صديقي الكائن الصيفي الذي يشتاق لتناول المثلجات والبطيخ، إذا كنت تظن أن البرد الذي عشناه مؤخراً هو الشتاء الحقيقي، فأنت مخطئ. كل ما قاسيناه كانت مجرد مقبلات خفيفة قبل تقديم الطبق الرئيسي من مربعانية الشتاء.
مربعانية الشتاء هي 40 يوماً تُقسَّم إلى ثلاث منازل فلكية أو أنواء، كل واحدة منها تستمر 13 يوماً، تبدأ بالإكليل، ثم القلب، ثم الشولة. يشكلون معاً هيئة العقرب، ولذلك يطلق عليها في تقويم الزراعة العربية مربعانية الشتاء.
نوء الإكليل، وهو أولى منازل المربعانية، يطلع في اليمن منذ الخامس من ديسمبر، ويستمر 13 يوماً. وبطلوع الإكليل يأفل الخريف، وتبدأ معالم الشتاء بالظهور، فيزداد هبوب الرياح، وتنخفض درجات الحرارة.
اعتاد المزارع اليمني أن يهم بتغطية الأرض الزراعية بحذر لعزلها عن البرد، وتقليل ري الأشجار إلا حين الحاجة، ويتجنب شرب المياه الباردة، ويتواصى بالتدفئة قبل النوم. وهي النصيحة التي تتضح حكمتها في آخر موجتي صقيع مرت باليمن، وفتكت بالمحاصيل الزراعية في 11 و17 من ديسمبر.
ثم يظهر نوء القلب، وهو نجم أحمر نيِّر يتوسط نجمين صغيرين يقال لهما النياط.
يظهر في 18 ديسمبر، ويستمر 13 يوماً حتى بداية العام الجديد. وفيه تستمر درجات الحرارة بالانخفاض، ويحدث الانقلاب الشتوي المعروف في الـ21 من ديسمبر. وهكذا، فنحن اليوم نوافق منتصف المربعانية وقلب الشتاء.
والقلب هو نوء غير محمود عند العرب والمزارع اليمني لعدم هطول الأمطار فيه، وانخفاض درجات الحرارة، وهبوب الرياح. وفيه تكثر الغيوم والضباب حتى قالت العرب: "إذا طلع القلب جاء الشتاء كالكلب، وصار أهل البوادي في كرب".
ثم تُختَتم المربعانية أخيراً بنوء الشولة، وهي أيام أخرى من الصقيع قالت فيه العرب: "الشولة ترد البرد من أوّله".
وهكذا، أخي الكائن الصيفي، لايزال المشوار أمامك طويلاً. ابقَ دافئاً وتغذَّ جيداً، وحين يكون من الصعب الاستيقاظ في الصباح من أجل الدوام، تذكر الجهود الحثيثة المبذولة في المزارع للنجاة بالمحاصيل والمواشي.
والحقيقة أن الحضارة اليمنية منذ القدم حضارة زراعية مدهشة لا يسعنا إلا الإعجاب بخبرة المزارع اليمني، وسرعة بديهته، وحنكته في تتبع الأنواء، واتخاذ الاحتياطات والحلول. فالشتاء في اليمن، رغم قسوته، هو مقدمة لربيع خصب مزهر.