جلس بجانبي بالصدفة أو جلست أنا..
جميل الأصبحي..
كان ذلك النهار مضمخًا بالذكرى والذاكرة... معطرًا بالذكرى السنوية الثانية لرحيل أبينا المعلم أ.د. عبدالعزيز المقالح
مد جميل إلى يدي كتيبًا صغيرًا حجمه، نظرت سريعًا إلى العنوان "قصة يتيم" في ذكريات 40 عامًا، لم يعجبني العنوان، ولأنني أهتم بالغلاف لأي كتاب، فلم أرتح للآخر هو الغلاف...
الكتيب من صفحته الأولى طبع بمطابع الشعب -تعز، 1970، قلت هنا ما يبرر سوء الغلاف، وكذا الإخراج عمومًا، تم "تحديث الطباعة" كما هو مبين هذا العام 2024.
أخذته بالطبع بجانب الكتاب السنوي للذكرى والذاكرة..
في المساء قلت لأتصفحه وأرَ ما فيه..
ومن المقدمة لم يفلت من يدي حتى "بعون الله تمت القصة"، 65 صفحة.
في وقت ما لا أستطيع تحديده الآن، اطلعت، وبيد من لا أذكر أيضًا، على توجيه من القاضي عبدالرحمن الإرياني، يقول:
الشيخ سعيد علي الأصبحي: الصلح سيد الأحكام، أصلحوا بين فلان وعلان.
بقي ذلك التوجيه في ذهني كل السنوات الطويلة من ذلك العام البعيد.
إذن، فالكتيب قصة الشيخ سعيد علي الأصبحي المقاول الكبير المعروف، والذي ظللت أتمنى أن أتعرف على سيرته حتى أمس ليلًا كنت قد تشربتها..
قصة تحكي سيرة الرجل، أو هي حكاية الطفل الذي ولد في قرية العفة من عزلة الأصابح، وانتهى حاملًا وسام الجمهورية من الطبقة الثالثة من جمال عبدالناصر،
ووسام مأرب من السلال، وحماية من القاضي الإرياني الذي حماه من تهمة اختلقها المغرضون أنه وراء أحداث 22 و23 أغسطس المعروفة..
سيرة ذاتية مليئة بالدروس لمن يريد أن يستفيد. وهنا أكرر أمنيتي الدائمة أن يكتب كل صاحب سيرة مهنية متميزة، سيرته، وبالطريقة التي يستطيع عليها، فأجمل ما في الكتيب تلقائية الشيخ سعيد وبساطته وبساطة أسلوبه...
من العفة قريته والمعلامة إلى الأرض إلى عدن، وهناك تعلم الكثير على صعيد البناء، ثم عاد إلى قريته، وظل يبني الدور...
ومنها إلى عدن مرة أخرى عندما وجد من أهله ذاهبين إلى السعودية، ويحكي طويلًا قسوة الذهاب... وفي السعودية يبدأ في جدة من الصفر، كان اليمني يُمنع من الذهاب إلى الرياض، لكنه استطاع أن يذهب. وهناك تعرف وعمل مع محمد بن لادن الذي كان وفيًا معه، واستطاع بعمله المتقن أن يصل إلى الملك سعود الذي كان يعطف على اليمنيين...
أصبح مشهورًا بعمله، ورئيسًا للجالية اليمنية، يحل مشاكلها ويرعاها حتى قامت ثورة 26 سبتمبر 62، فقرر العودة، وقد تبين أن كان للرجل صلات طيبة مع الأحرار..
يحكي كيف خرج من السعودية عبر الدمام بعد أن رحل أولاده وأصحابه، ومنها إلى الكويت التي دخلها بصعوبة، وإلى القاهرة، وهناك قابل عبدالناصر..
عاد إلى الحديدة بالتحديد التي كان قد أسس له فيها مكانًا.. وأسهم في إحداث النهضة في الحديدة حتى أصبح مرجعًا...
هذا غيض من فيض عن الرجل الذي أصبح جزءًا رئيسيًا من عنوان الحديدة، أعماله تشهد له، وفندق الحديدة فيها له حكاية، فقد بدأ البناء قبل الثورة، فكتب له صديق مقرب من الإمام أنه سيصادر المبنى بسبب أنه كاشف المقام، فرد على صاحبه: قد يموت الإمام قبل أن ننجز المبنى. وهذا ما كان...
الشيخ سعيد علي الأصبحي نموذج حي للنجاح المبهر، تخرج من جامعة الحياة ومن إرادة أمه التي رعته بعد موت والده مبكرًا...
كتيب جدير بالقراءة، أتمنى أن تعاد طباعته وإخراجه بما يليق به وبصاحبه..
رحم الله الأصبحي السعيد..
4 ديسمبر2024