في جمهورية البروتوكول العظيم، حيث تُدار شؤون الخارجية بقوانين غير مكتوبة، لكنها مقدسة، يتجلى أحد أعظم نصوص الميثاق الدبلوماسي السري:
"لا يُعيَّن في سفاراتنا إلا الفاشلون والمطبلون وأبناء وأصدقاء أولي النعمة".
أما الكفاءات، فهذه شبهة وطنية!
فمنذ متى كانت المؤهلات والخبرة معيارًا في التعيينات؟ هل الوطن بحاجة إلى عقل واعٍ، أم إلى كرش منتفخ وجواز سفر دبلوماسي؟
ومنذ متى يُرسل للعالم من يُجيد التحدث بلغة الدبلوماسية، إذا كان ابن المسؤول يجيد التحدث بلغة "بابا قال"؟
تخيل -لا سمح الله- أن تُعيَّن كفاءة في سفارة ما!
شخص يفهم القانون الدولي، يعرف معنى تمثيل وطن، يتقن لغة البلد الذي يُرسل إليه، ويُدرك أهمية خدمة الجالية لا السمسرة عليهم...
كارثة!
هذا خرق صريح للبروتوكول العتيق! هذا انقلاب على الأعراف السلالية والجغرافية، وتمرد على منطق "ارفع رأسك أنت في بلاد المحسوبية!".
الكفاءة، يا سادة، خطر وجودي.
لأنها إن عملت بضمير، فستفضح من لا ضمير له.
وإن أنجزت، ستُحرج من تعيّن ليُنجز فقط عدد جولات التسوق في باريس أو أنقرة.
وإن أحبت الوطن، فستصطدم بمن يحب الكرسي أكثر منه.
الطريف أن كل من يُعيَّن -بلا مؤهل أو هوية واضحة- يُلقَّب بـ"سعادة السفير"، وكأن السعادة تُقاس بعدد الشنط المعبّأة في عودته من مهمة "تمثيل الوطن"، لا بعدد الملفات التي خدم فيها وطنه حقًا.
وفي ختام هذا العرض الكوميدي التراجيدي، لا بد من تحية إجلال لكل من اجتهد، ودرس، وانتظر عدالة لن تأتي، لأن جوازك ليس من فئة "صُدِر من مكتب الوزير".
أما أنت، أيها الكفء،
فاعلم أن أكبر خطاياك أنك لم تكن ابن فلان،
ولم تجلس في مجالس النفاق،
ولم تقرأ فقه "البروتوكول الموازي"، الذي ينص على:
"كلما زاد الولاء، قلّت الحاجة للكفاءة".