يمضي أستاذ اللغة الإنجليزية طه الجلال عامه الثالث داخل أقبية أحد سجون سلطة الشرعية في محافظة تعز، ويرفض سجانوه أوامر وقرارات قضائية بإطلاق سراحه، ويعتزمون نفيه إلى محافظة صعدة.
في مطلع العام 2023م، اعتقلت قوات أمنية وعسكرية معلم اللغة الإنجليزية من منزل والده الذي يقطن فيه هو وزوجته وطفلته ريا في مسقط رأسه قرية حجرمين مديرية جبل حبشي، على خلفية كتابات منددة بالحرب الكارثية التي دمرت البلاد منذ إعلان عاصفة الحزم لإعادة الشرعية في العام 2015 والهجمات التي شنها طيران التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
داخل أحد العنابر التي تشرف عليها اللجنة الأمنية بالمحافظة، يواصل المعلم طه تدريس اللغة الإنجليزية لأكثر من 100 سجين وفق برنامج ممول من إحدى المنظمات الدولية. لم يتوقف الرجل عن التعليم، حتى مع إضراب المعلمين وتوقف العملية التعليمية.
"عسس" السجن يستغلون المعلم طه مقابل ربع دجاجة يتحصل عليها على طبق الأرز الجاف الذي يقدم وجبة غداء للسجناء، أكد لـ"النداء" سجين سابق أمضى أسابيع، اعتقلوه بشبهة.
خضع المعلم طه لمحاكمة عسكرية بتهم عديدة، وبعد أكثر من عام على اعتقاله أمضى أشهر أخرى يحاكم في المحاكمة العسكرية إذ قرر القضاء العسكري إطلاق سراحه، لكن شعبة الاستخبارات رفضت أوامر القضاء العسكري بمبرر حصولها على أوامر عليا من اللجنة الأمنية التي يرأسها محافظ المحافظة نبيل شمسان توجه بنفيه إلى محافظة صعدة والتعامل معه كأسير حرب.
الجهات الأمنية والعسكرية ممثلة بمدير شعبة الاستخبارات العسكرية عبده البحيري واصلت رفضها أوامر النيابة العسكرية وقرار المحكمة العسكرية كما رفضت أمرًا آخر صادرًا عن وكيل النيابة العسكرية بالإفراج وتوجيه صادر من المحكمة العسكرية الابتدائية بتنفيذ قرار المحكمة بالإفراج وتحمل كامل المسؤولية في حال الاستمرار في عرقلة سير العدالة.
الحرب المدمرة أنتجت ثلاث سلطات أجهزت على جغرافيا محافظة تعز وحولتها إلى سجون كبيرة، تضاعفت السجون غير القانونية وبات سكان المحافظة عرضة للاعتقال لمجرد تنقلهم وعبورهم حدود سلطات الحرب.
فشل الحكومة المعترف بها دوليًا في صرف رواتب الموظفين في محافظة تعز لسنوات عقب قرارها بنقل البنك المركزي إلى عدن في سبتمبر 2016 دفع آلاف المعلمين إلى حافة الجوع والتشرد والبحث عن فرص عمل لإغاثة أسرهم، اضطروا للعمل في مهن شاقة، عديد منهم توجه الحدود السعودية للعمل "مرتزقة" في قوات غير نظامية.
المعلم طه الجلال عانى كثيرًا قبل أن يتلقى اتصالًا من أحد المعلمين في مديرية مقبنة (خاضعة لسلطة الحوثيين) المجاورة لمديرية جبل حبشي، (الخاضعة لسلطة الشرعية) وجدها فرصة عمل في مجال تخصصه مقابل راتب يتكفل بدفعه أولياء أمور الطلاب المغتربين في مدرسة "الأخلود".
حصل طه الجلال على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وأعقبها الماجستير في الترجمة الدبلوماسية والعلاقات الدولية. "فالآراء الحرة والشجاعة" التي كان ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، قادت إلى اعتقاله بحسب تأكيد أقاربه وأصدقائه لـ"النداء".
في حديثه لـ"النداء" يقول جاره علي محمد إن المعلم طه عانى كثيرًا كما هو حال المعلمين في البلاد، عجز عن استكمال سقف غرفة بعد سنوات أمضاها في حقل التعليم كانت ستؤويه وأسرته الصغيرة في سطح منزل والده قبل أن ينتهي به المطاف داخل أقبية السجن.
كان مقررًا أن تلتحق الطفلة ريا 7 سنوات ابنة المعلم المعتقل هذا العام في الصف الدراسي الأول لكنها تشردت هي وأمها واضطرتا للنزوح إلى مسكن الجد بحثًا عن الطعام، حرمت ريا من حقها في التعليم بسبب اعتقال والدها المعلم..!
لم تكتف أسرة المعلم طه بانتظار عدالة القضاء إذ توجهت أيضًا إلى قيادات اللجنة الأمنية بالمحافظة وحرر شقيقه التزامًا خطيًا سالبًا لحرية الرأي مقابل إطلاق سراحه من سجن الاستخبارات لكن لم يعيره المسؤولون أي اهتمام.
تقول مصادر "النداء" إن التأهيل الذي حصل عليه المعلم طه كان سيمكنه من منصب إداري في حقل التربية على حساب مصالح آخرين استغلوا رأيًا مسجلًا يندد بالعدوان والقوى الرجعية التي تعبث بالبلاد منذ عقود كتمهيد وذريعة لاعتقاله بشبهة الانتماء لجماعة الحوثيين.
توجهت أسرة المعلم المعتقل قبل أيام إلى النائب العام بشكوى تطالب بإنصاف ابنها المعتقل تعسفيًا في سجون سلطة الشرعية بتعز، أعد معلمون عريضة ليوقع عليها 10 آلاف معلم موجهة إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي تطالب بالإفراج الفوري وتعويض المعلم المعتقل.
كان التنظيم الناصري في مديرية جبل حبشي أصدر بيانًا أدان ما وصفها بعمليات إجرامية وترهيب نفذتها سلطات الأمر الواقع في تعز جبل حبشي بإقدامها على اعتقال عضو التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، من منزله وخطفه وترويع أسرته بشكل قمعي وحشي بوقت متأخر من الليل.
بدوره، المحامي يوسف العسلي الذي عمل على متابعة قضية المعلم المعتقل طالب في حديثه لـ"النداء" القضاء العسكري بإنفاذ أوامره وقراراته مؤكدًا أن المعلم المعتقل لم يرد بين قوائم الأسرى الحوثيين لدى الشرعية وأنه لم يشارك في حرب واعتقل تعسفيًا في منزله على خلفية رأي.