نعم المنطقة على كف عفريت، بل تنزلق نحو جحيم لن يبقي ولن يذر. إن لم يلح في الأفق أمر مغاير جلل يقرب أمور الحل بين طرفين لا وجه للمقارنة بينهما، عدا التطرف المميت، وإن تباينت موازينه، فالمعادل الموضوعي لدى رجل مثل ترامب لديه تصور لإعادة تشكيل العالم ينفذه داخل مفهوم خارطة جوهرها العصا لمن عصا، وما تراه وتقوله آلة الماجا "make America great again"، عبر آلة القوة الماحقة والفرض الابتزازي وهذا الفرس وهذا الميدان، لكن ليس على طريقة ملك اليمن الهالك أحمد حميد الدين، حين قال لقبائل حاشد ذات المثل زمان.. والطرافة أن الهالك الملك أحمد كان غيبيًا، يضحي بشعبه، والسيد ترامب يجرجر العالم لمواجهات العسكرة وتفوقه بها والحرب الجمركية التي تقلب وضع الأسواق الدولية رأسًا على عقب، وآخر حروبه تسعير مواجهته مع الجرف القاري الحوثي المرتهن لجغرافية لا علاقة لها بالجغرافيا التي تدرسها الكتب للتلاميذ، إنها أغوار جبال ووهاد ومنحنيات وجروف ما أنزل الله بها من سلطان، مع تجلٍّ إلهي تمثله طقوس سيد الحرب والتخريب للبلاد، فرعون ذي الأوتاد الذي لم يخلق مثله في البلاد، إذ يري نفسه ممثلًا للعناية الإلهية، وآخر نسل سيد رسل العالمين الكان رسولًا يقول الحق ولو على نفسه، رسولًا جعل من بلال سيدًا على من كانوا يمتشقون سلاح الأنساب تعاليًا على بقية خلق الله.
حرب ترامب سواء كانت على جماعة الحوثي التي سيدفع ثمنها شعب هالك دمرته حرب البسوس التي تعدت عشريتها الأولى، وولجت عشريتها الثانية، وهي حرب بالوكالة لا ناقة ولا جمل في ما يخص الشعب اليمني غير الدمار والخراب.
ترامب، بقوته الجهنمية، يبتغي وجه إيران، لكنه قد استعان بالمثل اليمني القائل: اضرب الخرج يفهمك الحمار، لكن الحمار الإيراني وقد ولى جريحًا بعد أن أكمل الثنائي الأمريكي الصهيوني مهمات ما سمياه تغيير خارطة الشرخ الأوسط، عفوًا الشرق الأوسط، عبر دمار غزة وحرب إبادتها، مرورًا بخنق لبنان، واتكالًا على داهية الدواهي المتمثلة بعملية استيلاد سوريا أخرى لا تشابه سوريا التي كانت، والتي تم بيعها بالمزاد بين أركان نظام تسلطي فاسد وقادة خردة من أسواق البيع والشراء، وعبر وكلاء داعش وبقية المطلوبين على قوائم الإرهاب الأمريكية الأوروبية، الذين هرعوا يذرفون الدمع على الشعب السوري الأصيل الذي تباكوا عليه بعد استكمال عملية إبادة وذبح لهم على الهوية على أيادي الطاجيك والأوزبك وهلم جرى، وتحت راية الفقيه المعلم الجولاني المنقلب بعد عملية جراحية ليكنى بمحمد الشرع الذي يتصبب عرقًا أمام وزيرة الخارجية الألمانية، محذرًا من أن مصافحة المرأة حرام، بل من الكبائر. وهكذا كان على سوريا الجديدة أن تصير!
ضربات أمريكا الترامبية على جماعة الحوثي الذين ظلت أمريكا تغازلهم بلائحة الإرهاب، وعلى طريقة ميكي ماوس، بين بايدن وترامب والقط الحوثي، طيلة سنوات، تحت سمع وبصر أمريكا واللجنة الرباعية وبريطانيا العظمي، الخبير الاستعماري بشؤون اليمن والجزيرة والخليج منذ ما قبل سايكس بيكو إلى اليوم.
الضربات الترامبية ستحرق بلادنا... نعم، وسيدفع الناس، أفراد الشعب، تبعات ذلك الحوثي وجماعته المدعين أنهم إنما يؤدون فريضة جهادية لدعم غزة، تلتها عليهم السماء، باعتبارهم أحفادًا بررة لآل البيت، لن يصيبهم مكروه، فالله معهم حتى لو مات كل الشعب اليمني، غير الداخل في حساباتهم طيلة سنوات الحرب.
ولو كانوا يفقهون لو كان اليمن عزيزًا قويًا غير محاصر وموحدًا، لكان أكبر سند لغزة ولفلسطين كلها، وهو ما نريده ونأمله من جميع الأطراف الضالعة بملف الصراع اليمني.
والسؤال: لمَ تعاقب بلادنا؟ وهناك سبل يمكن عبرها تدفيع الطرف الممول والمقصود من هكذا حرب شرسة تشن على بلادنا، نقصد إيران!
وعليه نقول لو مات بعض قادة الحوثي سوف تموت معهم قوافل من بسطاء اليمنيين يدفعون الثمن دونما سبب، والسبب يكمن بإطلالة أمام اليمن الجديد القديم يهدد ويتوعد وإيران تلوح وهي تلهث وراء تسوية مقبولة لملفها النووي، والمستفيد الأوحد والوحيد دولة الكيان الصهيوني، وما في ذاك غرابة، فكلاهما أمريكا ودولة الكيان كيانان ببنطال واحد، علمه الأساس علم صهيون المصمم من قبل ترزية المسيحيين الصهيونيين الجدد بأمريكا وكل العالم المتصهين... فقهاء الحرب، وهم مع ترامب يخوضون حروب الصفقات ولعبة دومينو الإسقاط لمن لتعليماتهم لا يذعن ويستجيب. وإيران هنا على المحك، فعلى ماذا تعول أمريكا؟ هل تعول على دمار بلادنا؟ ذلك أمر لا يهمها، ولكن يهمها اللعب على المتناقضات، ضمن حملة الصفقات التي باتت تعقد بين الأقوياء الذاهبين لصياغة عالم مصالح جديد أدركها تاجر الصفقات ترامب الواقع بين ضعف أوروبا وتعملق الصين ونهوض الدب الروسي من مستنقع خراب جورباتشوف، وتلك رسالة لنا نحن العرب الضائعين تحت أوهام البقاء في تروس الانتظار لما سيقرره الآخرون.
أمام العرب فرصة ينبغي ألا تضيع؛ أن يجعلوا من مخطط إعادة تعمير غزة وبقاء أهلها، وكل شعب فلسطين، داخل وطنهم، تلك فقط الرسالة التي ننتظر كيف ستكون قوة الدفع العربي حضورًا فاعلًا معادلًا موضوعيًا، يصد عدوانية وتوسع دولة الكيان على الأرض العربية، ويحد ويلغي الدور الإيراني الخطير والدور التركي الأخطر. وإن غدًا لناظره قريب.
وأخيرًا، سنرى كيف ستذهب الأمور بين بوتين وترامب لإطفاء حرائق الحرب، وهم على وشك اللقاء لوقف الحرب الأوكرانية، وتلجيم العدوانية الأوروبية. إنها ساحة مصالح كبرى لعصر جديد مخدومًا بثمرات ثروات معدنية جديدة ستجبر آلة الحرب على الابتعاد عن ميادينها. فهل سنراها تمتد لباقي الأصقاع الملتهبة، ومنها بلادنا؟ ولا ننسى أن التنين الصيني ليس ببعيد عما يدور، فهو حليف روسيا الأساس، وسبق أن تدخل بترطيب العلاقات السعودية -الإيرانية، وبين كل اللاعبين تبدو الجارة سلطنة عمان متحفزة بين اللاعبين تخدمها علاقاتها المتينة مع كل الأطراف، وهي علاقات سمة خاصة تم بناؤها عبر ردح من الزمن، ومع كل الأطراف شرقًا وغربًا، وهم يضعون لها حسابًا خاصًا، بخاصة وهي تصرح وتشير بأن ما يجري من حرب على اليمن يمكن حله وتسويته بطرق أخرى، وهي أدرى بأقصر الطرق إلى عقل وقلب إيران، وقد اختبرت كثيرًا في هذا المضمار.