أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
والغواص في كل الحالات والأحوال وإن غيبوا دوره أو تذاكت كل الفعاليات السياسية وغير السياسية على دوره، فمربط الفرس لمن لم يستوعب بعد دومًا بيد الشعب إذا تحرك حقًا تساقطت كل الدمى وكل الأشباح كحبات مسابح عفا عليها الزمن، حيث الأمور قد وصلت الحلقوم لناس باتوا ضحايا لحرب طالت وفساد استشرى، وباتوا يرددون:
رب دهر بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليه
وذلك تأكيدًا ما لا نريده...
كثيرة هي المحطات التي أمعنت في قتل أحلام شعبنا لنيل حياة مستقرة يستحقها طيلة عشر سنوات من الحرب والشتات والضياع.
فطريق الاستقرار معتم وأحلام اليمنيين بدولة مستقرة معلقة بعقارب الفوضى. الموت التزاحم لاكتساب المغانم، ولا يلوح في الأفق ثمة مخرج... وها نحن نأمل صادقين مع ما نشهده من صحوة عربية، وما شهدناه من كاريزما دبلوماسية سعودية فاعلة بتحريك ملفات دولية خلال قمة لقاء روسيا أمريكا مؤخرًا... ذلك أمر نأمل أن تطال مجاديفه ما يضطرب به بحرنا من أمواج عاصفة قذفت بمجاديف الحل بعيدًا بعيدًا، بل تكاد تغرق سفينة الوطن نفسها، وهو أمر يستحيل القبول به.. وهنا يطرح السؤال وقد مررنا بمحطات قيل لنا إنها تحمل طوق النجاة، ولكنها خيبت الآمال، حيث كانت لنا وقفة مع ما سموها ثورات الربيع العربي، فإذا بها انتكاسة لمحتوى مشروع الدولة الوطنية عبر أخونتها، ليس لدينا فقط، ولكن في بلدان عربية أخرى.
وكانت لنا محطة أمل تمثلت بمحطة مؤتمر الحوار الوطني الذي أنجز وثيقة تاريخية جرى الانقلاب عليها من قبل قوى الاستحواذ وقوى العودة للخلف خلافًا لمضامين مشروع الدولة الوطنية كما ترجمتها وثيقة مخرجات الحوار الوطني... تلك انتكاسة قادتنا لمربع الحرب ومحطاتها التي أدخلت البلد وشعبه في ليل بهيم.... فلا عاصفة الحزم أنجزت على الأرض مفاعيل حسمت أمورًا تقضي على من على الدولة ومخرجات الحوار الوطني انقلب، ولا هي رسمت خارطة للطريق... وكان الأمل يحدو الجميع بأن الانتقال لعاصفة الأمل يحمل في طياته وثناياه ما يهدئ موج بحرنا المطضرب الأمواج... لكن الأمور سارت بما لا تشتهي سفن الوطن المهدد بالغرق لا سمح الله.
وقد يقول قائل ويسأل وله حق القول والسؤال: وما الجديد في ما تكتب؟ وإلى أين تبحر بنا؟ أقول والقول متاح للجميع، الصمت على ما آلت إليه الأمور جريمة، حيث الصمت على دمار المواطن والوطن، يعتبر مشاركة، فبقدر رجاحة القول من خلال إدانة الانقلاب على مشروع الدولة، والقفز على مخرجات الحوار، واعتبار ذلك الفعل مسؤولًا عما آلت إليه أمور البلاد، وحالة هياج البحر التي بدأت أمواجه خلال الأيام الأخيرة بالتحرك، ومتى تحرك البحر فلا راد لهياجه... الشعوب دومًا أقوى من المستحيل السياسي.
باتت بلادنا أمام تحول خطير... الأمور على المستوى الشعبي وصلت درجة اللاعودة.
نقطة العودة حتى وإن كالوا من التهم ما كالوا، الناس تبحث عن حياتها، الناس تبحث عن بحر يبحر على سطحه الجميع عبر مجاديف يحركها الجميع دونما إقصاء... دونما تدوير للأزمة وتدوير للوجوه التي سقطت بالتجربة وفي بحر الفساد. نريد بحرًا خاليًا من أسماك القرش التي تلتهم ثروة البحر والبلد، وترمي الفتات لشعب بات يعيش على الكفاف، حيث عناوين حياة الناس:
لا أمن، لا أمان... لا ماء، لا كهرباء... لا رواتب وإن دفعت بعد حين يكون التضخم الناجم عن قصور السياسات الاقتصادية والمالية، التهمها من خلال الغلاء وهبوط قيمة الريال.
لا رؤية ذات أبعاد مزمنة تتعامل مع عوامل وعناصر أزمة البلد الهيكلية... ولا يحدثنا أحد من الناس أن هياكل سلطة إقامتها الدائمة خارج الوطن، قادرة على حسم الأمور، فما نراه ويراه الناس أبعد من مجرد تلاطم أمواج البحر، إنها أزمة حكم حقيقية، أزمة نخب تعيش خارج فضائها الوطني، طرف يرى نفسه الولي الفقيه على العباد، وطرف بيديه شرعية تاهت، وتاه معها طيلة سنوات مشروع الإنقاذ الوطني، فلا هو قدم نموذجًا، ولا هو وسع من حبال تحالفاته واستقطب قوى على الأرض ليس بالضرورة أن تكون من ذات اللون المعهود الذي يتم تدويره وتصنيعه لتنفيذ أجندات أبعد ما يكون الوطن وبحره هما القصد والرجاء.
كفى ما مررنا به. كفى تطعيمنا خلال مرحلة وأخرى بمسكنات من النوع الخالي المضمون الوطني طيلة سنوات مرت، ووقفات كانت مجرد جرعات لا تسمن ولا تغني من جوع.
مرحلة الحرب تمادت، وأوصلتنا حالة اللاسلم واللاحرب.
مرحلة الهدنة التي تأقلمت، بل ظلت شبحًا يطل عند الحاجة من قبل تجار الحرب.
مرحلة اتفاق الرياض، وماذا أثمرت؟ وولجنا مرحلة اللت والعجن... رئيس يذهب ويجيء بمجلس من ثمانية أضلاع، فلا هو بالمثلث المتين، ولا كان بزوايا الثلاثمائة وستين درجة يكتمل معها غسق الليل، وينبلج النهار عن مشروع وطني نرحل معه نحو بحر هادئ ومحطة للوصول النهائي، فمازال البحر مضطربًا، بل زادت أمواجه، ولن يصمت بعد الآن من اعتلوا سطح الموج، والكل يعد حساباته، ولذا نختم ونقول هل تستفيد الشرعية وتستعيد قوامها وقوتها وقوة مشروعها الوطني، ويكون لبلادنا نصيب من التحركات الدولية التي بدأت تلملم وتعيد رتق ما مزقته حروب الاقتتال والشتات؟ ذلك ما نأمله، قبل أن يغرقنا جميعًا طوفان شعب ناله الكثير مما لا يدركه إلا الشعب ذاته الذي دومًا يدفع الثمن باهظًا، بل باهظًا جدًا وجدًا، وعظيمًا. وختامًا كما يقال، فالقول ما قالت حذام.