صنعاء 19C امطار خفيفة

أزمة التعليم: حرب أخرى شاملة وأكثر خطورة على اليمن

أصبح التعليم في اليمن ضحية أخرى من ضحايا الصراع الذي لا تبدو له نهاية. فقطاع التعليم يختبر أزمة متفاقمة تهدد مستقبل ملايين الأطفال، وتضع اليمن على حافة الهاوية.

 
تشير الأرقام إلى أن أكثر من 4.5 مليون طفل يمني خارج المدرسة، وهو ما يعادل 42% من إجمالي الأطفال في سن التعليم. هذه النسبة المرعبة تعني أن أربعة من كل عشرة أطفال في اليمن محرومون من حقهم الأساسي في التعليم.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فمن بين الأطفال الذين مازالوا يذهبون إلى المدرسة، يعاني 94.7% من صعوبة في القراءة والفهم، مما يعني أن جودة التعليم في تراجع حاد. ووفقًا لتقارير اليونيسف، فإن أكثر من 8.1 مليون طفل يحتاجون إلى مساعدة تعليمية طارئة. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي قصص أطفال فقدوا حقهم في التعلم، وحلمهم في بناء مستقبل أفضل.
 
الحرب التي اندلعت في مارس 2015 كانت العامل الرئيسي الذي عمق أزمة التعليم في اليمن. فهذه الحرب تسببت في تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بأكثر من 2783 مدرسة، وهذا أثر على تعليم ما يقارب 1.5 مليون طالب وطالبة. أدت الحرب كذلك إلى انقسام النظام التعليمي إلى قسمين: أحدهما في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا، والآخر في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيون). هذا الانقسام أدى إلى تجزئة المناهج الدراسية وتسييس التعليم وتعديل المناهج لتتناسب مع الأجندة السياسية والأيديولوجية لأطراف الصراع، أو بالأصح بعضها. وهو ما يؤدي إلى ترسيخ الانقسامات الاجتماعية والطائفية.
الأطفال في اليمن لا يواجهون فقط نقصًا في المدارس والمعلمين، بل يواجهون أيضًا خطرًا يوميًا في طريقهم إلى المدرسة. ففي مناطق الصراع، أصبح الذهاب إلى المدرسة مغامرة محفوفة بالمخاطر. وفقًا لتقارير منظمة "أنقذوا الأطفال"، فإن 14% من حالات التسرب من المدارس مرتبطة بانعدام الأمن في الطريق من وإلى المدرسة. كما أن المدارس نفسها لم تعد آمنة، إذ تم استخدام بعضها كملاجئ للنازحين أو حتى كثكنات عسكرية.
الأزمة الاقتصادية التي يعانيها اليمن تفاقمت بسبب الحرب، حيث انكمش الاقتصاد بأكثر من 50% منذ عام 2015. هذا التدهور الاقتصادي أجبر العديد من الأسر على الاختيار بين توفير الغذاء أو تعليم أطفالهم. ففي ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية، أصبحت تكاليف التعليم، مثل الكتب والقرطاسية والزي المدرسي، عبئًا ثقيلًا على الأسر الفقيرة. ونتيجة لذلك، اضطرت العديد من الأسر إلى إخراج أطفالها من المدارس وإرسالهم إلى العمل لمساعدة العائلة في تأمين احتياجاتها الأساسية.
ما يحدث اليوم ليس مجرد انقطاع عن التعليم، بل هو انقطاع عن المستقبل، عن الأحلام، وعن أي أمل في بناء غد أفضل. فالأطفال الذين يفقدون فرصتهم في التعليم اليوم، سيكونون غدًا جيلًا أميًا يفتقر إلى المهارات الأساسية اللازمة لبناء اقتصاد قوي أو مجتمع مستقر. هذا الجيل سيكون أكثر عرضة للتطرف والعنف، وسيكون هدفًا سهلًا للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة.
هذه الأزمة تعني خسارة جيل كامل، وحرمان اليمن من أي أمل في التعافي والتنمية في المدى المنظور. وإذا لم نتحرك الآن، فإننا نخاطر بفقدان جيل كامل، وسنكون جميعًا مسؤولين عن مستقبل مظلم ينتظر اليمن والمنطقة بأسرها. كما أن تداعيات هذه الأزمة لن تقتصر على اليمن فقط، بل ستؤثر على المنطقة بأسرها. فغياب التعليم سيخلق جيلًا يحمل تصورات ومواقف عدائية تجاه دول الجوار، مما قد يؤدي إلى تصدير عدم الاستقرار الأمني إلى المنطقة.
ومع أنها مسؤولية اليمنيين، لكن يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية أن تتحرك بسرعة لإنقاذ التعليم، ليس فقط من خلال توفير التمويل، بل أيضًا من خلال الضغط على الأطراف المتحاربة لوقف الحرب وإعادة بناء النظام التعليمي.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً