صنعاء 19C امطار خفيفة

انكسر ظهري

انكسر ظهري
عبدالسلام بجاش
ماذا أقول؟ من أين أبدأ؟ كيف أبدأ؟ 
ما هو الكلام الذي سيكون بحجم الحزن؟
وأي حزن هذا الذي تستطيع التعبير عنه؟ فالحاضر الغائب كان أكبر من كل ما يدور في الخلد...
اليوم أحسست بوجع، لم أذهب إلى ديوان الأصدقاء، جالس في البيت، انتبه تنسى، بعد أسبوعين سأعمل العملية.
وكما نحن معتادون نعود لنخوض في أمورنا، ويكون أخونا عبدالناصر محور الحديث...
أودعه على أمل أن نتواصل من جديد، ونحن لا ننقطع عن بعضنا إلا لمامًا...
يأتي حسام:
عمي في غرفة الإنعاش.
أضع يدي على قلبي، لكنني أكرر الدعاء بأن يتجاوز.
تحلقنا حول مائدة الغداء، ابنتي تاج وحسام والصغيرة جوان، وحسام يردد:
أنا خائف.
وأنا أحاول تجاوز اللحظة لأعود إليها.
ترن نغمة تليفونه فقط بعد أن يسمع جمال يقولها مرة واحدة:
أوف ويقوم
تتجمد اللقمة في حلقي.
تذهب ابنتي بنظرها إلى صورة أختي شذى على الجدار ولا تقول شيئًا.
ألبس سريعًا، وكذا حسام، وإلى المستشفى...
هناك فتشت وجهه، كنت سأقول:
يا رجل يكفي نوم، هيا.
تجمدت على جبينه أطبع قبلة العمر كله، ذلك الجبين الذي طالما أحببناه جميعًا.
عبدالسلام الأخ، الصديق، الوفي، حسن اللسان، الصامت، الضاحك وقت الحاجة، مستودع أسراري أنا شخصيًا... وكلما أحب أن أضحك أتصل به:
تذكر لما أمك ذهبت إلى المستشفى الجمهوري بتعز، وتركتك عندي؟
يردد ضاحكًا:
عادك تذكر؟
وأقول:
ذلك دين عليك.
ومن لأمنا خديجة عليها السلام غيرنا، حنونة، وفية، كريمة نفس.
لم أستوعب حتى اللحظة أنها تركتنا، كل إخوتي وأنا أحبهم بدون استثناء، لم يستوعبوا... وكلما زاد الشجن تذهب أناملي نحو اسمه أمامي على الشاشة، فتتستمر أصابعي... أهم بالتليفون لأقول له:
أينك يا ضبع؟ فيضحك كثيرًا.
وأؤلف من رأسي حكاية يضحك لها ويردد:
أنت لا تستحي، فأبادله الضحكة لإحساسي بحيائه ونظافة روحه.
لم أستطع البكاء
تحجرت مشاعري عند نقطة محددة لم أتركها حتى اللحظة.
وفي أعماقي صوت يتردد:
انكسر ظهري يا أخي
لم فعلتها فينا؟
لم استعجلت؟
لايزال في الخيال حكايات كثيرة
ولايزال في الوقت متسع نقولها ونرددها.
لماذا؟
وبكل هذا الهدوء القاتل تتركنا في صحراء قاحلة موحشة؟
هل يعقل أنني أتصل ولا نسمع لك صوتًا؟
كيف؟
بأية لغة أعبر عن حزن البحار ومحيطات من الألم تجتاح الروح
ماذا أقول؟ بعد أن بحت ببعض ما في الأعماق
ماذا أقول؟
أي طريق أسلك لأصل إليك
تركتني وحيدًا وأسراري معك
وأنت سرنا جميعًا ومستودع الإخوة كلها
ماذا أقول يا صاحبي؟
افتقدتك بصدق
افتقدت الحنين إليك الذي يعود جارفًا كالعواصف
أبحث عنك
أجدك في عيني
في قلبي
في عقلي
في أولادي
في إخوتي
في كل الورود والأزهار والسنابل وعصافير الأودية.
هل تتذكر وادي الجنات؟
هناك أنت تتدفق مع مياهه الزلال
وتردد الطيور صوتك:
أين أنتم؟
فيتمرد الجواب على السؤال
ويبحث الطريق عن طريق
أين أنت يا عبدالسلام؟
حزني كمزن المطر يجلل الكون
وأنا هناك أول الطريق الذي نسي نفسه بعد ذهابك
أين ظهري؟
لم أعد أحس، حتى الألم كبر على الألم
وأنت هناك هناك
فقط أين نحن..
نم يا صديقي
على روحك سلام الله وحبنا.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً