدين خروجا على المألوف والقيم والتقاليد البالية، بل يقترب من الكفر. لقد دوت الفعاليات قصائد: عمودية وتفعيلية وقصيدة نثر وكانت قصيدة النثر هي الاكثر حضورا وتوهجا. في اليمن كانت السبعينات البداية الحقيقية لولادة قصيدة النثر. وكان الشعراء: محمد انعم غالب و عبد الرحمن فخري، وعبد الودود سيف، والقرشي عبد الرحيم سلام ونبيلة الزبير وحسن اللوزي ومحمد المساح و محمود الحاج وعبد اللطيف الربيع وعبد الكريم الرازحي وحسن الوريث و عبد الله قاضي وشوقي شفيق وزين السقاف وعبد الرحمن إبراهيم وعبد الكريم الحنكي في طليعة مؤصلي القصيدة.
صنعاء دائما تأتي متأخرة. و لكنها هذه المرة بادرت إلى تأسيس مركز دوري سنوي لقصيدة النثر التي تعبر عنه حداثة داخل الحداثة. وهي وان عرفت الولادة المتأخرة لهذا اللون الشعري إلا انه قد اخذ مساحة طيبة فيما ينشر من دواوين ومجلات وملاحق أدبية. صحيح انا قصيدة التفعلية وهي صنو لقصيدة النثر ونشآ معا في مجلة شعر في بيروت، إلا ان التفعيلة قد أزاحت العمود عربيا عن مركز الصدارة، وحققت انتصارات باهرة في الحياة العامة، وفي الجامعات، و مراكز التأثير والنشر، وأصبح نقدها هو المسيطر والسائد. بينما لا تزال قصيدة النثر في الظل، اقرب للنخبوية، وللذهنية الأكثر تفتحا وحداثة وقبولا للجديد. ويلاحظ ان نقدها ونقادها أكثر ندرة واقل اهتماما وفاعلية.
لقد جرى في المهرجان احتفاء وتكريم للناقد الكبير كمال أبو ديب، وهو ناقد أكاديمي مرموق في مستوى عربي ودولي، وكان إلى جانب رفيق دربه الفقيد الكبير الناقد والمثقف والمناضل ادوارد سعيد علامتين مضيئتين. وللمحتفى به أثر عميق في قراءة ونقد القصيدة الجاهلية " جدلية الخفا و التجلي في...... والرؤى المقنعة وفي البنية الإيقاعية، وألف ليلة وليلتان في نقد الرواية ". كما انه قام بترجمة كتاب ادوارد سعيد "الاستشراق". والكتاب من الأعمال الفكرية الحوارية مع الفكر الاستشراقي الأوروبي، فقد اسقط ادوارد خرافة ثنائية الشرق والغرب وفنَّد مزاعم التنميط لصورة العربي في الذهنية الاستعمارية الأوروبية. وكانت ترجمة أبو ديب عملا إبداعيا بكل المعنى. الاحتفاء والتأسيس لمهرجان القصيدة الحديثة عمل ثقافي وإبداعي قومي. وصنعاء المحاصرة بالقبائل المدججة بالأمية والسلاح، المحكومة بالتخلف والجهل المتسيد، عندما تفتح أبوابها لزهور التجربة الأكثر حداثة في الشعر فإنها تنتصر على حصارها شبه الأبدي، وتنتصر في الوقت نفسه على القيم والتقاليد والإرث المستبد والبليد الذي يحاول الحكام جعله مقدسا وأبديا.
كثيرون لا يدركون القيمة العظيمة لتواصل صنعاء مع الحداثة والفكر والشعر الحديثين. فالسور المعنوي المضروب على صنعاء والمفروض منذ عهود الظلام الأمامي والحروب الكالحة،تجعل فتح أي شباك أو نافذة أو كوة، عملاًرائعاًوعظيماً. وندرك سلفا ان الحداثة في الوطن العربي محاصرة ومعاقة،وبالأخص في اليمن؛ اليمن رغم بعض مظاهر التمدن والحداثة والتحضر ما تزال تعيش عصور ما قبل الدولة... وللقبيلة السياسية نفوذ أي نفوذ في مختلف مناحي الحياة. والفاجع ان تصور الحداثة الشعرية واستضافتها -مجرد استضافتها- انها آخر علائم التطور والتقدم وانتصار الجديد.
ان الحكم العربي كله حتى في أكثر المراكز شمولية ودكتاتورية يسمح بلون من ألوان الحداثة الأدبية. ولكن الحداثة بالمعنى العام للحياة الاقتصادية الاجتماعية الثقافية،وبناء دولة ديمقراطية حديثة، اقتصاد مزدهر وقوي يرتكز على الصناعة والتحديث،أمر غاية في الصعوبة ودونه أهوال وأهوال.
صنعاء قصيدة نثر
2006-05-03