نمر بلحظة من أصعب لحظات تاريخنا الوطني، تعقدت خلالها كل الملفات حتى وصلت حلقوم نكون أو لا نكون! سنتناول عبر فقرات مقالنا اقتصاد بلادنا ووضعه المتدهور، ونرى ما السبل التي عبرها يمكن لنا الإسهام في مقاربة تتلاقى مع مقاربات أخرى للوصول إلى جادة الصواب، لأن ما نحن عليه اقتصاديًا أمر صعب السكوت عليه، إذ إن مظهر الركود والبعثرة والتشتت ومظاهر الفساد والإفساد وافتقاد أبسط مظاهر الحوكمة، كلها أمور تدفع لدق ناقوس الخطر، ونأمل وجود استجابة لما نقول من هنا أو هناك.
أي اقتصاد نريد؟ إن تبقت لدينا مظاهر ذات طابع اقتصادي سليم تساعد على إخراجنا من مسرح اللهو والعبث إلى مسرح الاقتصاد الحقيقي بعيدًا عن اقتصاد الموات أو اقتصاد الظل أو الاقتصاد الأسود، إلى محطة الاقتصاد الوطني بقسماته المتعارف عليها في عالم المال والاقتصاد، مدارًا بكفاءة بعيدًا عن الابتذال، وبعيدًا أيضًا عن وضعية الاقتصاد الحالي المجزأ المبعثر والضعيف والمعاني من مظاهر الفساد وسوء الإدارة، وبما يقود حتمًا لحالة العجز الكلي الهيكلي بكافة موازين الاقتصاد الوطني إن عاد ثمة صفة وطنية يجري احترامها... دعونا نبحث عن مداخل التوازن لاقتصاد متوازن وسليم... ميزان تجاري سليم، وميزان مدفوعات لا يشوبه خلل... الخ تلك المظاهر تتطلب علاجًا لا تقوى على إنجازها إلا دولة متماسكة ومستقرة يسودها النظام والقانون ووحدة المؤسسات... والأمر بحالتنا ليس كذلك مطلقًا، حيث العكس هو السائد للأسف الشديد!
نقول -والقول مهم- نريد ضمن مفهوم أن السياسة اقتصاد مكثف، أن نمتلك مدماكًا سياسيًا موحدًا غير متشظٍّ وغير متنافر، متواجهًا في طروحاته السياسية، فالسياسة اقتصاد مكثف، وأي قصور فيها يصيب مجالات الاقتصاد بمقتل، ويخلق بيئات متنافرة تدمر ما تبقى. نريد الخروج من ظلال وغابات وشرنقة الاقتصاد الأسود واقتصاد الظل إلى واقع اقتصادي حيوي سواء كان اقتصادًا أخضر يعتني بالزراعة أو أزرق يعتني بما لدينا من ثروة سمكية أو اقتصادًا أحفوريًا لما في باطن الأرض من ثروات يعتمد علميًا وبكفاءة خالية من الفساد، وصولًا قدر المستطاع لاقتصاد المعرفة واقتصاد الحداثة وما بعد الحداثة، كلما كان ذلك ممكنًا، مع أنني أرى أن واقعًا بائسًا نعيشه يجعل ذلك حلمًا بعيد المنال، لكن توفر الإرادات المستقلة يزيح عن الطريق أي مستحيل.
أطرح ذلك ونحن على أعتاب الذهاب إلى عتبات ما بات يعرف بالتحول نحو عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تتجه الأنظار خلال هذا الشهر (يناير 2025، تحديدًا للفترة من 20 إلى 24 منه)، حيث ستعقد على مرتفعات جبال سويسرا بهضبة دافوس فعاليات مؤتمر قمة دافوس، تحت عنوان "التعاون من أجل العصر الذكي". أوردت هذا الأمر للقول لمن يهمه الأمر كيف يفكر العالم وكيف نفكر نحن... أن نكون نحسن التفكير في قضايا شعبنا الأساسية، لأن منعرجات كثيرة تشغل البال عن قضايانا الأساسية، وقد يقول قائل إن هذا هراء، لكن ذلك ما هو حاصل للأسف، وليدرك كل طرف أن الاكتفاء بالتغريد على أجندته الخاصة دمر بلدًا ونسيجه كما دمر اقتصاده.
اقول وبحسرة إن كانت السياسة تهيم وتحلق بعيدًا عن متطلبات مغادرتنا للأزمة السياسية، فقل على البلد واقتصادها السلام، وبلا تحية، وعليه نشدد القول على ما يلي من شواغل تقرعنا ليل نهار:
- إن الرضوخ والاسترخاء بخيمة الواقع المأزوم الذي نعيش جريمة نتحملها جميعًا، وبدرجة أكبر من بيدهم القرار إن كان القرار بيدهم فعلًا وليس واقعًا داخل أتون الخلافات والصراعات التي لا تخفى على أحد... وحدة الصف أساسية لا مفر منها سبيلًا للعلاج.
- لا سياسة قوية مؤثرة دون اقتصاد متنوع قوي.
- لا اقتصاد دون أمن واستقرار وعمل مؤسسي وحوكمة متكاملة تطال كل المجالات.
- يتطلب مثل هذا التوجه دورًا فاعلًا للسلطة التنفيذية ممثلة بالأخ أحمد بن مبارك، رئيس مجلس الوزراء، ضمن رؤية متكاملة يشارك في إعدادها ذوو الخبرة والاختصاص، ولا بأس من الاستعانة بخبرات من هنا وهناك ضمن منظور وطني متماسك تخدمه رؤية واستقرار سياسي متماسك ومظلة أمنية وحوكمة شاملة.
- وتستدعي الضرورة مشاركة فعالة للجهات المالية: بنك مركزي، ووزارة مالية، مع دعوة ومشاركة الغرفة التجارية على المستوى الوطني.
هي بداية ومحطة إنعاش لجهود وتفاهمات كان ينبغي أن تتم من أجل بعيد، لكن ولعنة الله على لكن، فحين تنام السياسة وتخيم في أتون الصراعات والخلافات الجانبية والمصالح الأضيق من مصلحة الوطن العليا، يفلت الزمام، وتصل بنا الأمور لما نحن فيه، وإلى ما هو أسوأ... ما بالك ونحن نمر بمرحلة سؤال أصعب... سؤال غيبوبة الوعي الوطني حين يسألك البعض: يا هذا عن أي وطن تتحدث؟
وهنا الكارثة التي خلفت خلفها كارثة ما بعدها كوارث منها ما نعيشه من أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة وسواها من أزمات للأسف باتت ذات طابع هيكلي مزمن تحتاج جهودًا جبارة وموارد أضعاف أضعاف... ومن هنا أقول إن علينا أن نبدأ، والتأجيل والمراوغة والمراوحة داخل مربعات الخلافات والصراعات، لن تزيد الأمر والشأن السياسي والأمني والاقتصادي إلا سوءًا، بل سنمضي من سيئ إلى أسوأ، وهو ما لا نريده لبلدنا، ولا نتمناه أصلًا.