لم يكن الشيخ صادق أبا شعر يتوقع أن عودته إلى منزله في 25 نوفمبر 2024 ستتحول إلى مشهد دامي يُذكّر بمشاهد الإعدامات التي نفذتها التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة. الفرق هنا أن الجناة لم يكونوا يرتدون أقنعة سوداء، بل كانوا عناصر أمنية بقيادة القيادي الحوثي علوي الأمير، مدير قسم شرطة شميلة، وتسعة من مرافقيه.
تفاصيل اللحظات الأخيرة
في حوالي الساعة الحادية عشرة مساءً، كان الشيخ صادق وهو أحد مشايخ مديرية الشعر بمحافظة إب وتاجر جنابي وأسلحة رسمي، عائداً إلى منزله بسيارته الكيا الرمادية موديل 2006. لم يكن مطلوبًا أمنيًا، ولم تصدر بحقه أي أوامر قبض أو بلاغات. ومع ذلك، وجد نفسه مراقباً من قبل سيارة مريبة ودورية أمنية منذ مروره بحي القادسية وصولاً إلى شارع تعز في منطقة دار سلم.
في تلك اللحظة الحاسمة، خرج الشيخ من سيارته ورفع يديه مستسلماً، جاثياً على ركبتيه في إشارة واضحة لعدم المقاومة. لكن بدلاً من اعتقاله، فتح علوي الأمير ومرافقوه نيران أسلحتهم عليه وعلى سيارته. ووفق شهادة مصدر مقرب من العائلة فضل عدم ذكر اسمه لدواعي أمنية، وهو أحد المقربين من الشيخ، فإن "الرصاص لم يكن عشوائياً، بل كان إعداماً ميدانياً متعمداً".
وأضاف: أُطلقت على جسده نحو 20 رصاصة، بينما اخترقت 70 طلقة أخرى سيارته. وكشف تقرير الطب الشرعي أن الرصاص الذي أصاب الشيخ أُطلق من مسافة قريبة، بعضها من مسافة صفر باستخدام مسدسات، وأخرى من مسافة 10 إلى 15 متراً باستخدام أسلحة آلية. ولم يكتفِ الجناة بذلك، بل "أخذوا جثمانه وسلاحه وجنبيته وأمواله، وقاموا باقتحام المحلات التجارية ومسحوا تسجيلات الفيديو التي وثقت الجريمة، وبتكسير كاميرات المراقبة المحيطة بموقع الجريمة في محاولة واضحة لطمس الأدلة"، حسبما يؤكد المصدر.
روايات ملفقة لتبرير الجريمة
بعد الحادثة، حاولت السلطات الحوثية التغطية على الجريمة عبر بث روايات امنية زائفة. في البداية، زعمت أن الشيخ كان متورطاً في "أعمال غير أخلاقية"، وأنه "قاوم السلطات"، ثم ادعت مؤخرا أنه كان يحمل ثلاثة هواتف ويتواصل مع "جهات مشبوهة"، في محاولة لإرهاب الاسرة واجبارها لعدم المطالبة بالجناة. لكن أسرته نفت كل هذه المزاعم، مؤكدة أنه لم يكن يملك سوى رقمين فقط ولم يذكر محضر المضبوطات في التحقيقات سوى هاتف واحد.
ويقول المصدر: "هذه ليست سوى محاولات رخيصة لتبرير الجريمة وتشويه سمعة الشيخ". وأضاف أن السلطات تواصل تضليل الرأي العام وتهديد الشهود المحتملين، في حين ما زالت أسرة الشيخ تحتفظ بالأدلة والشهادات لحين إحالة القضية إلى القضاء.
"القاتل حُر والضحية مدان"
حادثة الشيخ أبا شعر ليست الأولى، بل هي جزء من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تُرتكب في مناطق سيطرة الحوثيين. ففي يناير 2024، قُتل الشاب حاشد النقيب أمام والدته وأشقائه في منزله ببني الحارث، على يد مسلحين تابعين للقيادي الحوثي أكرم القاسمي، نائب مدير أمن الجوف.
الخلاف بدأ بسبب مشاجرة بسيطة بين النقيب واثنين من أقارب القاسمي، انتهت بجرح بسيط لأحد أبناء القاسمي. ورغم الوساطات القبلية لحل الخلاف، أصر القاسمي على الانتقام. وفي يوم 15 يناير، كان ستة مسلحون يتبعون القاسمي، بانتظار النقيب أمام منزله، وأطلقوا عليه 66 رصاصة أمام والدته، ثم مثلوا بجثته.
ورغم تقديم أسرته بلاغات للشرطة، لم تتحرك الأجهزة الأمنية. وبعد ضغوط احتجاجية، سلم الحوثيون ثلاثة من المتهمين، بينما لا يزال "ثلاثة آخرون طلقاء بعد مرور عام على الجريمة"، بحسب أحد أقرباء الضحية الذي يقول إن "المحكمة تماطل في القضية، واستمرت في تأجيل الجلسات في محاولة لإطلاق سراح المتهمين الرئيسيين".
شبيطة.. حادثة أخرى بدون تحقيق
في 7 مايو 2024، تعرض الصحفي محمد شبيطة، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب، وهو أيضا أمين عام نقابة الصحفيين، لهجوم مسلح أثناء مروره مع قريبه وابن قريبه في محيط وزارة الإعلام بصنعاء.
وفي تفاصيل الحادثة، دخل شاب مسلح سيارة شبيطة بالقوة، هرباً من عناصر تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الحوثي، فأمطروا السيارة بأكثر من 100 طلقة نارية، ما أسفر عن مقتل قريبه وإصابة ابن قريبه وإصابة شبيطة نفسه برصاصتين في البطن، علاوة على قتل الشاب الملاحق.
ورغم وضوح الجريمة، لم تُفتح أي تحقيقات، بل بررت السلطات الحوثية الجريمة بأنها حدثت "عن طريق الخطأ" وأن عناصر الامن والمخابرات كانوا يطاردون مشتبه به. وادعت السلطات أن الشاب الهارب كان "بائع خمور"، وهي رواية لا اساس لها من الصحة، ووُصفت بأنها محاولة لتزييف الحقائق. الأسوأ من ذلك، تم فرض رقابة أمنية مشددة على شبيطة خلال علاجه في مستشفى الكويت بصنعاء، ومنعت السلطات نقله إلى الأردن لتلقي العلاج إلا بعد دفن قريبه والقبول بالتحكيم القبلي.
درس من رداع.. الثأر بديلاً عن العدالة
في مارس 2024، شهدت مدينة رداع بمحافظة البيضاء قصة أخرى تُجسد إحساس المواطنين بانعدام العدالة في ظل سيطرة الحوثيين.
القصة بدأت عندما قتل أحد المشرفين الحوثيين شاباً قروياً في نقطة تفتيش. على مدار عام كامل، طالبت أسرته بتقديم الجاني إلى العدالة، لكن الحوثيين رفضوا الاستجابة، وسمحوا للمشرف القاتل بمواصلة عمله في نفس النقطة الأمنية.
لم تجد أسرة الضحية بداً من أخذ الثأر بأيديهم، حيث نصب شقيق القتيل كميناً للمشرف الحوثي وقتله بالطريقة نفسها التي قتل بها شقيقه. ورد الحوثيون بحملة أمنية طالت القرية بأكملها، حيث فجروا 5 منازل، مما أسفر عن مقتل 35 شخصاً.
الإفلات من العقاب يفتح أبواب الانتقام
تتشارك قضايا الشيخ أبا شعر، حاشد النقيب، محمد شبيطة، وأهالي رداع في عامل مشترك: الجناة في كل هذه القضايا ينتمون للسلطة، سواء كانوا عناصر أمنية أو مشرفين حوثيين.
يقول أحد الناشطين: "في مناطق الحوثيين، الجاني هو السلطة، والعدالة لا تتحقق إلا بالثأر". ويضيف أن تبرير الجرائم يبدأ بتلفيق الاتهامات للضحايا، واتهامهم زوراً بـ"التحريض ضد الدولة" أو "حيازة المخدرات" أو "ممارسة أفعال غير أخلاقية"، لتشويه سمعتهم وإسكات مطالبات العدالة.
مطالبات بالعدالة.. ووعود فارغة
في قضية الشيخ أبا شعر، لم تقدم السلطات الحوثية الجناة إلى العدالة، رغم الوعود المتكررة بتشكيل لجنة تحقيق. ومع اقتراب انتهاء المهلة التي منحتها الأسرة، يزداد القلق من أن يتكرر سيناريو الإفلات من العقاب، كما حدث في قضية حاشد النقيب ومحمد شبيطة.
"إذا لم تنصفنا الدولة، فسنأخذ حقنا بأيدينا"، هكذا هدد أهالي مديرية الشعر بمحافظة إب، في تكرار لذات الشعارات التي رفعها أهالي رداع.
إعدام ميداني بأدوات السلطة
عندما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء عام 2014، زعموا أن هدفهم "محاربة داعش والقاعدة". لكن بعد مرور سنوات، باتوا هم من يعيد إنتاج مشاهد الإعدام الميداني ذاتها، وبأدوات السلطة وغطاء "القانون". وطبقا لتقرير فريق الخبراء المعني بحقوق الإنسان في اليمن أكتوبر 2024، فقد وجد الفريق أدلة على وجود علاقات بين الحوثيين وتنظيم القاعدة. هذه العلاقة تتجلى في تبادل الأسرى، وتأمين تحركات بعض العناصر، مما ينسف كليًا مزاعم الحوثيين حول "محاربتهم للإرهاب".
قصة الشيخ أبا شعر ليست مجرد حادثة فردية، بل هي شهادة حيّة على تحول الجماعة إلى آلة قتل ممنهجة. إنها قضية لم تنتهِ، فالمهلة التي وعدت بها وزارة الداخلية الحوثية بإحالة الجناة إلى القضاء ستنتهي خلال يومين. لكن الأهالي، الذين عايشوا مآسي مماثلة، لا يتوقعون شيئًا جديدًا.
في اليمن اليوم، تبدو السلطات الحوثية وقد تحوّلت إلى الجلاد والقاضي في آنٍ واحد، وبينما يُفتح المجال للقتلة للإفلات من العقاب، يُترك أولياء الدم ليواجهوا خيارين أحلاهما مر: إما قبول التحكيم القبلي أو أخذ الحق بأيديهم.