صنعاء 19C امطار خفيفة

العم علي أفندي!

كنت أظن أن العم علي أفندي قد توفي في قريته في منطقة (دُبع الداخل)، التي عاد إليها بعد أن باع مخبازته في شارع الزعفران بكريتر، ليحولها المشترى الجديد إلى محل تجاري، حتى فاجأني استاذنا سعيد عولقي في منشور له في موقع صحيفة النداء أن الرجل لا يزال حيا، وأسعده كثيراً رؤية البهجة في عيون الناس وهم يحيون علي افندي بعمره المديد الذي بلغ 96 عاما، كما قال.

العم علي أفندي

 تعود معرفتي بالرجل إلى أكثر من عشرين عاما ، وكان لا يحلو لي في زياراتي لعدن، خلال سنوات الألفية الأولى، إلا بالمرور عليه وتناول أحدى وجباتي الشعبية في المخبازة.. ليس الآكل البسيط وأسعاره التي في المتناول هو ما كان يجذبني إلى المكان، الذي كان أحد أعمدة شارع الزعفران ومقصد الكثيرين، لكن حكايات العم علي الشيقة عن المدينة التي جاءها مطلع الأربعينات، حين كانت الحرب العالمية في ذروتها ، وقت انتشار ظاهرة المبرشتين ( المهربين) الذين كانوا يدخلون السلع النادرة إلى عدن مثل السكر والشاهي والجاز باسعار مضاعفة، وكيف أنه كان يرافق والده إلى الشيخ عثمان ودار سعد لشراء احتياجات المخبازة منهم.

حدثني عن المخبازة التي يديرها بعد والده، والذي هو الآخر ورثها عن جده، وتعود ملكية العقار التي تقوم عليه لوالد الفنانة فتحية الصغيرة (القبطان محمد فقيه).. حدثني عن أيام الرخاء في الخمسينات والستينات حين كانت قبلة الجميع ، وحدثني عن الأيام المجيدة وصعود النجمة الحمراء وعملية التأميم في السبعينات، التي افرغت المدينة من الناس والحركة.

 حدثني عن أصدقائه من الفنانين والمثقفين والرياضيين والسياسيين الذين كانوا يتناولون وجباتهم في المخبازة، وكيف كانوا بسطاء للغاية، وبأم عيني كنت أرى علاقته الحميمة بالناس العاديين الذين يمازحونه ، وكذا الذين يسجلون ديونهم في دفتر مشبع بالزيت، وقال لي أن معظم هذه الديون تعود بصعوبة بالغة وإن أصحابها أيضا لا ينقطعون عن المجيئ إلى المكان.

حين التقطت له هذه الصورة في صيف 2014، كان لم يزل يعمل بيديه، على أواني فخارية مستقدمة من تهامة يحضر بها فتات التمر والموز، والكثيرون لا يطمئنون إلا اذا جاءت مفتوتة بيديه ، وكان بنفسه يحضِّر الحلبة بالطريقة التقليدية بالحمر والبسباس والطماط المجروش وينتقي الأسماك من ثلاجته القديمة لزبائنه الخصوصيين، والتي يتوجها كالعادة بعرعراته المحببة.

 العمر المديد للعم علي

اقرأ أيضاً: علي افندي إبرز أعمدة الزعفران!

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً