مطلع الشهر الحالي، انتهت الإمارات العربية المتحدة من بناء قاعدة عسكرية في جزيرة عبده الكوري، التابعة لأرخبيل سقطرى اليمني. أصبحت القاعدة جاهزة للعمل فعلياً ومن المتوقع دخولها الخدمة في مارس المقبل.
لم تعلن الإمارات أو أي دولة أخرى عن بناء هذه القاعدة، ولم تمنح الحكومة اليمنية تصاريح رسمية بهذا الشأن. الأمر الذي دفع وكالة أسوشيتد برس إلى نشر تقارير تشير إلى ظهور مهبط طائرات غامض في الجزيرة، استنادًا إلى صور أقمار صناعية تم التقاطها لجزيرة عبده الكوري منتصف يناير الحالي.
تقع جزيرة عبده الكوري في المحيط الهندي وتعتبر ثاني أكبر جزيرة في أرخبيل سقطرى بمساحة تصل إلى 133 كيلومترًا مربعًا. تتبع الجزيرة إداريًا لمديرية قلنسية بسقطرى، وتبعد نحو 105 كم عن الساحل الشرقي للصومال و350 كم عن السواحل الجنوبية لليمن.
بعلم الحكومة اليمنية، ودون موافقتها الرسمية، بدأت الإمارات العمل في القاعدة منذ عام 2021. ومنذ ذلك التاريخ تم تعبيد المدرج الرئيسي بطول 2400 متر، بينما بلغ طول المدرج الفرعي نحو 1325 مترًا.
تهجير قسري للسكان
لا يتجاوز عدد سكان جزيرة عبده الكوري 500 شخص، بالإضافة إلى نحو 50 جنديًا يتبعون اللواء الأول مشاه بحري التابع للحكومة اليمنية والمتمركز في جزيرة سقطرى. منذ سيطرة الإمارات على الجزيرة، بدأت بتهجير سكانها، وبين الترغيب والترهيب تمكنت عام 2023 من تهجيرهم قسرياً إلى مديرية قصيعير بحضرموت وجزيرة سقطرى، على بُعد نحو 100 كيلومتر.
بالإضافة إلى القاعدة العسكرية، قامت الإمارات ببناء العديد من المرافق العسكرية والاستخباراتية الأخرى. تشير تقارير إعلامية غربية إلى أن القاعدة تم بناؤها بالتنسيق مع الولايات المتحدة لتعزيز السيطرة على خليج عدن وباب المندب، وحماية حركة الملاحة البحرية من سواحل اليمن إلى مضيق غواردافوري، الواقع بين منطقة أرض البنط في الصومال وأرخييل سقطرى.
حماية طرق الملاحة
يقول مراقبون إن القاعدة العسكرية في عبده الكوري تهدف إلى التصدي لهجمات الحوثيين على طرق الملاحة الدولية، ومنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن، التي نشطت مؤخراً في المياه الدولية الواقعة بين السواحل الأفريقية واليمن. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار ذلك سبباً وجيهاً لإنشاء القاعدة، إذ يسبق التواجد الإماراتي في جزر الأرخبيل التوترات الأخيرة على طرق الملاحة الدولية.
وعلى الرغم من أن أرخبيل سقطرى ظل بعيدًا عن الصراع في اليمن منذ عام 2015، إلا أن الإمارات استغلت انخراطها في التحالف العسكري لتحقيق نفوذها في المنطقة. في عام 2018، نشرت الإمارات قوات عسكرية في جزيرة سقطرى، الأمر الذي أثار حفيظة السلطة المحلية في الجزيرة. ومنذ ذلك الحين، عملت الإمارات على تقوية نفوذها في الجزيرة عبر تقديم الدعم العسكري واللوجستي للمجلس الانتقالي الجنوبي. وفي العام 2020، تمكن هذا المكون من السيطرة على عاصمة الجزيرة "حديبو"، وفرض سيطرة شبه كلية على الجزيرة، ونجح في تغيير رئيس السلطة المحلية هناك بشخصية أخرى موالية للإمارات.
وفي ديسمبر الماضي، طالب مكون مدعوم إماراتيًا بمنح جزيرة سقطرى حكمًا ذاتيًا كامل الصلاحيات، ما أثار اتهامات للإمارات بالسعي لتحقيق مصالح جيوستراتيجية في المنطقة، انطلاقاً من موقع سقطرى بين الممرات المائية الصالحة للملاحة في الخليج وأفريقيا وآسيا.
استمرار الوجود الإماراتي
على الرغم من إعلان الإمارات انسحابها من التحالف العسكري في اليمن عام 2019، إلا أن وجودها في سقطرى والجزر التابعة لها ظل ثابتًا، وعلى العكس من ذلك، برزت الأطماع الإماراتية بشكل أقوى مما سبق، في ظل صمت غير مبرر لسلطات الدولة العليا في اليمن. إذ لم يقم رئيس مجلس القيادة الرئاسي أو أحد أعضائه بزيارة الجزيرة منذ تعيين المجلس عام 2018، وكذلك الحال بالنسبة لرؤساء الحكومات اليمنية المتعاقبة، وجميعهم يتعاملون مع سقطرى كما لو أنها محمية إماراتية. وعلاوة على ذلك، رفض عدد من المسؤولين في الحكومة اليمنية وأعضاء في البرلمان التعليق على سؤال "النداء" حول الموقف الرسمي من قاعدة عبده الكوري.
ومن بين خمسة أعضاء في مجلس النواب تواصلت معهم "النداء"، اكتفى برلماني واحد بالتعبير عن استهجانه لـ "استباحة السيادة اليمنية" وقال، طالباً عدم الكشف عن هويته، إن من بين أسباب تعطيل جلسات البرلمان هو الحيلولة دون الوقوف أمام قضايا متعلقة بالسيادة والفساد في البلد.
إنشاء قواعد إضافية
لم تكن قاعدة عبده الكوري الجوية الأولى التي تشيدها الإمارات في اليمن. فخلال سنوات الحرب، أنشأت الإمارات أيضاً قاعدة عسكرية على جزيرة ميون قرب مضيق باب المندب، ومطارًا في المخا على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى حضورها العسكري في عدن.
وإلى جانب القواعد في اليمن، قامت الإمارات بإنشاء قواعد عسكرية في القرن الأفريقي، من أبرزها قاعدة بربرة في الصومال، وقاعدة عصب في إريتريا، وقاعدة في جيبوتي بالقرب من خليج عدن.