لم يكن خروج نساء مدينة عدن، يوم السبت، في تظاهرةٍ حاشدة؛ للتنديد بتردي خدمة الكهرباء؛ ناتج فقط عن الانقطاعات المتكررة، ولكن التظاهرة النسوية جاءت عقب مآسٍ وكوارث تسبب بها انعدام هذه الخدمة في المدينة الساحلية الحارة.
أبرز تلك الكوارث، تمثلت في الفاجعة التي صحى عليها أهالي مدينة عدن عشية التظاهرة النسوية، بعد وفاة زوجين من أبناء المدينة داخل سيارتهما الخاصة، عندما اضطرا للجوء إليها هربًا من الحر؛ نتيجة انقطاع الكهرباء لفترات وصلت إلى 20 ساعة في اليوم.

الأربعيني فواز شائف وزوجته، من منطقة الممدارة، في مديرية الشيخ عثمان، ذهبا ضحية تردي خدمة الكهرباء في عدن، بحسب محمد، شقيق فواز، الذي قال: "جاء أخي من عمله ليلًا متعبًا، والكهرباء منقطعة، وانتظر حتى منتصف الليل لكن الكهرباء لم تشتغل".
وأشار محمد شائف، خلال تصريح خاص لـ"النداء"، إلى أن شقيقه "اضطر هو وزوجته لقضاء الليل في سيارتهما داخل حوش منزلهما؛ تفاديًا للحر، وذلك عبر تشغيل مكيف السيارة، وناما داخلها في انتظار تشغيل الكهرباء، غير أن الكهرباء تأخرت حتى الصباح، وعندما قمنا بإيقاظهما كانا بلا حراك".
يقول محمد: "نقلناهما إلى إحدى مستشفيات عدن، لكن الأطباء أفادوا بأنهما قد فارقا الحياة قبل ساعات؛ نتيجة الحرارة الناتجة عن تشغيل السيارة طيلة الليل، تاركين خلفهما ثمانية أطفال، في فاجعةٍ مأساوية هزّت مدينة عدن".
أحد جيران الضحايا، أديب أحمد، حمّل المؤسسات الحكومية المعنية بخدمة الكهرباء في عدن مسؤولية هذه الفاجعة التي أصابت العائلة، مشيرًا لـ"النداء" إلى أن هذه القضية يجب أن يتم تصعيدها حتى تعلم الحكومة مدى معاناة الناس في عدن.
كوارث كهربائية
رغم الإنفاق الحكومي الكبير على الكهرباء في عدن والمحافظات الجنوبية، إلا أن تردي خدمة الكهرباء مازال مستمرًا، وبات العجز في إنتاج الطاقة يؤرق أهالي المدينة، خاصة وأنه كبدهم خسائر مهولة وتسبب بكوارث إنسانية.
من تلك الخسائر ما يتجرعه المواطنون -القادرون- على توفير منظومات كهربائية "بطاريات وشواحن"، وأخرى منظومات شمسية "ألواح وأجهزة تعمل بالطاقة الشمسية"، كبديل عن الخدمة الحكومية المنعدمة، بالإضافة إلى وفيات كبار السن ومرضى الأمراض المزمنة؛ نتيجة توقف خدمات المستشفيات العامة؛ بسبب انعدام الكهرباء.

كل تلك الكوارث الناتجة عن تردي الخدمة، كانت دافعًا لخروج نسوة عدن في تظاهراتٍ حاشدة يوم السبت، لم تقتصر مطالبها فقط على توفير خدمة الكهرباء لمدينة حاصرها الحر، وعجز الجهات المسؤولة عن توفير الخدمة للمواطنين، بل شملت مطالب أخرى.
ثورة النساء
تقول الصحفية العدنية، ورئيسة تحرير صحيفة الوطن توداي، نور سريب، إن "المظاهرة كانت عفوية، وجاءت بدعوة من النساء المواطنات البسيطات؛ نتيجة الانهيار الكبير للخدمات بعدن".
وأضافت سريب في حديثا لـ"النداء"، إن الكهرباء لم تكن وحدها السبب وراء خروج تظاهرة النساء، بل إن تدهور قيمة الريال اليمني كان أيضًا إحدى الأسباب، خاصةً عقب تأثيراته على أسعار المواد الغذائية وأساسيات الحياة في عدن.
ولفتت الصحفية العدنية إلى أن التظاهرة سبقتها احتشادات ووقفات نسوية منذ أواخر عام 2021، ولكن الشيء المختلف في تظاهرة السبت هو الحشد الكبير والمشاركة الفاعلة من النساء في عدن بمختلف انتمائاتهنّ الحزبية ووظائفهنّ، ومن مختلف الفئات العمرية، وصور الحشود المشاركة كانت أبلغ في توضح حجم المشاركين الذين انتشروا على امتداد البصر في ساحة العروض.
مطالب مشروعة
لم تكن الكهرباء هي المطلب الوحيد الذي خرجت من أجله حرائر عدن، بحسب نور سريب، وإن كانت المطلب الرئيسي والأول.
وتابعت: المطالب التي دعت إليها نسوة عدن جميعها مشروعة، وتعد حقوقًا أساسية، منها توفير الخدمات العامة، الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، وتعزيز التعامل بقيمة الريال اليمني، ودعم الاقتصاد؛ ما يضمن للمواطن حياةً كريمة، وهذا لمسناه في هتافات النساء المشاركات، اللاتي حرصنّ على عدم اتباع أي طرفٍ سياسي، شرعية كان أو انتقالي، وأن وقفتهنّ جاءت من أجل الخدمات فقط.

سريب كشفت أنه من المتوقع تنفيذ وقفات أخرى قريبًا؛ بعد النجاح والمشاركة القوية التي شهدتها تظاهرة يوم السبت، وسيتم الدعوة لها من قبل النساء المنظمات لاحقًا، كما توقعت أن يتم الأخذ بأصوات النساء ومطالبهنّ بالاعتبار؛ كون الحكومة وشركائها بدأوا يستجيبون للمطالب -ليس حبًا في الشعب- ولكنهم يسعون للاستمرار في السلطة، والمطالب الشعبية قد تدفع الحكومة لإعادة ترتيب وضعها، وتوفير الخدمات في مدينة عدن وباقي المدن المحررة.
وأشادت سريب بالنساء المشاركات، وقالت: كنّ راقيات وعلى قدر المسؤولية، ولم ترعبهنّ حملات التحريض والتشويه التي سبقت المظاهرة وحرصنّ على الحضور والمشاركة.
وكان بعض الناشطين على منصات التواصل، حاولوا التشكيك في أهداف وغايات المشاركات في التظاهرة، وهو ما أثار غضبًا واسعًا؛ عبرت عنه التظاهرة وانعكس على نجاحها وتأثيرها الذي كان واضحًا.
تصعيد قادم
من جانبها، أوضحت الناشطة داليدا اليافعي، إحدى منسقات التظاهرة، أن مطالب المحتجات تركزت حول تحسين خدمات الكهرباء والمياه، ووضع حلول عاجلة لوقف تدهور الريال اليمني.
وقالت لـ"النداء": "مطالبنا واضحة، وإذا لم يُستجب لها، سنُصعّد تحركاتنا وننتقل من ساحة العروض إلى المرافق الحكومية للضغط على الجهات المعنية".
وأضافت: "مدينة عدن تعاني من انقطاع في الكهرباء وشح كبير في المياه، بالتزامن مع تدهور غير مسبوق في قيمة العملة المحلية، مؤكدةً استمرار تنظيم الاحتجاجات والتصعيد المدني حتى تتم الاستجابة لمطالب نساء عدن".
الكهرباء التجارية
إحدى الدوافع التي حثت نساء عدن على الخروج للتظاهر والمطالبة بتوفير الكهرباء، هي التسريبات التي تناولها عدد من الناشطين في المدينة، حول بدء التحول إلى الكهرباء التجارية، وهو ما يُمهّد لإنهاء خدمة الكهرباء الحكومية، بحسب ناشطين.
وتداول صحفيون وناشطون عقد تقديم خدمة الكهرباء التجارية من إحدى الشركات التجارية لمشتركين في مديرية المنصورة بمدينة عدن، منتقدين المبالغ الباهظة الواردة في عقد تقديم الخدمة، والتي تم تحديدها بالريال السعودي.
وتضمنت تقديم خدمة الكيلو وات الواحد بـ1,5 ريال سعودي، بما يعادل ألف ريال يمني، رغم أن سعر الكيلو وات الواحد بالكهرباء الحكومية لا يتجاوز 20 ريال يمني، والتي يعجز المواطنون عن دفع فواتيرها أو سداد المتراكم منها.
كما تضمن العقد سعر عدادات الكهرباء التجارية، والتي تنوعت ما بين الكبير والصغير، وتم تحديد سعر العداد الصغير بـ500 ريال سعودي "سنجل فيز"، وألف ريال سعودي للعداد الكبير (ثري فيز).

وتوقع الناشطون انتهاء الكهرباء الحكومية، بمجرد البدء بتشغيل الكهرباء التجارية، غير أن ما يحول دون ذلك هو عجز المواطنين عن تلبية احتياجات الكهرباء التجارية، والتي يمكن تن يستفيد منها التجار ورجال الأعمال وأصحاب المحال التجارية فقط.
وحذر الناشطون من تحول الكهرباء التجارية إلى "ضرورة" لا "كمالية"، وحينها سيحتاج الموظف الحكومي إلى أربعة أضعاف راتبه لتغطية فاتورة الكهرباء، في مدينة حارة وساخنة مثل عدن.
مؤسسة كهرباء عدن لم تنفِ توجه بعض الشركات التجارية نحو بيع الكهرباء للمواطنين، وأصدرت بيانًا قالت فيه: "إن العقود تضمنت شروطًا مجحفة ومبالغ مالية باهظة، دون أي تراخيص أو موافقة رسمية من وزارة الكهرباء أو المؤسسة"، في إشارة إلى إمكانية المضي فيها لكن وفق تراخيص وشروط رسمية.
وأكدت المؤسسة في البيان "رفضها القاطع" لهذه التصرفات العبثية، وأدانت استغلال حاجة المواطنين للكهرباء في ظل ظروف صعبة تمر بها البلاد، كما حذرت من مغبة الزج بالناس في عقود غير قانونية لا تستند لأي شرعية.
وقالت إن الكهرباء خدمة عامة سيادية لا يجوز التصرف بها خارج الأطر القانونية والمؤسسية، وما جرى يمثل انتهاكًا صريحًا لقوانين الدولة، الذي يجرّم منتحلي الصفة وممارسي النشاطات العامة دون ترخيص.
وأوضحت أن هذه العقود "باطلة" وغير معترف بها، وأنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد كل من يثبت تورطه في هذه التجاوزات، محملةً المسؤولية لأي جهة أو شخص يحاول التصرف في بيع أو تأجير خدمة الكهرباء دون موافقة رسمية، أو يسعى لتأسيس واقع مخالف للقانون بقوة المال أو النفوذ أو الاستغلال.