صنعاء 19C امطار خفيفة

التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين: تغيير قواعد اللعبة في اليمن

2025-03-19
التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين: تغيير قواعد اللعبة في اليمن
تصاعد الدخان من أحد المباني بصنعاء بعد القصف (AP)

وسط تصاعد حاد في التوترات الإقليمية والدولية، يأتي التصعيد الأمريكي الأخير ضد الحوثيين ليعيد تشكيل مسار الأزمة اليمنية التي طال أمدها. ومن الاستهداف المباشر لقيادات الجماعة إلى الضغوط الدبلوماسية والرسائل السياسية المشفرة، يبدو أن الإدارة الأمريكية قد تبنت نهجًا جديدًا في التعامل مع التهديدات الحوثية، مما يفتح الباب لتساؤلات حول مآلات هذا التصعيد، ومدى استعداد الحكومة اليمنية المعترف بها لاستثمار هذه المتغيرات في إعادة تنشيط جبهاتها العسكرية.

 
وفي الوقت الذي كانت الحكومة اليمنية تُلقي باللوم سابقًا على الأطراف الدولية واتفاق ستوكهولم في عرقلة تقدمها العسكري، تتحول تلك الأطراف ذاتها إلى حلفاء في التصعيد ضد الحوثيين، مما يضع الحكومة في موقف حرج لا يترك لها مجالًا لتقديم أعذار جديدة. لكن يبقى السؤال: هل ستتمكن الحكومة من تجاوز تحدياتها الداخلية واستغلال هذه الفرصة لتحقيق تقدم ملموس على الأرض، أم أن الحسابات الدولية والإقليمية ستعيد رسم أولويات المعركة؟ وقبل ذلك هل تسعى واشنطن إلى القضاء على الحوثيين كقوة عسكرية وسياسية؟ أم أن الأمر مرهون بما ستفعله الجماعة في المستقبل؟ وما الرسائل التي تريد إدارة ترامب إيصالها من وراء هذا التصعيد؟
 

استراتيجية الردع

 
تشير الضربات الأمريكية الأخيرة إلى رغبة واضحة في ردع الحوثيين عن استهداف السفن والملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن. يقول الأمريكيون إن الحوثيين نفذوا أكثر من 170 هجومًا على السفن خلال الأشهر الـ18 الماضية، مما دفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات عسكرية حاسمة. ومع ذلك، لا يبدو أن الهدف هو القضاء الكامل على الحوثيين، بل تقليص قدراتهم العسكرية وإضعاف نفوذهم الإقليمي، مع إبقاء هدف القضاء عليهم ضمن الأجندات الأمريكية إن تمادت الجماعة في هجماتها على الملاحة البحرية والاستمرار في تنفيذ أجندات إقليمية وربما دولية، بخاصة في ظل الإدانات الصادرة من روسيا وكوريا الشمالية للهجمات الأمريكية على اليمن.
تدرك واشنطن أن الحوثيين يمثلون أداة إيرانية في المنطقة، وبالتالي فإن التصعيد ضدهم يهدف أيضًا إلى تقويض النفوذ الإيراني في اليمن. وبالتالي فإن التصعيد الأمريكي الأخير ضد الحوثيين يحمل رسالة واضحة لطهران، مفادها أن دعمها للحوثيين لن يمر دون رد. وخلال اليومين الماضيين وجه الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته الجديدة اتهامات واضحة لطهران بدعم الحوثيين وتزويدهم بالتكنولوجيا المتطورة والأسلحة، مما يجعلها هدفًا غير مباشر للضربات الأمريكية.
تؤكد إدارة ترامب أن العمليات العسكرية تهدف إلى حماية الملاحة الدولية والتجارة العالمية، بخاصة في ممرات حيوية مثل البحر الأحمر وقناة السويس، ويسعى ترامب مع بدء فترته الرئاسية الثانية إلى تعزيز صورته كرئيس قوي قادر على حماية المصالح الأمريكية.
 

قتلى القيادات الحوثية

 
دون تأكيدات رسمية، أعلن البيت الأبيض أن الغارات الجوية الأمريكية على اليمن أسفرت عن مقتل عدد من قادة الحوثيين. وأكدت مصادر أمريكية أن هذه الضربات استهدفت مواقع قيادية وعسكرية مهمة للجماعة، مما أدى إلى مقتل العديد من قادتهم، ومن بين الأسماء التي تناقلتها مصادر إعلامية أمريكية وتقارير محلية، حسن عبدالقادر شرف الدين، وهو مسؤول عن المخصصات المالية لتجارة النفط والغاز لدى الحوثيين، وعلي فاضل، أحد قيادات الملاحة البحرية في غرف العمليات الحوثية، إلى جانب عبدالملك الشرفي، وهو قيادي أمني في جهاز الاستخبارات العسكرية للحوثيين، إذ أشارت التقارير إلى استهداف منزله ومقتل أفراد من عائلته، مع غياب معلومات مؤكدة عن مصيره.
كما استهدفت الغارات منازل قيادات أخرى في محافظة صعدة، وأسفرت عن مقتل ستة من قادة الحوثيين، وفقًا لما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية. من جانبها، أفادت مصادر يمنية بسقوط قتلى من خبراء فيلق القدس الإيراني في الغارات الأميركية على الحديدة فجر الاثنين.
ومع بدء الضربات الأمريكية أصدرت جماعة الحوثي تعليمات لقياداتها بمغادرة منازلهم ومقار أعمالهم، وشملت التعليمات نقل القيادات إلى مواقع بديلة وآمنة، وعدم الظهور في الأماكن العامة، وتقليل الاتصال بالإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي.
 

موقف حكومة الشرعية

 
رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بالتصعيد الأمريكي، معتبرة أنه خطوة ضرورية لردع الحوثيين الذين حولوا اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة، وعدا ذلك استمر عدد من قيادات الحكومة في نشر أخبار تفتقر للمعلومات المؤكدة حول الأهداف التي حققتها الغارات الجوية الأمريكية. وكما لو أنها مسلوبة القرار، لا تعرف الحكومة أين تقف في ظل هذا المشهد المعقد الذي تعيشه اليمن اليوم.
لطالما اعتبرت الحكومة اليمنية المعترف بها أن اتفاق ستوكهولم، الذي أُبرم في ديسمبر 2018، كان عاملًا معيقًا لتحركاتها العسكرية، لا سيما في ما يتعلق بتحرير مدينة الحديدة، التي تُعد بوابة استراتيجية للسيطرة على الساحل الغربي. واتهمت الحكومة حينها المجتمع الدولي، وبخاصة القوى الغربية، بالضغط لإيقاف العمليات العسكرية تحت ذريعة تجنب الأزمة الإنسانية، مما أدى إلى تجميد الجبهات ومنح الحوثيين فرصة لإعادة ترتيب صفوفهم.
اليوم، الوضع على الأرض تغير بشكل كبير. الأطراف الدولية التي كانت تُتهم بإعاقة تقدم الحكومة أصبحت الآن أكثر انخراطًا في التصعيد ضد الحوثيين. والولايات المتحدة، التي لعبت دورًا محوريًا في فرض اتفاق ستوكهولم، تبنت الآن موقفًا عسكريًا صارمًا ضد الحوثيين، عبر شن غارات مكثفة لاستهداف قياداتهم العسكرية ومواقعهم الاستراتيجية.
هذا التحول يضع الحكومة المعترف بها أمام مسؤولية جديدة؛ فقد باتت الظروف الدولية أكثر ملاءمة لتحريك الجبهات العسكرية، بخاصة في ظل تصاعد الضغوط على الحوثيين وانشغالهم بالتصعيد الأمريكي.
 

هل يمكن للحكومة التحرك؟

 
رغم تغير الموقف الدولي، فإن تفعيل الجبهات العسكرية للحكومة يواجه تحديات داخلية وخارجية. فالانقسامات السياسية داخل مكونات مجلس القيادة الرئاسي، بخاصة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، تضعف وحدتها، وتحول دون عمل عسكري منظم ومنسق. كما أن قرار الحكومة المعترف بها في تحريك الجبهات مرهون بالتحالف العربي، وتحديدًا السعودية والإمارات، ومن ثم المجتمع الدولي الذي قد يدفع نحو حل سياسي بدلًا من التصعيد العسكري، مما قد يحد من خيارات الحكومة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً