كلما قلنا عساها تنجلي ردت علينا حفصة بنت أيام الحمى: ويحكم يا قوم ماذا تلتون وتجنون.. هذا قول سقيم... أعدنا القول كررناه بصيغة أخرى... وهل يصلح العطار... وقبل أن نكمل بقية قولنا، بادرنا أشعب ذو القرنين: أبعد فوات الأوان وخراب مالطا، تبحثون عبر تقنيات الدهر مرة وما أفسد ومرة عبر رفوف العطار ورواكد حوائجه كى يصلح حالكم المعوج...! قلنا عجبًا وما عسانا نقول غير تقديم نصائح علها تصلح ما خربه الزمان والعطار معًا، فلا عند هذا وذاك نجد جوابًا شافيًا عله يشفي عللًا باتت تطحن الجسد... الوطن... تمعن تدميرًا وإفسادًا بما تبقى من نوافذ بها تتنفس رئة الوطن العليل، فما الحل إذن؟ إن كان ثمة أمل باقٍ بالنفوس علها تصل طريق جادة الصواب كطريق للحل لأزمة طالت وتشعبت بل تعقدت بما حال دون إمكان معرفة من يبدأ الحل وأين يكمن الجواب دواء شافيًا لعلل باتت تهدد الكيان كله بالانقراض، وأدخلتنا دوامة البحث عن بديل يتوافق عليه الجمع الوطني كله بعرض وطول البلاد شمالًا والجنوب، فما جرى طوال سنوات الحرب من تغيرات وتبدلات وحروب واحتراب أكلت الأخضر واليابس، وتركت على الأرض أشباحًا تتصارع على الفتات، بينما هناك وطن متشظٍّ وشعب ممزق يجوع.
تلك أفكار راودت العقل المتحفز لمعرفة ما الذي يجري ويدور، منطلقًا في تشاؤمه من أمر محير مرده أمر محير أيضًا! الناس ومجتمعها السياسي كانت تلح وتصر على أهمية وضرورة عودة أقطاب القرار السياسي للعمل داخل البلد، وبالذات من أرض العاصمة المؤقتة عدن، هذه المدينة التي لها استحقاقات لا أول لها ولا آخر، وجاء الشهر المبارك وأهلت تباشيره، فقلنا عسى الخير منك يا رمضان، فها قد عاد إلى أرض الوطن رئيس المجلس الرئاسي وها هو رئيس المجلس الانتقالي عضو هيئة رئاسة المجلس متواجد أيضًا، فقلنا إذا تواجد الهلالان بسماء وأرض العاصمة، فابشري يا حفصة، لن يكون الحل عند العطار ولا عند رواكد الزمان، فالحل لدى صاحب الحل المتواجد بساحة الميدان المنتفخ بملفات تتسابق للبحث عن حلول لما يعتمل بداخلها من مشكلات، وقلنا مع إطلالة رمضان بشراك يا حفص قد أصبحنا قاب قوسين وأدنى من البدء والشروع في مواجهة ما يعتمل بأرض الواقع من مشكلات سياسية تتطلب جديدًا في المشاورات لوحدة الصف وتوسيعًا لقاعدة المشاركة، واقتصادية تتطلب البحث الجاد في ملفات الأزمة الهيكلية التي تضرب القاتلة بحياة الناس، وتبدأ الخطوة المرجوة والتي كنا نأملها أن يلتئم لقاء موسعًا مع الرئيسين العليمي والزبيدي، مع كل الفعاليات السياسية والاقتصادية، يمكن من خلاله التعرف على الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية، وماهية الخطوات العاجلة وما يليها من خطوات تقرا جذور الأزمة، وتضع الخطوط العامة للتعامل معها.
وكذا ترتيبات القضايا المتعلقة بالأمن العام، وأية قضايا وطنية أخرى.
هكذا كان الجمع الوطني يرى بأن العودة المباركة لأعضاء المجلس الرئاسي ستحرك إيجابًا كل ما يدور بذهن المواطن من تساؤلات، لكن ولعنة الله على لكن هذه، فقد خابت الآمال، فلا جديد أتى، بل وجدنا عواصف تضيف لملف المتاعب متاعب جديدة توحي بأن الناس وتطلعاتهم بحثًا عن واحة أمل عن واحة للاستقرار تتمثل ببروز خطوات عملية على سطح الحياة السياسية تشير بتواجد نية وتوجه جديدين سعيًا لوضع النقاط على الحروف للمشكلات التي يعانيها مواطنو البلاد، لكن -كما قلنا- قد خاب الرجاء وانعدم الأمل... فما رأيناه على الأرض مفجع ومفزع، إذ إن وضع الحكومة، الأداة التنفيذية للدولة، قد أدخلت دوامة الأزمة بعيدًا عن قضايا الناس، وبات الحديث عن صراع وانسحابات وعدم قدرة الحكومة على التئام شملها، مما قصم ظهرها، وتصاعد الأمر للمطالبة بتغيير رئيسها، وبعيدًا عن قضايا ومصالح الناس تصارعت فيالق الحكومة، ولكل في نفس يعقوب قاموسه الخاص، وبدلًا من أن تقف الحكومة بكامل أعضائها أمام مشكلات الساعة، وتحدد من المسؤول وأسلوب المعالجة، كانت الصيحات بإقالة رئيس الحكومة، ويا أيها السادة نجاح أو فشل أية حكومة يقدرها الناس بأنها مسؤولية الحكومة ككل، عدا ذلك فالناس لا يهمهم فلان أو زعطان، يهمهم فقط ماذا فعلتم طيلة مرحلة وجودكم، فما من إيجابية لها دلالات يمكن التحدث عنها.
هذا بالنسبة للحكومة وما أحاط بها من مظاهر عبث ما كنا نريد لها الظهور بهكذا مظهر، أما حول عودة الأخ رئيس مجلس القيادة وإن كنا مانزال ننتظر ماذا بجعبة عودته وبحقيبته الممتلئة بالمشكلات السياسية والاقتصادية على الصعيد الوطني، نأمل أن نرى جهدًا وتحركًا خارج أسوار النمط المألوف. التمارين بقلعة معاشيق بعيدًا عن الناس، وما لديهم من مطالب مستحقة تستحق الاستماع والإنصات لها.. ولعل أولى الخطوات المرجوة تتمثل بحدوث تغيير في الأسلوب والتعاطي مع مشكلات البلاد، بمعنى التحرك داخل أحشاء المجتمع السياسي والوطني والتجاري، وعبر لقاءات منظمة هادفة تستطلع وتنصت إلى المطلوب، والاقتراب من مشاكل المجتمع وملامسة حياة الناس وما أكثرها من مشكلات.
ولنا في نهاية حديثنا عن الدهر وعطاره، ونحن نشاهد تحركات الأخ رئيس المجلس الانتقالي، ونباركها، ولكن لنا أن نحيط الأمر بسؤال مهم وضروري، نحن لا نملك إجابته: هل تحركات أعضاء هيئة الرئاسة تأتي تنفيذًا لتوافق رؤية كلية لأعضاء المجلس؟ وأمر كهذا مؤيد وندعمه لأنه يصب في خانة التوافق الذي يؤدي لا محالة لخلق حالة توافق حقيقية لحل ومواجهة كافة الاستحقاقات المطلوبة. أما أن تكون التحركات بعيدًا عن التوافق، وهو ما لا نريده، فذلك أمر يقلل من أهمية العودة لكافة الكيانات القيادية التي نطالبها بالعودة للبلد، وكفى غربة واغترابًا. وهنا يجب القول والجهر بصوت وطني عالٍ لمن بيدهم أمر شعبنا في مناطق سيطرة الحوثي أنصار الله، بأن نصرة غزة ستكون أقوى وأجدى نفعًا وأثرًا إن صارت بلادنا بعيدًا عن التشرذم وتعريضها لمزيد من العقوبات التي لا تطال إلا بسطاء الناس وحياتهم، ولا تفيدهم عنتريات الرشقات بكل ما تسهم به من المزيد من دمار البلد، وما تبقى فيه من رمق يتنفس الصعداء. ولكن يبدو أن من يستهينون بما يجري لبلادنا من حصار ودمار، لا يهمهم مطلقًا واقع بؤس وشقاء أبناء شعبنا داخل المناطق التي تسيطر عليها عقليات الانقلاب على مفهوم الدولة الوطنية مشروعنا الوطني الضامن لمواجهة كافة التحديات التي تواجه بلادنا وشعبنا حاليًا ومستقبلًا.