اصبح الحديث عن عبدالله العديني ملفتًا ومثيرًا للاهتمام في وسائل التواصل الاجتماعي. كل أسبوع، ينخرط مئات الآلاف من اليمنيين، لا سيما من رواد وسائل التواصل الاجتماعي، في جدالات حادة بسبب تصريحاته. بشخصيته المثيرة للجدل، وأفكاره التي تتسم بضيق الأفق، وافتقارها إلى المنطق، ينجح العديني في إشعال النقاشات بعبارات قصيرة يطلقها من منبره أو ينشرها على صفحته في "فيسبوك". يرى العديني نفسه في معركة كونية مع الباطل، يطرح أفكاره كقواعد اشتباك مع الواقع، وليس كحوار أو رسالة دعوية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا هذا الحضور الاستفزازي للعديني مقارنة بغيره؟ يبدو أن الجدل والاستفزاز مرتبطان بهاجس العديني المستمر ويقينه الثابت بأنه هو "المبلِّغ عن الله" والمدافع عن دينه. هذا اليقين المتصلب يدفعه إلى تبني أسلوب مباشر وسطحي، متجاهلًا أدبيات الخطاب والحجاج (كعالم دين) وتعقيدات الواقع، فيرى نفسه حارسًا وحيدًا للفضيلة في مجتمع يصفه بالمليء بالمثقفين "الملاحدة والزنادقة". وكما يقول هيلاري لوسون في كتابه "الرجوع إلى الذات: المعضلة ما بعد الحداثية": "اليقين يُعبَّر عنه من خلال النصوص واللغة، لكن هذه الأدوات ليست محايدة". وهذا ما لا يدركه العديني، أن اللغة غير محايدة، إذ يصيغ أفكاره بعبارات مباشرة واستفزازية، ولسان حاله يقول: أقول الحق، وعليّ وعلى أعدائي.. من لدين الله إن سكتنا نحن!
البطولة هي محور اهتمام العديني. فهو يرى نفسه المدافع الأبرز عن القيم الإسلامية في ظل انشغال الناس بالسياسة، مكرّسًا خطبه ومستغلًا منبره لمناقشة قضايا مثل لباس المرأة اتساعه وضيقه، وما يسميه "الأغاني المايعة والتافهة"، بينما يتجاهل أزمات أكبر، مثل انهيار الدولة اليمنية ومعاناة المجتمع الذي يعيش فيه. في كتابه "البطل بألف وجه"، يشير جوزيف كامبل إلى أن البحث عن البطولة غالبًا ما يكون تعويضًا عن نواقص في الشخصية. وهذا ينسجم مع أسلوب العديني، الذي يعتبر انتشار تصريحاته ووصولها إلى الترند بطولة وإنجازًا عجز الآخرون عن الوصول إليه.
لكن لماذا يحدث هذا؟ ربما يعكس ذلك حالة الفراغ التي يعيشها اليمنيون في ظل الحرب والانقسام المجتمعي والانهيار الاقتصادي. في بلدٍ منهك، حيث يكافح الناس يوميًا لتأمين احتياجاتهم الأساسية، قد تكون مثل هذه النقاشات الجانبية وسيلة للهروب من القضايا المصيرية. هذا التفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي قد يُظهر أيضًا يأسًا تسلّل إلى العقول نتيجة غياب التغيير الملموس في حياة اليمنيين. وقد يكون الانشغال بتصريحات العديني مجرد وسيلة لتجنب مواجهة الأسئلة الكبرى حول مستقبل البلاد، بخاصة في ظل الاستقطابات الحادة بين حكومة تُوصف بالشرعية ومليشيات انقلابية، وغياب أفق واضح لحل سياسي أو اقتصادي.
وقد تكون تصريحاته جزءًا من استراتيجية حزبية وسياسية لتشتيت انتباه واهتمام الناس عن القضايا الكبرى في الداخل اليمني وفي الإقليم. حيث وصف أحد صحفيي حزب العديني ما يقوم به بـ"النجاح" في تحويل الأنظار عن تطورات الأحداث في سوريا، مما يوحي ببُعد تكتيكي وراء تصريحات العديني المتكررة والمستمرة. يبقى السؤال: هل النقاشات الكثيرة حول تصريحات العديني هي انعكاس لحالة انسداد الآفاق في اليمن، أم دليل على فراغ فكري وثقافي، في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى خطاب أكثر جدية ورؤية أوضح لحلحلة الوضع القائم وتغييره..؟!